| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

حسام آل زوين

 

 

الثلاثاء 2/6/ 2009



اطفـأتُ ناراً .. اشـعـلتُ نارا !
(5)

حســام آل زوين

محـمــودية الخـيـر
خـلال عــودته وطيلة الـوقـت شـغل فـكـره موضوع قصـرالمسـافات للشـوارع وصغـرحجـوم وتقــارب البيــوت من بعضـها البعـض وانكماشــها . لقـد صغـر المـكان ، رغـم توســع العمـران منتصف السـبعينات والانتشــارالعشــوائي في احــياء عـديـدة للمدينـة ، وبعد كل هـذه الســـنيـن ، اهي نتيجــة ما بعـد الحـرب ؟ ، اهي ظاهــرة ما ؟ ، ام ان الـزمـن قـد تغـيـر ! . لقـد ذرع المكـان ذرعـاً ، تمشـاه ، فحصـه ، لم يجـد التفسـير لذلك ولا حتى في برامج الحاســوب وخـرائط المسـح الجـوي ، لقد كبـر وكبرت المـدن ، لـه عمـرٌ ولها العمـرُ. كانت المـدينة ، في مخيلتـه ، في نظـره طـويلة كـبيـرة مـتراميـة بهـيـة مـهيبـة ، خشــع قـلـب كـل من اليها نظــر! ، بعـــيدة هي كل تلك المـســـافـات ، يخـاف الصــبية قـطـعهــا بانفـــراد ! . ولكــن مـديـنـتــه وشــوارعـهـا ودوارهــا وازقتهـــا واحيائهـــا ودكـاكينــها وناســـها الطـيبين حـفـظـها طيلـة غـربتـه في لفـاليــف ذاكـرته ووجـدانه وضمـيره امانـة ً . لقـد احســن رســم الارض والخـرائط وتقديرالمسـافات ، تعلمها من دراسته ولدوراسـتاذه في مادة الرسم الهندسي مـفيـد حـســو أخـوان في صـقـل المـواهــب وفضله الجميل ، ولـرسـمه الـوديان والجبـال في فتـرة الانصـار . لايعلـم ..، او هي ظاهــرة لا محـل لهـا في اشـغال الخيال والبـال ، نعـم ، ايقنـع النفـس ان يكـون له دور ونهاية بطـل روايـة الفـراشــة ، ايســتطـيع ذلك ؟ ، او يقنـعهـا باخـرالمطــاف بانه كحـال الســجـين الذي قضى طيلــة العـمـر في ســجـن اســمه الغـربة ، او فيما بعـد يقـول ! . او باضعـف الايمـان كـعـائــد من جبهـات الحـرب والقتــال وبعـد ان حـل في المـدينـة الحـريـق والجـوع والـدمــار وقـد ذهــب كل شــيئ في مهــب الـريـح . نعـم ، وقد أكـلـت الانـقـلابات الابنـاء.. والحـرب طـرقـت كل البيــوت .. لكـن لما .. ؟ ، ومن اجـل مـن ..؟ ، فـقـد ومـن خـيـرة الشــباب ! ، مســؤوليـة من ؟ . أســـئلة كـثيـرة لمـن ؟ .. ، ( ياأَيُها الَذِينَ آمَنوا لا تَسْأَلوا عَنْ أشـيَاءَ إنْ تُبدَ لَكُمْ تَسُؤكُمْ ) ! . نعـم ، لقـد عـلـق بـذهـنـه شـــرح وتـوضـيح الـدكـتـور رحـيم عـجينـة في نــدوة للانصـار مـن اجـل ايقــاف الحـرب ، حـيث كـان مـوقـف الحـزب الـرسـمي منذ بـدايتها التنـديـد بالحـرب والمطالبة بايقـافـها ، ولا زالـت تـرن في رأســه الى هـذه اللحـظة ؛ لا نســتطيع تقـديـر حجـم الكـارثـة ونتائجهـا وتفـاعـلاتها حتى ما بعـد توقـف الحـرب ! ، لقد صـدقت كل تلك التـوقعــات ، أهـذه هي الـنتيـجـــة !؟ .

