| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

حسام آل زوين

 

 

الخميس 2/9/ 2010

 

ماذا جنيتم لانفسـكم ؟

حسـام آل زوين

غـادر الوطن وهاجـر منذ ما يقارب الثلاثة عقـود ونيف ، ألمته صعوبة الاتصال بالاهـل انذاك ، حيث ان الاتصالات والمراسلات امست مقطوعة بعد اشتداد الحملات الارهابية وتصاعد القتال على جبهات الحرب ، والبيوت واجهزة الهواتف مرصودة من قبل الاجهزة الامنية للنظام ، وخوفه في الوقت ذاته على افراد عائلته من تعرضهم الى حملات التفتيش ومداهمات مفارز الامـن في الليل ، مع العلم بان والدته هي التي اختارت له اسـما ً حركيا من بين الاسماء للضرورات القصوى . انتهت الحروب وسقطت الاصنام والعروش ومرت الاعـوام والايام ، نشأت اجيال ومواليد جديدة من بعـده لا يعرفها ولا يعرف الاسـماء ومن مختلف الاعمار ، اراد بكل الحرص ان يمد الجسـور مع صلة القربى وان يعيد الوصل ويعوض ما فاته وما فاتهم من الحنين خلال كل هذه السنين والبعد والغربة ، فيدفعه الشـوق ان يتحدث معهم كل على انفـراد ، وليعرف هل له فيهم من امتـداد ! ، ويتلمس ما يدور في ذهنهم وتفكيرهم وفهمهم للواقع السياسي الذي يعيشون فيه ، أتوجـد بينهم قواسم مشتركة في فهم هذا الواقع وما عاناه ويعانيه الشعب والوطن !، منْ الاكـثر واقعـية ؛ من جاهد وناضل ووهب الوطن زهرة العمر؟ ، او الجيل الذي ولد بغيابه ؟ ، من خلال رحمة الانترنيت التي حـُرموا وحُـرم منها الكثير من العراقيين طـيلة سني الحرب والحرمان والطغيان . ويدور الحديث فيما بينهم ويطول بصورة متقطعة اعتمادا على هـدير ماطورالكهرباء ، والكهرباء الوطنية ! ؛
: السلام عليكم .
: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
: كيف الصحة والحال والاحوال .
: كيف ... وكيف ... كيف تعيشـون في غـربتكم ... ؟ .
: شـكرا لكم لا بأس ، مسـتمرا في اخذ العلاج ... الخ .. والازمة الاقتصـادية العالمية قد فعلت مفعـولها واثرت سـلبا ًعلى حال واوضاع الـوافـدين والمهجـرين المعيشية وبالاخص العراقيين الذين عـانوا الظلم والاضطهاد واضطروا الى الهـجرة ، ومنهم من مر على هجرته ما يقارب الاربعة عـقود ، وقسما ًمن هو ليس في دول اللجـوء ؛ لا يستطيع حتى ان يدفـع ايجـارالسـكـن او يسـدد فاتـورة الكهرباء اواقساط مدارس اولاده او معالجة اسنانه . وحسناوات عراقيات من نتاج ما افرزته الحروب وتفاعلاتها والوضع الاقتصادي ، انزلـقن في دروب يبعـن الهـوى وفي ملاهي بلـدان الجـوار تنثـر الدنانير فـوق الصـدور، وبحوزتهن جوازات سـفر أخر الاصدار ! .

: ولكن اخبار اخرى تتوارد غير ذلك .
: نعم حيث ان كثيرا من العراقيين من يسكن في احسن القصور واجمل البيوت والشـقق السكنية ، ويتجولون ويتنزهـون في افخم سيارات دفع رباعية مميزة الارقام و(النمر) العراقية ، في دول الجـوار وبعض الدول ، ويملكون اضخم المعارض لبيع السيارات ما تحلم بها النفـوس بمختلف الماركات والموديلات والالـوان .. للتصـدير وللتفجـير وللتفخـيخ ، حتى يقال بان اسعار العقار والايجار ارتفعت وسـوق العقارات بتواجدهم انتعشت ، لا حول ولا قوة الا بالله كيف ارتفعت ، أسـئلت بكل هذا من اين بها أتت ؟ ، نعم هـؤلاء من المقربين والازلام ممن اسـتمسك بعـروة النظام ، من كان يحكم ويأمـر ويرسم القرار .

