| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

حسام آل زوين

 

 

السبت 29/8/ 2009



وعـاد بخفي حنين !

حســام آل زوين

لا يتصور لحد الان كيف استطاع ان يقطع المسافات كلها بين الحلة والديوانية والسماوة والنجف الاشـرف ومن ثم الرجوع الى الحلـة بيوم واحد ، ماهي تلك القـوة الكامنة الدافعـة التي اعطته كل هـذا الزخم ، منذ الصباح خـرج لكـراج سـيارات الاجـرة يرافـقه نسـيبه ولم يتركه بمفـرده خـوفا من ان يصيبه مكـروه في الطريق ، ولاسـيما انه غـادرالـوطن قبل اكثر من ثلاثــة عـقـود ، وقـد تغـيـرت الكثـير مـن معـالم المـدن ، ولكـون نسـيبه ابـن المنطقـة ولمعـرفتـه بالطـريـق والتعـامـل مـع واقـع امـلته الحـروب والحصار الاقتصادي ونتـائجهما المـدمـرة ، حيث تغـيرت مجمـل العـلاقات الاجتماعية بتدهـورالوضع الاقتصادي والذي انعكس على كل نواحي الحياة للعـراقـيين وبالتحديد وســط وجنوب العـراق في المدينة والريف .

جلس كعادته في الطفولة عند الباب الخلفي لسيارة الاجرة فيما جلس في المقدمة رجل بدشداشته البيضاء وعـقاله المنفـوش وبشاربيه (ثمانيه شـباط) ، كل حـدق في وجـه الاخـر، ووفـق مـراسـه
حـدد توجه الـرجل من عبـاءته الناعمة جـدا ومن عقالـه ، متذكـرا رئـيس الجمعيات الفلاحية في منطقـته وكيف كان يتسـلل عـند غـروب الشمــس الى النـوادي الليلية يجـالـس ســوية الحـزبييـن ورؤسـاء المناطق ورجالات الامن ليتبادلوا الخـطط لتنفيـذ عمليـاتهم الاجـرامية الخبيثة في قمـع النـاس ، والى سـاعات متأخرة من اللـيل . طيلة الطريق الى الـديـوانيـة حـاول صاحب الشـوارب الشـباطيه ان يفتح الحديث معه بشتى السـبل ، واخيرا سـأله من اين انت قادم ؟ ، اجابه بتعمد : انا قادم من الاتحاد السوفياتي ، ولكن لم يعد هنالك اتحاد سوفياتي ! ، اقصد الاتحاد السوفياتي سـابقا. يعني انت من الحمـر، اجـابه : لست من الحمـر ولا الصفـر ولا الخضـر، انا عــراقي ، وطني امي وابي . تلعـثم ذو العقـال المنفــوش بعـض الشـيئ بالـرد عليه .. وكل من غادر الـوطـن لاســباب معـروفة لـدى الجميع . تكهن بان صاحب الشوارب هـذا له اطلاع على ما يبدو بالسـياسة او ربما كان حزبيا والان غلف نفسه بالعقال والعباءة كالحرباء ، مثل الكثيرين ، وكغيره ممن تعمم بالعمة واصبح عضـوا في مجلـس النـواب ، ومنهم والله ســفـراء وحتى في الاجهـزة الامنية ، اي حسب المثل القائل ( من اين ما مالت غرفت ) ، اي ان هؤلاء استفادوا من النظام السابق والحالي ، وكم من مناضل وطني افنى زهـرات عمـره في السـجون والمعتقـلات ومنهم من مـات منفيـا في بـلاد الغـربة ومن حملة الشـهادات العليا والخبرة ، والغالبية منهم شـردهم النظام السابق . فمن هنا بدأ النقاش الذي لا مفـر منه ، فاخذ ذو الشوارب يلـوم عهـد الـزعـيم عبـد الكـريم قاسم والاصلاح الـزراعي والوحـدة العربية لم تتحقـق . تكاملت له الصورة وصدق حسه وحـدسه بهـذا الشباطي ، يعـرف الجميـع بان ثــورة 14 من تمـــوز المجـيـدة جــاءت من اجـل الفـلاحـين والفـقــراء وضـد مصـالح الاقطـاعــيين . عــرج بقـرضـه مـرة اخـرى بالعمليــة السـياسـية ، نعم هنـا يكمن مـربط الفــرس ، لم يمهلـه ، اجابه هل كنت تستطيع ان تتكلم بحـرية في ظل النظام السـابق ؟ ! .
طيلة الطـريق اخـذ يتطلـع ويتحسرلان الـنزيـز والسـبخة والملوحة قد اكتست بها الاراضي والمـزارع وها هو يتـابع المناظر منذ ان ابتعـدوا عن اطـراف مدينة الحـلـة مـرورا بكل الاقضية والنواحي ، ريف يسوده الهـدوء وتكاد الحركة فيه مقطـوعـة ، ريف تحسه قـد عصفت به الـريح ، متـروك واهـلـه قـد هجـروا ، ولا تشـاهـد حتى ولو بقـرة الا ما قـل ونـدر او حتى حمـارا او مـاء يجري من سـواقي قـريبة للطـريق وكأن الـريف قـد خـرج للتـو من حـرب مـدمرة وما يـزيـد هذا التصـور هيـاكل الاليات والسـيارات العسـكرية المدمـرة والمتروكة من ايام الحرب ، وقد عـلاها الصدأ ، ولا تشـاهد امـرأة ريفيـة قـرب التنـور ولا حتى دخـانها ، المـزارع خاليـة ، وقد تيبست الاشـجار والنخيـل ولا تمـر بها الحسـناوات منذ سـنين فامست سـعفاً وكـرباً . اخذ يدمـدم مع نفسـه كم كان دخان القرى المنبعث من التنانير يبعث للناظر من بعيد الارتياح ويحيطه بالامـن والاطمئنان وعند وصول الاباء والكبار، تلتم وتجتمـع الاســر الى سـفـرتها وقت الظهيـرة اوعنـد الغـروب ،
لكن الـريف امسى على ما يبـدو متناسـيا عـرفـه بعد فـقـدان رجاله وخاليا من جلسة اللمة والشـاي والقهوة والديوان ، لا عتب فهي تلك الحروب التي ازهقـت بها الارواح وتحجرت بعدها القـلوب ، وتاه الانسـان في وسط اجـواء الضيم والظلم والظلام .