طرق بـاب الـدار، في تلك المنطقة الممتدة خلف مدرسـته الابتدائية الاولى ، كانت هذه المنطقة اجمـل بســتان ، حينها وبطلب معـلم الرسـم شـاكـر ، رسمـها اول مـرة اروع منظــور ، عـاود الطــرق ، خـرج الاطفـال وخـرجت النسـاء متسـائلـين عن الضيف الكــبير في طرق الباب ، من خـلال تفـرسه باحسـاسه المفــرط في التشــخيص ، عـرفـهم بدون مقـدمـات ، هـؤلاء هم اخـواته واخـوه واطفـالهم من ابيه ، اجهش الجميع بالبكاء ، جلس والجميع ملـتف حوله بلـهفة ، لم يستطع تمـالك نفسـه حينما وقعـت عـينه بعـين ابيه بالصورة المعلقـة ، يكلمـه ، يعاتبـه ، يـؤنبه.. يؤذيـه يـؤلمـه شــدة التـأنيب واي عتـاب ، عتـاب مريض ، ينتظر قــدوم ابنـه الذي منذ امـد قـد غـاب ، كان ابــوه يقـص عليه قـصـص الائمـة والانبياء ، قصـة ســيدنا يـوســف وانتظـار ابيــه يعقــوب وايمانه بوجـود ابنه على قيد الحـياة والعـودة واللقاء ، بعد ان حلت بهم السـنين العجـاف . ليسـت مصـادفـة حينما اسـمى ابــوه طفـلـه يـوســف من زوجتـه الاخيـرة ، اغــرق وجـهـه بالـدمـوع ، تحسـر بعمـق ٍ والـمٍ شــديـد ، لم يســتطع حينها حضـورمراسـيم دفـن ابيـه بسـبب المنـع وقسـاوة وصـعـوبـة الظــروف ، تحســرلقـصـص أبٍ لابـنه لـم تكـتمـل ، ودفـنـت معـه اجـوبـة لاســئلـة الابـن المؤجـة التي قـد تأخـرت وتأخـر الكـثيـر ، تمنى ان يكـون وحـيدا وان يبكي الكـثير ليطفئ حـرقة التـأنـيب والعتاب التي اجـتاحته باعماقــه .

وقف عند زقـاق المسـجد القـديم ومقـابل خـان السـبيل ؛ منتصف الستينات وهـو طفـلا ، كان قـد خـفـف من دخـولـه المسـجد كــردة فعـل بعـد وفــاة جـده ، اخـر مــرة ودع دخـولـه المســجد هـو اول ايام عـيد رمضان ، وهو لقـاء بالسـيد داوود الشــرع بعـد صـلاة العـيـد مع ابيـه وجمـع من الاصــدقاء ، وكان يســمع ما يـدور من خـلال حـديـث شــخصيات الحضـور وتـوزيـع الادوار . تفحـص مـدخـل ودكـة الخـان عـريـن السـيد تـركي وممتلكـاته من القنـاني والعـلـب الفـارغـة ، لم يعـد سـيد تركي جالسـاً هناك ليعـطف عـليه ممـا يعـطيه ابيه من نقـود ، نظـرللـزاوية في ســطح الخـان حـيث شـهدت تعـلــيق الصـوروالــلافتـات والتعليقـات ايام الـوحــدة العـربيـة والتي لم يـدم شـهرالعسل حينها الا ايام معدودة ( وحـدة ما يغـلـبها غــلاب ) ! ؟ ، صـورتلـزق تلصق واخـرى ترفع تـقـلـع ( جازاك الله خـيـرا ياحمـيد الرقاع ) ، ولكن محـبـة الوطـن تبقـى تفيـض بها القـلوب الخـيرية ... هـم بالـدخـول لسـاحـته ، الا ان التفـاف الاصـدقاء والمعـارف حـوله حال دون ذلك ، راه صـديقـه الاخـرس الكبيـر من بيت الشـاطي ، قبلـه فرحـا كالطفـل الصـغيرعلى عجـل وعـاد مسـرعا مقبـلا اياه داعيــا الاخـريـن باللقــاء ، وما هي الا لحظــات وتجمـع الكـثير مـن اصـدقاء الطفـولة والمحلـة ، منهم رغم كـفـائته لم يحالفـه الحظ في الانتخابات المحلية . في الطفـولة عـمل سـوية مع الاخـــرس في صيدلية احـد معـارفـهم ، جمعـوا الطوابع البريدية من الرسـائل الواردة للصيدلية من الشركات الاجنبية ، بريطـانية والمانية وكنـدية انذاك ، ســوية و بألم شــاهـدوا يـوم اعــدام الـزعيـم عـبد الكـريم قاســم والقـادة الاخـرين ، بالمقهى المـجاورة لصـيدلية المحمـودية ، تألمـوا سـوية لانهم احبـوه وهم صـبية لا يعلمـون الا بصـدق احسـاسهم ، وقـد صدق الاحسـاس . اجال بنظره الى الـدوار العظيم (الـفـلكـة) والتي يقف شــرطي المـرور تحت مظـلة في وسطها ، وكم شــهدت من الاحــداث والمظاهـرات الطـلابيــة منـذ انبثـاق ثــورة 14 تمــوز المجيــدة ، في ذاكـرته ؛ تنطلق المظاهرات في البـداية من مـدرسـته الابتدائية الاولى للبنين القـديمـة خلف خان الســـبيل مخـرجين طلبة المـدرسـة الثـانيـة ثم مدرسـة البنـات حاملـين اللافتـات ، ثم التجمـع عند ( الفلكـة ) حيث الخطـابات والهتـافـات ، من الطلبـة من يبقى في المظاهـرة الى انتهائها والقســم الاخرمن يحاول ان يفـلت ويهـرب من انتظـارٍلا يغـنيه من جـوع او يحميـه من ضربة عـقـال من ابيه واضعف الايمان ينتهي بتوبيخ ، ويتفـرق الجميع الي البيـوت عندما يحــين وقـت الغــداء .