: متى تأتي وتزورنا ونفرح بلقياك ، حيث حدثتنا امُهاتنا عنك الشيئ الكثير والجميل لكي تفخر بك النفس ولكي نشبع بك العـيون ، أتعلم بانه قـد عاد الكثيرالى الوطن وانضم قسم منهم تحت مظلة الاحزاب الجـديدة ومنهم من نزع اللباس الزيتوني وتوكل على الله وعزم على ان يتعمم بعمة سـوداء وبيضـاء ، وهم بهذا فرحـون ، يحمدون الله على مستوى المناصب والمكان المناسب وتعـديل الرواتب وبعد ان رزقـوا بحجـة العمرة ومناقب .. هم وازواجهم وزواج المتعـة بدون تأخير ، وبربخـوا في كراسي البرلمان ، يتذكرون ويذكرون بان أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب (ع) يخـوص النعـل بيـده كارهـا ً السـلطة .
: ليس معروف متى اعـود ولمن اعـود ومن يدعـوني لكي اعـود ! ومتى يحصل عندكم الامن والاستقرار والامـان وتزول الغمة والعتمة والسـواد ؟. .. أيطول هـكـذا العـذاب ! .
: لم نخف ، لقد اعتـدنا وتعـودنا على هذا العـذاب منذ زمن الطاغية والحروب ، نسـأل من ونعاتب ؟ ، من قبل الســقوط وما بعد السقـوط .. كل شيئ اصبح ضمن المألوف والمعروف . الحرب والتعذيب والدمار والحصار والخشـونة والصلافة والظلم والالم والظلام .

يشـرد ذهنـه بعيـدا بعض الشيئ ويبدأ يقـارن حالات ومواقف مختلفة.. حالة العراقيين والمعاناة وانعـدام الخدمات من الماء والكهرباء ، تواضع الناس وصبرهم من الخروج من ازماتهم ، القادة السياسيين القدامى والجدد ، وما قـدمه المناضلون بنكران ذات .. ، من رحمة الانترنيت احتفـظ لنفسه بصورة للـزعيم عبد الكريم قاسم وهو نائم يفترش الارض في مكتبه بـوزارة الـدفاع ... ، اخـذ يتمتم مع نفسـه ويسـألهم ؛ الحال نفس الحال ، بعضها البعض ، بعد السـقوط ؛ اتنامـون في الصيف فوق السطوح ، ومنذ زمان ، قبل ، قبل السـقوط ؛ الم ننم في الصيف فوق السطوح ، ونرتـوي بشـربة الماء فـوق السـتارة قبل اربعة عقـود ! ، وقبل السقوط بعقـدين افترشـنا الجبال والسـفوح ، افترشنا الارض متسـاوين مع كل انواع النمـل والــدود ! . هـدير مولداتكم والاسلاك والفوضى في محطات الوقـود. سـرنا الليالي كلها مع البغـال عبرنا وديانا ًوانهـارا جارفـة في ذلك الصـقيع ، مختـرقين كمـائن وقنابل واسلحة جندرمة وبـازدار، مرتزقة وجواسيس ، جيش وجحـوش وجنـود ، من اجل قطرات من النفط والوقـود تسللنا القمم واجتزنا كل محكمـات الحـدود ، والـربُ والانصار والقبـورعلى الحدود بشـهـود .

: بصراحة كيف وجدت الـوطن ؟ .
: وجـدته بعـيداً عنا ، وصغيراً ، والمسافات بين المدن قصـيرة ، والمـدن والبنايـات خـربة واطئة مغبرة ، ووجـوه متعبة حرثتها بخشونة الالم والقسـوة فقدت منذ زمان فرحتـها والبسمة ، واصبحت الهـجرة مفهـوم ســائد بين الابـناء ، لا بل تهـيئ رغم انفهـم تلك الهـجـرة الى بـلاد الغـربة البعـيدة ، مثلما افرغ النظام السـابق البلاد من خـيرة اناسه وابنـائه المخلصين ، تنبأ مظفـر النواب ولم يجـد تفسـيرا على مقصـده حينهـا في اواخـر السبعينيات وصـوته لا زال يصدح ويقـول ؛ لي امنية ان يسـقط القمـع في داء القلب ... والمنفيـون يعـودون الى اوطانهـم ثم رجـوعي ، لي امنيـة ان تغـفـر لي امي بعـدي والشـجيرات التي لم اسـقها منذ زمان . وهناك .. وهناك من يسـلك طريق الزلة وابتعد عن طـريق الفـلاح ، واخاف ان اقـول ان الناس نسـوا الناس ، والناس نست دواوينها وجلساتها وشـعـرها واغـانيها .. واغـاني فـيروز في الصباح ! ، واخاف الله ان اقول بان الوطن نسى شـهـدائه وأبـنائـه الابرار . ماذا اذكـر ابعـد من هـذا ؟! .

: وكيف انتم في العـراق الجـديد ؟ .

