| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

د. حسام آل زوين

 

 

الأربعاء 6/3/ 2013

 

على جسـر المسيب
ان يقول ما لم يقلــه 

د. حسـام آل زوين

لا عتمـة كانت في بيـوت المـدينـة والـدرابيـن

لا ظلمة كانت في بيـوت البســـاطة من الطيـن

ومازالت رئتـها تستنشق ما يفـوح من البساتين

برائحة الطلع والقـداح والخـبز والتفـاح والتيـن

النهـار والليـل في المسيب جميـل ، حتى الظـلام جميـل

بحبها من هي مفتـونة وبغرامها من هم بمجـانـين

نهـر الفـرات المتـدفق تتراقص له شـجيرات الصفصاف ، تتمايل اشجار النخيل ، حركة النهـر لـوحة ســريالية ، لحـن يمـتزج برفـرفة وتغريـد الطيـور، ايقـاع موج النهـر المثقل بالغـرين ودقات الطين .

  مـركـز المدينـة على عجل ؛ هــو سـوقها العتيق المسقف الحامي لطلب الرزق صيف وشتاء ، مقهى مهـدون مسيبي ، وما يختبئ عند كنباياتها وحصرانها من أحاديث وأسرار تـدور ، رحل العنيد العميد ( حسن الركاع ) ... ورحل المعلمون تركي ، خضير، سـكران ، مصعب .. مبكرين عن الجيل الجديـد ، في المقهى يرتوي المـرتاد باسـتكان مقدم الشاي القهوجي ( لطيف ) وابتسامته حينما يناديه  (ابو عبد ) مهـدون وهو متربعا عند ( الدخل ) المغطى بصينية الصفر؛ باحضار شـاي لطيف ؛ تختلق النكتة ، من اين لا تعلم . السـوق ؛ منذ الشـروق كخلايا النحـل ، يعـج بالمارة والمتسوقين والمعارف من اهل المدينة  بصوبيها الكبير والصغير، رائحة الريحان والخضرة ندية بقطرات الماء ، قطفت في المساء او للتو قطفت ، تجذب ، تســتقبل الداخلين والكادحين . دكاكين ومحلات متراصة كبيوت النحـل على جنبي السوق ، لازال محل تومان بحباله ، الغـوص في اعمـاقه يستغرق بعضا من الوقت حتى المفترق . يسارا ؛ تخترق رائحة البهارات والفلفل وما لذ وطاب من المخللات المسيباوية خياشيم المارة ومن لم يمسك نفسه يطعمه صاحب الـدكان ، ورويدا دكاكين القماش متعدد المصادر، اماكن القصابين وبائعي السمك ، تعرج على دكان (يوسف الفحام ) . يمينا ؛ تاتيك العلاوي ( علوة ) مملوءة من خير المزارع المتنوع بمحصولها السنوي من بصلها وعدسها ، الشعير والحنطة ، ومنها ما تفوح برائحة العنـبر والبسمتي ، وصولا الى حمام المدينة ، أسـتقباله صيف شـتاء للاعراس والمناسبات . من مفترق السـوق تقتادك رائحة النهرالى ضفافه ، بعد المفترق بقليل يمينا دكاكين الخياطين مزينة بصور الامام علي (ع ) وصور لعارضي الازياء ، كصورة فاتن حمامـة وماكنة الخياطة ... عالقــة في الذاكـرة والاذهان ، ويسارا ؛ تلـوح شـــناشيل بيت ( روجينـــا ) عند ( عكـد ) اليهود ، لازالت شبابيكها بزجاجها وألوانها القديمة مركونة مرتكية ، محمية بقضبان ، لم يغيرها لا الظلم ولا الظلام ، رغم سني الهجران والنسيان تعكس وتحكي طيبة وصفاء العلاقات والناس والايام ، وعند الحسينية التي لازال الشيخ مهدي الخطيب  ذكراه حاضرا فيها ، يلوح الجسـر العتيق ... جســر المسيب ذو الثنيتين يقاوم هـديرالتيــار والفيضان . والجسر خشبة مسرحاَ ، يشهد عند هــدوء التيار ... أواخـر اذار... كرنفال مسيباوي ليلي ، من فوقــه ؛ بعد الغروب ينتظر الجمـعُ شـموع الامنيات ، المراد والنـذور ، ترســلها الصبايا والفتيات الحالمات بالغـد والقران ، على الواح من الخشب كي تعـوم ... ، متلألـئة تتراقص مع الماء ، يصحابها الفرس الابيض للامام الخضر وطير النهـر من حولها يحــوم ، تتراقص مع من في السماء ، يحييها القمر وتراقصها النجـوم ، لتنحـدر في منحنى ( الجواهري ) ولتخاطب النخيل الباسق بالضفاف بطريقها الى الســدة ، ترافقها أمنيات ، تنهدات ، حسرات تسـابق المناشير واخبار حمـد القــطار ، ... والخلخال الذهبي يغري من بعيد ... تبتهج النفوس ...  وتنجلي الهمــوم .