قبـل زيارته لبلـدته بيوميـن ، كان لقـاء قـد تم باحـد الاصـــدقاء يصغــره عمــــرا عند مجلـــس السلم والتضامن بمحض الصدفة ، احس بانه من مدينته ، لم يستطع الصبر ، عرَف نفسه ، عرفه وعرفوه ، قبلوه ، تبادلوا اطراف الحديث عن الغيبة والغربة والمدينة ، وعدهم بزيارتهم والمدينة العزيزة عليه ، مـدينته هي طفولته ولعبه وبيته ومدرسته واصدقائه وبداياته وامتداداته . سـئل من بقى على قيد العمـر من المعلــمين والمدرســين والمعـارف ومن بقى من الاصـدقاء ، ولم تمسـهم الحـرب ولا الطـــغـــاة ، لم تمسـهم الحـرب ! . لم يـبـق من اولـئك الشـباب ! ، الا من المســنين وشــباب ضاع في وقـت بدون قياس او تقـدير ، كمـا هـو ورفاقه ممن اضاعوا طاقـة عمرهم في سـفـوح الشـمال . كم كان يتمنى ان يكون لقـاء له باصدقاء من امتـداده ! ، ليقـص لهم ذكـرى ايام وايام .. ، تذكــرمن كان قـريبـا للقـلـب وللانســان ، البطـل رزاق شـعلان وعبد الـزهرة وعامـر كاظم وعبـاس علي .. وغـيرهـم ممن كان سـفـره على عجـل ، لقـد ضربـت الحـرب كـل بيت ، وسلبت الظلمـة كل شيئ جميل ، الاصـدقاء لا تسـتطيع عــدهم ، ومنهـم لازال خـارج الوطـن .

