| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسام آل زوين

 

 

 

الأثنين 4/5/ 2009



اطفـأتُ ناراً .. اشـعـلتُ نارا !
نجف - كـربلاء

حســام آل زوين

لم يحـس بنفسـه وبكيفية الوصـول الى الوطـن الا حـين لحظـــة انتـابتـه رغبـة جامحـة لتقبيـل ارضــه التي ودعهـا منذ عقــود مـذرفـا الدمـوع ، والتي بنى لها حلمـا وخيـالا منـذ ان غـادرها مضطـرا ، وقطع عهـدا مع نفسـه بأن يقبلها ذات يوم عند الدخـول وسـاعـة الرجـوع ، امـلا بانه سوف يأتي ذلك اليـوم وتأتي لحظـة اللقـــاء ، لقــاء الاهــل والاصـدقاء ، والبحث عـن ذكــريات جميلة نقيـة طيبة انقطع عنها الوصل والتواصل . حـبه لوطنه هو دافعه الاساسي الذي اسـرى به للرجـوع ، الحـب الـذي اثقلـه والذي لا زال يحمـلـه في طيات قلـبه وروحـه ووجـدانه طيلـة هــذه السـنين من الغـربة والـوحـدة والحـرمان والتهجـول والترحـال والضيـاع والجــوع .
ودع المضيفات بابتسامة حلوة على ما لمسه من حسن الخدمة ، توقف لحظات عند السلم ، اجال بنظـره المنطقة المحيطـة بالمطار، تذكـر ايامه عند القمم في جبال حصاروسـت وقت الحراسات ،
ادرك بان رجـال الحمـاية الفـتيـة المدججـين باســلحتهم قـد لا يفهمـون قصـده وهو يـروم لتقبيــل الارض فتحـدث كـارثـة ما عند ســلم الطـائرة لا تحمـد عـقبـاهــا ، وهو النشـاز من كل الزائـرين ومعظمهم من الهـنــود البهــرة القادميـن من الهـنــد لزيارة العتبات المقدسـة وان لا يفسـد لهم تلك الاجـواء وهم محملـون بالهـدايا والالـواح الثمينة المزخرفة بالـذهب والفضـة والبسة من الحرير، واناس مستقبلـون لهم ينتظـــــرون ! . تذكــرهم ايام الطفــولـــة حينما كانوا يبيعون السـمبوسـة الهنـدية المطـــعمة بالبهارات والفـلفـل الحـار في الاســواق والحارات ، تذكر حينما دخل مع ابيه ذات يوم الى بيوت احدهم من الاغنياء وابهره نبات الشـاي السيلاني واعجب لممازحته الببغـاء ، اكتفى باستنشـــاق هــــواء ونســيم وتــربة النجف ، امتـلأت رئتـاه منها ، صـار يكـفي هـذا هـو الـوطـن المنتظـر. ادار بنظره يميننا ويسـارا ونحـو الافــق . واكتفى بقـراءة ســورة الفــاتحــة ظنا منه بقـرب المقبــرة المتـراميــة الاطراف ، ولا سيما وعـده قـد تحـقـق حينما وطأت قـدماه اول مرة ارض كردســـتان قبل عقـديـن ونيف من الـزمـن في مفـرزة للانصـار البيشمــركة عند دخــولها الحـــدود الغـربية بعد انتهاء ذوبـان الثلــوج ، حيث قـد ســجـد بقيافـته العســـكـرية ومع رفـاق دربـه وســوية قبلـوا تـــراب الوطــن الحـبيب .
على عجل تمت اجـراءات الـدخـول والتفتيش داخل المطار وخارجه من قبل القـوات الامريكية ،
تـوقف عند الحاجـز الاخـير يتطـلع بالـوجـوه ايـن اهــله وامـه واخـوانـه واخـواته !؟ ، ومن هـذا الحشـد الكبيـر ومن هــؤلاء الشباب والنسـوة ؟ ، وهؤلاء الصغار الورود ! ؟ هل هم هــــؤلاء؟ ، ام اولئــك ؟ . لحظات لا يعــرف كيف يتصـرف ؟ ماذا يقـول ؟ من يصافح ؟ تقدمت العجــوز
المسـنة ! نعم هـذه امـه ! ، احـدودب ظهرها من ثـقـل وحمـل وأنين السـنين ! ، لقـد دق بالعــراق
اســـفين بعـد اســفين ! ، ضمها لصدره واحاطها بذراعيه قبلها بكل القبل ودموع الفرح والاشتياق تنهمر من العيون ، خجلان ام فرحان ؟ ، قطع كلام امه ذلك الصمت ؛ كم يوم ويوم انتظـرت هذا اليوم ؟ ، يابني لقـد شربتم حليبا طاهـرا ! ، امـاه لم اتغــير لازلت على العـهـد باقي ! ، يابني هذا هو انتم كل فخــــري وثــــــروتي في دنيــاي ! ما تقصده في نفســها ان تقول قصيدة البــــراءة لمظفـــرالنـواب ، تحب الشعـر وتنظم القصائد وحافظة القرأن وقصص الانبياء من امها هي بنت الســـيد الهاشــمي ، كانت من رابطـة المرأة ولم يخفها الطغاة يوما ، ولها عمق البصيرة . تمالك نفســه ، حــدق وتمعـن بعمــق كل وجـوه اخــواته اللواتي يصغـرنه ببعض الســـنين واحدة واحدة الا واحدة فهي خارج الوطــن ، وقد لفهن الكبر والشيب وعــذاب الايام ، متقبعات بالسـواد . توالت عليه التقبيـل والـقـبـل من الاخـوة والاخــوات والشــباب والصبية والاحفـاد ، عـرف فيما بعـد من هذا الـذي نــاداه بالخـال ومن ذاك الذي نــاداه بالعـــم والجــــد ايضا ؟ ، ومن اين كــل هــذا !؟ تناثـرت قـطــع الحلــوى والهلاهــل والـزغــاريد والاهازيــج ، كـزفـة العـريس كـزفـة المناضل الغــائب القــادم من الحـــرب والمعتقـل والســجـن ، اثـارت هذه الضـجـة انتبــاه حــراس حاجز التفتيش ، لقد أطـفـأ نــار الشــوق للاهـل للوطـن بهذا اللقــاء ! .
لقد المــه ما رأه من ضجــة وازدحام وعــدم انتظام حـركة السـير وكثرة المتسولين والمتروكين في المدينة . وبيوتها المتهدمــة القـديمة والازقــة الاســنة المملوءة بالنفايات والاوساخ كمدن تعرضت للتو لحرب مـدمـرة قاسـية ، وتوشحت المدينة بالسواد والحـزن ، وتقاطر الجنائز تلو الجنائز لمرقـد الامام بـدون توقف وكأن شيئ لم يكن ! . اضافت قسـوة المنظـر اشمئزازا اخراً اين تلك المقاهي واللقاءات ايام زمــان ؟ . على طول الطريق حتى مدينة كــربـلاء انتشـرت امكنة لـدورات المياة بشكل بشع غير منتظم غطت مناظر الزرع والنخيل والخضرة والاشـجار، الم يكن بالامكان جمع كل هذ الكميات من الطـابوق والاسمنت والحـديـد وبناء جـوامــع او اماكـن للاسـتراحة والمبيت ، كخــان النـص او خــان الــربع كما يقولون . تذكر كيف التقى عند هذا المكان مع اســتاذه واخوته بطريق الصـدفة قـاصدين زيارة الامـام عـلي بن ابي طالـب (ع) ، وبعد سـنين طـويلــة تبين له انهم من الاخوة الصـابئة المنــدائيين ! . رحماك ياربي من هذا العـذاب ، ما الذي جرى للناس ما الذي جرى للعـراق ؟! ، احــس بان امعـائه تتقطع ، اشتعلت بدواخله النيران، استسلم لما شاهدت عيناه من هول الخـراب والدمـار الذي لحــق بالـوطـن ! .
دخل الباب الرئيسي للبيت ، تفاجأ عندما شــاهد النــذور تنحـر وتــذبح عند قدميه حسب العـــادات المتبعــة وتوزيعــها على الفقـــراء والمسـاكـين ، بقيت لبعض العـوائل هذه التقاليــد والاعـــراف والعــادات ، لا بأس من ذلك طالما فيها اللمة والالفة والعطف . لقد تغيـرت معالـم المــدينـة تلك واحاطت الفنادق بالضريحين ، وملأت المكان نســاء من ايــران وتبرقع المكان كله بالســواد .
وملأت المــراقــد بعملــة التـومان . والزيارة امست تجارة .
اين لياليك وامسياتك اين ؟
اين جلسات مقاهيك التي تفـوح منها رائحة الورد والبرتقال والريحان على نهر الحسينية ، مقاهي العباسية والسعدية وباب بغــداد والعباس ومقاهي الخيمكـة والعلقمي ؟ .
تذكـر مـدرسـة الخيمكـة الابتــدائية ، والمدرس حســـين الشـامي حينما عـاقبــة ضــربا بعصى الخــــيزران عندما احـــرجه بســــؤاله في درس الدين عنوانه كيف تذبـح طـير الـدجاج وهــو صبي لا يعرف معنى الاحـــراج ! .
وكيف انقسم صفهم في متـوســطة الثـــورة الى قسمين احدهم يشجع فريد والاخر عبد الحليم ... انخرط البعض منهم في صفوف وسـوح النضال ... .

اين امسيات علي الشبيبي اين ؟ . روى ذات مرة كيف اسـتطلع امـر مرقــد من المـراقــد كان مـــــزورا وذهب لاستحصال المشــورة والفتــوة ، فكان على حــق ! .
ســيدتي .. نحن ... مثلك
ســيدتي ..نحن ...نحن ..
....و.... والاســعار ولــون الدم يـزور حتى للتـأبين ... .

احــس بالكــبر حينما ناداه الحفيــد بانــه الجــد الاصــغر ! .
اتمم ايها النواب العظيم ... ان للعــراق جــرح عمـــيق ! .



 

free web counter