| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

د. حسام آل زوين

 

 

الأربعاء 3/11/ 2010

 

 كـفانا ياربي ..

د. حسـام آل زوين

تظل ملفات الاحداث صغيرها وكبيرها عالقة في ذاكـرة الطفـولة ، وخلال رحلة العمـر تتجمع وتتلاقى المتشابهات هذه من الايجابيات والسلبيات في ملفاتها ، والسلبيات منها تبقى محفوظة بعمق لا تمحى ، وكم كثيرة تلك هي الاحداث التي تعكس الواقع الاقتصادي - السياسي والاجتماعي للمجتمع وتفاصيل حياة ومعيشة الناس ودقائق الامـور، وكم هي اوجه الشبه في المعاناة الملازمة مابين الظلالة والخداع والاسـتغفال بين البارحة واليوم .

عن طريفـة تحدث بها الصديق الشـهيد سـميرمهـدي شـلال ( أبو تيسير) عن ابيه ؛ ذات مرة ، بأن احد معارفهم داهمهم بزيارته المفاجئة ليلا ً وحل ضيـفا ً، قادما ًمن الجنوب ، ولفقـر العائلة ، لم يجدوا في صباح الجمعة شـيئا يذكر لتهيئة الطعام يتناسب وقدوم ضيفهم الا بتقديم فرخـة الدجاج . ولكن تبقى مسألة الاعداد والتهيئة صعبة بالنسبة للوالــد ، حيث لم يحسن عملية الذبح والالمام بذبح الذبيحة وطرقها وبالاتجاه الصحيح للقبلـة . نادى جيرانه الشيخ لمساعدته على تهيئة الفرخة لذبحها وللخروج من الاحراج ، قدم الشيخ على وجه السـرعة ، انفتحت البابُ ، اخذ يتحجج بالتأخيرعن صلاة الجمعـة ظاهـراً ، متأملا ًبمشاركتهم ودعـوته لهذه الـوليمة القريبة منه باطناً ، ازداد غضب الوالد لتأخرالشيخ وتذرعه بحجة تلو الحجة ، تارة عن الاتجاه الصحيح للقبلـة والسـكين ، وتارة أخرى عن الماء والصابون وطور سـنين . نفـذ صبره وخاطب الشـيخَ ؛ ( رحمة الله على والـديك شـيخنا ، شــو سـويته طلابه ، اكلك اذبحها حتى نتغـده بيها سـويه ، سـويه ) ، سـال اللعـابُ ،.. بعد تأكـده مشـاركتهم الوليمة المرتقبة لا محال ! .
دمدم صاحب البيت بنفسه ، يندب الحظ على دعـوته لجيرانه الشيخ الذي لا يقـدروضع صاحبه المادي ، وتدخله ، ووضعهُ في موقف محرج امام العائلة ، ولا تقديرا للجـيرة ، ابتـزه على عدم معـرفته وتعمـقـه في اصول الـذبح ؛ علـيش هذه الطـركاعه لو كانت لي امكانية ذبح الدجاجة ، ولو اعـرف جان ما صحْـتك وورطت نفسي ؛ شـكيته الكلبي شك وبعد مالي نفس اكل ؛ يا شـيخنا الله يطيك العافية ؛ هذه البالـوعة على يمينك والبانزينخانه على يسارك ، وين ما تذبحها اذبحها ، المهم النية الصادقة يا شيخنا ، وبدون تأخير ، الضيف بعده نايم ما يعرف شنهي القضية ، وماله غرض بالاتجاه والاتجاه الصحيح ومسمياتكم ، المهم جوعان يريد ياكل ، مرمرت كلبي ، ولو اني جوعان بس طلَعتها ســم عليَ ، حصتي خليها الك ما اريدها ، لو من زمان ما اكلت الـحمه ، وهذا اليوم مثل باجي الايام . رحمات لوالـديك ؛ انت تريد تأكل لـو تريـد الاتجاه الصحيح !؟ ، أيهمك الاتجاه الصحيح ! ، أتريد تقديم عمل الخير؟ ، لما هذا المكر السيئ كله . لا والله انت لا يهمك الاتجاه الصحيح ، يهمك بطـنك ، بس التوبه أدعيك مرة اخرى ، والجايات ان شاء الله اكثـر ! .