اسـره اللقـاء مع من بقى من اصدقاء العـمر والجـيرة ولم تغيـره قسـاوة وظلم الايام ، عند توقفه عند بـاب المـدرســـة الابتدائيــة الاولـى ، تـذكـر اصـدقائه في المـدرسة ؛ صـلاح مهــدي حســن ولعبـة السـعـلوة في انبوب تصريف مياه الامطاروالـذي يتذكـره عند كل بنايـة ينفـذها وفيها هــذه الانابيب ، مـر ببيتـهم وكـبيته ابتلعـتها الطريـق ، والصديق في الصف الرابع رمـزي جـميـل حنا يوسـف ابن مهنـدس الـري والذي اول مرة عنده تعلم ركب الـدراجة الهوائية والذي لا زال يبحث عـنه لاجـل رد المعـروف والجميـل ، ومــراقـب صـفـهم نعمـة خضــير والذي التحـق بالخـدمة العسـكـرية مبـكـرا ليعـيـل عـائلته ، وياسـين عـمـاش وعـلي( برير) وعـقيـل وحاج عـقيـل وقاسم الموسـوي وعبيـد واحمـد عبـد الباقي ، واخرين لا يعــدهم وكـم تمنى ان يلتقي وبدعـوة الجمـيع ، وتذكـرمعلـميه الاوائـل الطيبين والذيـن لا زالـوا في نفسه خـالديـن ، والمـديـرعبيد الحمـود رحمة الله عـليه حيـن عاقـبه لاول مـرة حينما تأخـرعند الــردة بعــد الظهـربعـصى الخـيزران ، مهـدي الجميلي وحسـن الدراجي وعـبد الله ومدرس العـلوم ومدرس اللغـة الانكليـزية واخـرين ، تذكروا جميعا ايام النشاط المدرسي ومعلمهم الانيـق عـلي رفيــق والذي بذل الجهـود الجميلـة في اخـراج مجلـة صــدى المعــرفة ، ومـدرسي مـدرسـتهم الثانـوية سـعـدي الشـذروبسمارك وعباس الدباغ وحكمت الشماع ، والذي لم يغادرقاعة المدرسة صيفا وشـتاء حتى المسـاء الفنان التشـكيلي الكبير نعـمان هـادي ، ومعـاون المـدرســة صــفاء العــاني الاخ الكـبيـر لم يعـد يلـبس دشــداشته بانتهاء الــدوام فتــرة الصيف ، والاب صـبري الـفــراش ؛ ابـو حمـزة لا تتعـب نفسـك في فتـح الابواب الجـانبيـة للـدخـول ، انـدثـرت مـدرسـتك ولم يعـد مطـرالاحـزان مثـل تلك الفـصول ، اتعـلــم ! ؛ كـنا صـبية نعـلم ... ، انك من الـرجال كـنت بصمت شـهمـا وغيـور، ونعلـم بأنك تـقـرأ بخـلـوة ، بشـغف صـحيفة كانت اومنشـور، ولم يعـد هــراطـة يجـول المـدينـة يضمـد الجـراح ، كان يزرق العـافية والشـــفـاء ويبعـث الامـل والخيـر للنـاس ، للـفـقـراء . قـولـوا بالله عليكـم كيف نعـيد ارث وصرح اجمـل واروع واطيب الذكـريات مع اطيب وانقى الناس ! .