بعد حين من الدهر، لازالت عند جدرانك القديمة يامسيبي منقوشة حية ترفرف حمامات السلام ،

الا زالت بنات المحلة العفيفــات الناهــــدات بضفائرهـن الزاهيات ماكثات ينتظرن شــاي العصر بعد ان اًعدتْ كل مستحقات تنظيف (العكد ، عكـد أعصفير ، الانباري ...) والمكان كعائلة واحدة ، ليجلسن ما وراء العـرين العصري ( عمـاريات العاقـول ) ليســرقـن النظر بتمعـن ، من لبس ربطة العنق ، أو من يخرج من الابواب . لطول النهار يتجاذبن اطراف الحديث ، ما حل في الليل والصباح من اخبار، حتى الغروب ، وقد أستكملت خططهن ،  لينهضن منذ الصباح  لتهيئة اثـواب الافـراح .

أهكـــذا أنتي ... ! .

وانت يا أيها الجسـرالعـتيد يجب ان تقـول ما لم تقلــه !

كم مر بك الانجــاب

كم مر بك الاحبــاب

أتعلـم ام لا تعلم .. قـد رحل الانجـاب

انت صامت ..  لقد تعـددت الاســباب

كانت بوجههم موصدة الابـواب

ألم يوضح للســائل الجــواب

لم يعرف بها الصبية والشباب ولا الاصحاب

أحلفــك ياجســـر المسيب

بفتية مروا بك هم من الابرار

شـفاههم تفـوهت باحلام غـد واسرار

اياك اسـتعين بذكراهـم وبأطلالـة أذار

انت صاحبنا ياجسر الخير والاخيار

انت صاحبنا ومثلنا بجسر وعبار

نحن كما انت ؛ متباهيا بشناشيل المدينة ، بفوانيس ازقتها ، مطربا بعبرة الخنج ورنة الخلخال ، شـــاهدا على السوق على الخــبز على التجــار

على مجـرى النهـر وقـوة التيار

انت مفتاح خير للمدينة للناس

وكم عندك مايكفي من العزيمة والاصرار

عندك اللقاء والملتقى في الغروب والافطار

لك سـمعة خير وصدى وتاريخ واغـاني

ياجسر الخير لقد سـقط الطغاة وشـر هزيمة بخذل وعـار

أحلفـك لا تنسى فتية مروا بك هم من الابـرار

أعـزاء في القلـوب أعـزاء بافـتخـار

وحسبنا بان الامر قد انتهى بفتح الجســرالاخر ، الا اننا لا زلنا نواجه الصعاب والعتمة والتهجــير والجـوع والضيق والعـوز والتهمـيش ، وكشفنا عـن كل عـوراتنــا ولم يجــدوا ذيـولا فينا ،  وقبعنا  نجـتر المآسي والظلمـة تلحـق فينا ، والظلم لا زال يحرقنا وينفينا .

أنسيت ياجسـر المسيب يوما قالها الابـرار ، سوف تأتي مشرقة الايام ، تنقشع الغمامة يوما وستصدح أصوات ناظم الغزالي ، صديقة الملاية ، فؤاد سـالم بذكر مسيبي ليتعالى صـداها تناغي الصوب الصغير وتكــبر ، قالـها ســكران مرهـج مستمسكا بعروة قانون التطور الوثقى لا انفصال لها ، للطبيعة وللمجتمع ، أستاذ خضير وتركـي ؛ علم الجمال والفن والتشكيل ، موسى السيد والوجـدان والوجـود والوجودية ، عشــقكم للثقافة للانســان ، قلتمــوها :

لابـد ان تنتهي سـني الظــلام

ويعم الخير بالمدارس والملاعب للاطفال والايتــام

ويرفرف في ســمائك عاليا كل انواع الحمــام

وعليك ياجســر المسيب أن تقــول ما لم تقلـــه بعد ، وما لم نعرفــه بعد .

 

 

 

 

free web counter