تذكر صـديق الشهيد سـمير حادثة مخـزونة في ذاكرة الطفولة هذه ، مفادها ؛ بان معلمهم المعمم في درس الدين في مدرسة المخيم الابتدائية بكربلاء ، عاقبه على ضحكتـه الطفـولية العفـوية لم يستطع كتمها ، عندما اجاب صديقه الجالس في نفس الرحلة بهمس حول سـؤال المعلم بكيفيـة ذبح الدجاج وفق المكان والتـوجه الصحيح لاتجاه القبلة ، وان الله يرى في كل مكان ، حيث اجاب متسائلا هل بامكانية الذبح في المرافق الصحية للمدرسة ، تحرج المعلم امام التلاميذ ، وللخروج من ازمته عاقب الاثنين القريبين منه بعصى الخيزران ، وليست له ناقة ولا جمل ، ضحك كما ضحك الاخرون من التلاميذ الاطفال في الصف . مرت الايام والسنون واذا بالمعلم المعمم متكـورا بعباءة ســوداء في منبر الجامع الكبير للمدينة محتضنا المايكروفـون يلوح بيديه ويشير باصابعه بتفنن كعتلة او رقاص سـاعة ، مبحوح الصوت يصطنع البحة والبكاء والصياح .. كأنه يوم المحشـر. يتحدث حـول العالم داروين وأصل الانسان من القـرد ، وعرج على ماركس الملحـد والذي لا يغسل لحيته لعـدة ايام والماركسية والمسـاواة بين الناس ، ولزق كل هذا اللف والدوران وتحريف الكلام بالشـيوعية ، ويسـتغفر الله من الاصل والانواع ، (عرب وين وطنبورة وين ياشيخنا ) . خلط الاوراق كلها ، واقحم اسـم الحسين (ع) بموضوع داروين ، رضيت ان اكـون قـردا وان تكون قـردا ، ولكن كيف أيكون ... قـردا ؟!.. استغفـر الله ، استغفـر الله . نعم يا روزخـوننا لقد احسنت واجدت الالقاء ، نسى الناس ماركس وداروين ، وفي لحظات ابكيتهم في واقعة مقتل الحسين (ع) . اما كان من الاجدر من السـيد الروزخون ان يقف اكثر عند مأثر واستشهاد سيدنا الحسين (ع) واخذ الدروس والعبر والمآثر لثـورة ســيد الشهداء وواقعة استشهاده وتسخيرها لنصرة المظلومين والحق بدل الدخول في دهاليز تزيد البغضاء والكراهية والحساسية والحقد الاعمى ، فهي ثورة المظلومين فيها الدروس والعبر، وها هو المهاتما غاندي ذكر؛ بانه تعلم الكثير من ثورة الحسين ، فكم كان وقع كلماته لدى المسلمين الهنود ، هذه هي النيات الصادقة والتي تنمي مشاعر الخير والالفة والمحبة وتمد الجسـور بين الطوائف والاديان . ان النقاش والجدل وتوضيح الوقائع ظاهرة صحية فهي التنوير وعمل الخير وهي الحلال ، ولكن تغييرالحقائق وتشويه المنطق وعدم الصدق والصاق التهم بغيـر وجهة حق والكذب ومن على المنبر.. فهو الحرام بعينه ، والله يعلم بذلك ، وانت تعرف ومطلع على سـير الامور كذلك ، لم يمسسك احد بسوء او يعترض طريقك ، ومدى الضيم والظلم والاذلال والاذى الذي لحق بعـوائل تحت شـعارات جوراً رفعت واعراض هتكت وارواح زهقت ، بأي حق قتلت .. . وبعد سـنين علمَ بان للمعلم المعمم هذا أخـوة يعملون في السفارات العراقية في الخارج ، ويعرف معظم اسماء مدن امريكا الشمالية والجنوبية ، يعرف نيفادا ونيكاراغـوا وكوســتاريكا اكثر من معلم الجغرافيا ، يسـافر كل صيف وكل عام ، للاسـتراحة والاسـتجمام ، عبر البحـار، مستحبٌ تغيير أجواء السراديب وليرتاح من ايام القيـظ .