دخـل ســــوق الخضـرة ، اتعـبته وآلمـته الفـوضى وعـدم الانتظـام والاوســاخ والفضلات ، احــزنه تغـير المكان والبيـوت العتيقـة المهـدمـة والتي لا تتمتع بابسط الشروط الصحية الملائمة للسكن ! ، متسائلا الا يستحق الانسان العراقي ان يعيش باحسن من هذا ، مقارنا ذلك بما توصلت اليه البلدان المجاورة فيما يتعلق ببناء السكــن اللائـق . حـن الى ايام الصبى والدكاكين والمحلات القديمة من خـان الســبيل ، الدكان الكـبير دكان ملا صـالح وما يخطـر بالبـال وما تتمنـاه النـفـس من بضــاعـة ومن كـل الاقطـــار ومع ثبـات الاســعار ( قاتـل الله عــدم ثبـات الاســعار واسـعار ما يسموه بالســوق الحـر ) ، والدكاكـين المجاورة له ، على اليـمين محل الحاج مـيرزة ولم يعـد ملصق مـارلـين مـونــرو راكـبة دراجتها الهــوائية عند واجهة المحـل ، ورحل مصلح الراديوات شــكـر ورزاق ميرزة والى اية وجهــة لا احـد يعلـم ، ومحـل رشــاد وســـاعات جـوفيـــال ، اين الحــلاق جهـــودي والـذي بـدون اسـتشارة يحلـقه درجـة الصفـر، ومحلات القمـاش والـبزازين ، ودكاكـين آل الشـاطي عبــد الامـيـر وهـادي المعـلـم وابوهـم الانســـان الهـادئ المسالم ، مصبغـة داوود الصباغ وجلوسه مع صديقه احسان ، وعلوة الحلاوي التي تفوح بالعنبر والبهرات والخطأ المســتمر في كتابتـه اسـم احمــد المهـنا الى هــذا اليــوم ، اشــــتاق ان يأخـذ كأســة (المحلبي ) ، اشــــتاق لدكـان عـبـد البعيـوي ومجــلات المـوعـــد . متأســـفاً لم يسـتطع هـذه المـرة استـنشـاق رائحـة الشــاي السـيلاني المـنبعثـة من دكـان ابـو مـولــود والتي لم تفـلـت من حـاســة شـمه طيلة تلك الســــنين ، اين مقهـى ديعـى بمـراوحهــا والتي كانت تغــص بابنـاء المـدينـة والقــادمين مـن خارجهــا ومن الارياف ، ايـن تلك الحـركـة التي لا تنقـطـع عند حـلـول ايام الصـــيف عند دكـان مـرطبـات حمـزة البغـدادي ، لم يـذق طعمـا لاســـتكان شــاي مثـل شـــاي قـهـوة محمـــيد وقـت العصر،او مقهى عـبـيـد ايام الجمعـة ، تمنى ان يرجعـه الزمن للوراء بكثير وان يدخل مكتبـة ابن خـلـدون للقــراءة وقت الصيف الحـارقاطعـا كل تلك المسـافات من بيتهم القديم ، ولـن ينسى ذلك التجمـع من شـباب مـدرسـته ايام الاحداث السـوداء عـام 1968 ! . مـن هـؤلاء ؟ ، اكـد الشباب ، بان هـؤلاء قـد ركـبـوا قـطـارا امريكـيــا مـن اول الايام ! ، اي قـطــار ياجمـاعــة الخــير ؟.. ، كـان من الشـباب ومن الطـلبة رزاق شـعلان ويحيـى وجــواد كـظـوم وطـاهـرتـركي وعبـد عـلي وياسـين زكي واخيـه دحـــو ووادي وعـامـر وجبـار رزوقي والـويل الـويل اذا زعـل ، يرشــقك برشـقة مـسـددة من خـشـمه الكلاشـنكـوفي ولمعـرفة جـواد كـظوم الجيدة بنقاط ضعـفـه واسراره يسـتطيع ارضائه باخـرالمطاف ، واخريـن . الغـريب ؛ كــيف ومـن ايـن لهـؤلاء هـذا التشـخيص وهـذه المعـلـومات وهـم طلـبة المـدارس ؟! . شـباب المـدينة انتم وبكم الـوصف الجمـيل يقصر !.