: نحن .. قل ما تقل .. نشـعـر الان باننا مسـتأجرين مكانا ً في ارض اسمها العراق ، نحـس .. كالغـرباء .. الخوف طـرق ابـوابنا منذ ولادتـنا ، والمجهـول والضياع ما بعد الســقوط في العـراق القـديم الجـديد ؛ لو احترقت لا احد يهتم بالحريق ، الشـرطي يصيح بك والجندي يصيح بك ، والموظف لا يعجبه ان ينهي معاملتك ، تقف طابورا كالقطيع بأمر شرطي تعكـر مزاجه ، واذا اردت ان تتفاهم تقذف بالسب والشتم ، الدنيا أنقلبت وكل شخص ملتهي بهمومه ، بلـدي يأخذ مني وبالشر يحرقني ، وعندما اريده ، ابحث عنه ، لم القه ، القى نفسي بوحـدتي ، بلدك بلـدُ عندما يحتضنك ، الـوطنية قـد خنقـوهـا والديمقراطية وأدوها ، سيوف وسيافون وقطع روؤس ، واصبح مفهـوم الفسـاد الاداري مناسبا ًشـائعا متشعبا ً ، لا خجل ولا خوف من الله ولا القانـون ولا هم يحزنون . أســفاه ، وحـرام على اناس ضحـوا بحياتهم وشـبابهم من اجلها ومن اجله ، والان لا هم بالعير ولا بالنفير، وللاخرين لم يتحـرك الضمـير . نقـول ؛ واذا نلقى مكان اخر غيره سـوف نسـتأجـره ! .
: اهـكـذا .. ! ، لمن اضاع العمــر المناضلون الاوائل ومن بحـذوهم ؟ ، والـوطن لمن ومن ينتظـر ؟ ، اهو مكتوب لنا يا ربي القـدر؟ ، والشعب تحمل طويلا لما عاناه ، لقد امتحن وصبر، عانى الكثير الكثير وصبر، أيطـول يا ربي هكذا العـذاب ؟ ، رحماك من هذا العذاب ، رحماك من المكــر ، متى يكون الفـرج ! .

: كيف عشتم الانتخابات ؟ .

: سرنا الى الانتخابات لكي نرسي عرفا ً انتخابيا ً كبقية الشعوب التواقة للتقدم والازدهار وان نعيش كباقي الشعوب في الحياة الحـرة الكريمـة في الاستقرار والتطور ، ذهبنا وذهب الجميع وادلى كل حسب استيعابه وفهمه وضميره والتزاماته السياسية والوطنية والدينية والقومية والطائفيه والاجتماعية وحسب ما غذت به الاحزاب الجديدة وما وزعت من اكراميات وبطانيات ودولارات ووساطة للتعينات كل هذا لشراء الاصوات ، واخرون حسب عـواطفه ومصالحه الذاتيه ، واخرون زرع الله في ارض الله ، واخرون يميل كما الريح تميل ، والملفت للمراقب بان هذه الاحزاب ادارت لعبة الانتخابات بحذلقة ومعها خبرة انتخابية جاهزة استطاعت استمالة الناس البسطاء وباللعب على وتـر العاطفة والبساطة والطيبة والطائفة والعشيرة واستغلال الشخصيات والمراجع الدينية والوجوه المعروفة من الناس ، وذهب البعض ليضع اصبعه في الحبر الازرق ولاول مرة في حياته ، وحسب تلاعب الاحزاب المسيطرة في العملية السياسية والتـزوير ومراوغتها وامكانياتها المادية والاعـلاميه والدعم الاقليمي والمشرفين على سير العمليه ، خرجت الاحزاب الوطنية العريقة المعروفة باخلاصها ( ملص اليدين ) مبللة اصابعها بالحبر لا حول لها ولا قوة الا بالله وبالشعب والوطن رافعة اياديها البيضاء يحذوها الامل بان المستقبل للشعب وان العراق هو الذي قـد فـاز، ومع كل هذا فسوف تتساقط اوراق الخريف عند مهب الريح ، وتتطاير الوعود المفتولة والتأملات الكاذبة في المهب ، وتشرق الشمس ، تتوضح الاشياء وتبان ، للشعب مواقف ... للشعب عبر! .

: وانت ؟ .
: سـأبقى انا العـراق ميـلادي وزهـرة عمـري وقبـري .

: قـل ما شئت ، قل ، انت العراق وانت العمر ، وانت انت ، لا احد يسمع ولا احد يجيب !، لقد سقيتم الصعوبات ، وقسـوتم على انفسـكم واضعتم العمـر، ماذا جنيتم لانفسكم غير النزاهة والثقافة ووطنية وشـرف المواقف ، لا احـد يجـرأ ان يتذكـركم ، الا من امسى وفيا ً للمبادئ والاخلاق والاحلام الفاضلة ، ومن بقى جميل الجوهـر والمعـدن الحـر، انتم مثاليون وبجيلكم ذهب ٌ، وجيلكم سـوف يذهبُ ، الا تفتـش عن ملجأ .. لاخـر العمـر ، هـذا.. اذ لقيت المكان ، اخبرنا يرحمـكم الله ! .
اعتلته رغبة جامحة بان يتمشى بشـارعه الطـويل ليغتسل تحت رذاذ المطـر المتساقط وليزيح عن رأسـه حمـاوة افكار كادت تخنقه ، الا وهي ما يعانيـه العـراق ! .

 

 

free web counter