تتسارع وتلتم الذكريات هذه وتلتف حول محور حدثها السلبي او الايجابي ، كأنها التقت ببطلها المرتقب المنتظر الذي تبحث عنه منذ زمان ، عسى ان تلقاه في يوم من الايام ، اتت به الايام ، أحاطه المراقبون والمتظررون يتساءلون عما يجري اليوم هو اشـبه بالبارحة ؟ ، ابسط الاحلام والامال المشروعة لم تتحقق وطوى عليها الزمان بكل قسـوته ! ، ولم تبق الا حسرات وآهات لا قيمة لها ، أحدودب ظهر العمر من ثقلها ! . نعم ؛ ما اشبه اليوم بالبارحة ! ، ما أشبه اليوم بالبارحة ! ، تهميش للانسان المناضل النظيف الذي افرح الناس والوطن بالامل والعمل في المزارع والمصانع ، واسـتغفال للانسان البسيط الكادح الذي يعلم بالفطـرة ما الفرق ما بين الخطأ والصحيح وقد قدم كل التضحيات الجسام من اجل ان يسـود العدل واحترام الحقوق واستتباب الامن والاستقرار،لاجل الحبر البنفسجي الذي وضعوه اول مرة في الاصابع ، ولغاية في نفس يعقوب قضاها ، والف عين لعين تكرمون ، للـوطـن الغـالي للشعب . ولقد تغيرت الكثير من المواقف والمفاهيم والبرامج وتطورت النظريات ، ونفضت ما علق بها من غبار السوء ، واستنبطت الخصائص الوطنية فيها. ولكن !، جرت الرياح بما لا تشتهيها السـفنُ ! ، عـاد من ركب الموازنات الطائفية ليجلس على الكراسي ليتحصحص والحاشـيات المارقات ِ، ويخصخص أمتلاء الجيوب وتخمـة البطون وبناء القصور في ما وراء الحـدود بمال حرام ، يهربُ النفط ُ، تلهفُ البنوك والمصارف تلفط ، تحت عباءات وافواه وافـواطِ ، من اين لكم هذا؟ ، والله يعلم ، وفي بلد النفط ، وعلى روؤس الامهات تحمل صفائح النفط وقناني الغاز عساها تحصل عليها وبعد شق الانفس وان وجدت ، ولسان حالها يقول اين حقي .. وتعبي ؟ ، والله يعلم . ويرتحل من الوطن الاصلاء ويغادره الاخرون ..! ، الكل يسأل ويتمنطق بالصحيح وهـو بعيد كل البعد عنه والشيئ الصحيح محرف ، كالذي يدعو الناس للصلاة ولا يفقه بها ولا يصليها ، اليس من وضوح للحاكم والمحكـوم والناس بعد هذه السـنين السـبع العجاف ِ؟ ، لقد تضور الشعب جوعا وعانى من حياة العـوز والكـفاف ، كـفانا ياربي من خناجر وقامات ومسـلحين وسـلاسـل وسـيوف وذبح سـياف ِ، كـفانا ياربي هجـرة وغربة وهذا الوطن الممتد من الجبل الى السهل وحتى عناق النهرين ، جنات عـدن متسعات لكل مضطهـد وكادح من كل ناحية وبتنوع الاطياف ، كـفانا ياربي تهميش الانسان والاستخفاف ، كـفانا ياربي من الظـُلام ِ والسـراق والجهلاء والاجلاف .




 

 

free web counter