اراد ان يتجول بالمدينة ، بكل ازقتها ودرابينها ودكاكينها ويشبع ويملح نظره وبصـره بها ، وان يحــدد مكـان بيتهم القــديم بيت جــده وابيـه ، بعد هجمـة الطريق الجـديد الموازي لسـكة القطار ، وفي غـرفة جـدته من ابيـه ، حفـرت حفرة وضعت فيها علبة ، اوصته بفتحها بعد موتها ، خزنت له الدنانـير ومحـبس ذهبي به تاج المــلك . هنا قـد اخـفى صورة ما ، لم يعرف حينها لمن تعـود ، فهم فيما بعـد انهـا صـورة نـوري الســــعيد ، وخلف باب غـرفة جـدته الصـق صـورة الـزعيم ، هنا اهداه احـد المهندسـين الروس ميدالية صغيرة اسماها ( خـرشـوف ) بعـدما اســقاه بطاسـة من اللبن . وهنا اسـقبلوا قـطار مـلا مصـطفى البـارزاني والمقاتلين العائدين ( هـربجي كـرد وعـرب رمزالنضال ) ، بعـد اعــوام دخـل كـردسـتان نصيرا ودخل منطــقة بــارزان . من هنا بـدأ يقــرأ كراريـس لينــين والشــبيبة والمجلات الفنية وجـده رجـل الـديـن !، وهنا امام الباب تجمع اصدقاء الطفـولــة والمدرســة والمحــلة ، من هنا ســـمع الاذاعـــات ، صـوت العــرب ، نصـرة شـــعـب فلـسـطين وجمع لها الفلس وحفرها باعمال الطـين ومساعدة ثـورة جنـوب اليمـن والتي بعـد حـين اكرمت واسـكنت الكثير من العراقـيين ، واغاني ام كلـثوم عنـد الظهيرة وبعـد الصـلاة ، هنا بيت الجـيـرة الحـلـوة بيت سـيد بــدر ، وبائـع الخـضرة محمـد غـالي واولاده اصدقاء المدرسـة ، بيت كاظـم ابو البســتان واولاده مـوسى ومحمــد وعيسـى ... ويونــس و... ( اسـماء فــوق الطـائفيـة في ذلك الوقت !) ، وزيارتهم المتواصلة للامام الكاظـم ، ومريم تزوده بحليب بقرتها الطازج منذ الصباح عـند صياح الـديكـة الكـبيرة ، (مـوسى يتـفنن بلعبة لـوريات الســيم ، ومحـمـد يصل قـبل الطـلاب يخـوض بحـذائـه العسكري البرمائي المسـتعار من اخيه امطـارالشـتاء ، فيغطي ارضية الصف ومـدخـل المـدرسة بالطـيـن ، مما يثيرغـضـب صبري الفـراش وفي اليـوم الثاني يفتـح له الباب الاخر للمـرور ويجبـره بالتنظيف ). كانت البيـوت من الطابـوق واللـبن والطـين . ايـن بيت عـبد السادة ؟، وبيت الخبازة ؟. لمـاذا قـصت واندثـرت البيـوت ؟. امسـك بحصى القـطار، ناشده عـن فتيـة مـروا بـه هم من الابــرار ! .

لم يمهلـه الـوقـت في البحــث عن الاصـدقاء . فــرح لمشـاهـدتـه مـقـــراً للحــــزب ، تســـلق عـتبـات الـدرج بسـرعـة فـائـقـة كانه احـد القـاطـنين مطـمـئناً للـدخـول ، لم يجــد نفســه الا وهـو محـاط بجمـع من الرفاق الطيبـين ، اصـدقاء الـدراسـة والمحـلة والجيــرة ، يصغــروه بالعـمـر ويكـبروه ، لم يخـب احساسه بلقـاء نفس تلك الـوجـوه الطيبة التى بنى بها املاً وهذا صار يكفيه ، اسـتـقبلـوه اجـمـل اسـتقبال ، (جـكـارة واسـتكان جـاي ) ، تبــادلوا اطـراف الحـديث والذكـريات ارجعتـه الى بضـع ســنين كانه لا يـزال يسـير بازقـة المـدينة متـأبطـا ً كـتبـه المدرســية ، متلهـفا للقـاء العصـرعنـد سـكة القـطارمقابل بيتهـم ، عسى ان يعـطيه الصـديـق كراســا ًً للينـين او لمـاو تســي تونــغ او يوسـف ســتالـين والذي تقـاسـم مع عبـد الكـريم قاسـم حـب النـاس والظهــور في البـــدر في القـمـــر! . اراد ان يقـول لهــم ؛ ان ما تبقى لنـا من العـمـــر ، يجـب ان لا ننـام ، وان نمـنا ، فننـام بعــين واحـدة !. افـرحـه طـيبة وخـيرالـوصـل والـوصـال وتتبـع الاخـبـار، تمنى ان يـرى الجمـيع وقــد حانـت العـــودة من بلـدان المهجــر . لم يشــف غـليلـه مـن رؤيــة المـدينـة والاصدقاء ، توثـق من صـدق ما رسـمته احاسـيسه ومخيلتـه من تلك الـوجـوه التي فارقها وظلت في اعمـاق ذاكــرته محـفـوظة كل تلك الســنين . ودعــوه عـند مـدخـل المـقــر، غـادرهم بفــرحٍ وانشراح وافتـخـــار ... كـفـاك حــزنا محـمـودية الخـيـر! .









 

free web counter