عاد لـوطنه كغـيره ، تلبيـة لـدعــوة ذوي الكفـاءات العـلميـة ، ووجـد تبـريـرا لـزيارته بالمثـل الشـائع ( زيارة وتسياره ) ، لاسيما له كثير من المعارف والاصدقاء من ايام دراسته الجامعية ، في مدينة الحلـة والـديوانية والسماوة والنجف وعسى ان يحظى بلقائهم عن طريق الصدفة . دخـل جامعـة الســماوة عسـى ان يحصل على مكان للتـدريس ، انتظر في الاسـتعلامات ، نعم رحب به رجال الحمـاية ولكن انتظر الى حـين دخـول وخـروج الـرجال المعممين الذين هم اقـل منه عمرا وبدون انتظارهم للـدور،لانه اعتاد على الوقوف او الانتظار في الدور اوالطابور، اي اعتاد النظام حسب الاســبقية . ومن الظاهـر فقـد ســاد مفهـوم دخـول اي رجـل لف عمـامـة اياً كانت بيضاء او ســوداء والتحف ولف نفسه بعباءة ، قبل كل المنتظرين ، حزت بنفسه بان رجل الـديـن يخـرق القـانـون والنظام وهو القـادم من بعيـد ، وهـو المكافـح وهـو المناضل ، وهــو ابن ال.. الملحـه ، اكان عليـه ان يعتمـر اخـر العمـر عمـة ولا سـيما جـده كان رجل الـدين ، والـذي عـلمـه حينها المفـاهـيم الاسـلامية وقـراءة القرآن ، ومن السياسة تعلم التـواضع ونكران الـذات ! ، ايضحك على نفسـه ، ايخـدع الـناس . دخـل الى العمـادة ، ابـدوا حـاجتهم الى كثير من التخصصــات الهنـدسـية ، ولكن سرعان ما انحـرف الحـديث للابتعـاد عن جـوهـرالقضية وانهم لا يعلمـون بهـذا القـرار، ووضع الموظفـون الصغار العـراقيل والدخـول بالروتين التعجيزي المميت ومتطلبات لم ينزل الله بها من سلطان ، لم يرض بها لا الاسلام ولا السلطان . خرج وقد غرق بالعرق واغـرورقت عيـناه ، سـحب ربطة العـنق هـذه ، امتلئ بالضجر واليـأس ولعـن السـاعة التي اقـدم عليهـا بتلبيته النداء ، تجول بالسـوق ، لم يلتق باحد من اصدقائه القدامى ، ويعلم الله قد يكـونوا في دول المهجـر ، تمنى ان يكون له بساط الـريح ليـرتاح عند اهله ولم يتبق الا ساعات معـدودات ، كان من المفروض ان يقضيها عند الاهـل والاقـرباء ، لقد فاتـه الكثـير من العمر ملتزما متأملا يحب عمل الخير ، يحسبه الاخرون بسيطا ساذجا ، هل ان كل امـوره قد حلها ، كل حياته وتأملاته وخططه بالمؤجل ، غـدا سـوف يكون احـسن من اليوم ، هكذا كان يؤمـل نفســه ! . لا يعـرف كنهها ، امعقـول ان تحـيط به كل جدران النسيان وابواب قلبه مفتوحة حبا وخيرا لكل انسان ، اهذا هو جميل العرفان ،ا صحيح هو ام بغلطـان .. غلطـان صحـيح غلطـان ، ام فعـلا مسـرحية الحـياة انتهت واسـدلت ستـائرها ونفـذ ابطـالها ولكل له دوره من الادوار! . ولتكـن هكذا صار يكـفي ، بحياته لم يدخر جهدا قط الا لخدمة اخيه الانسان ، افـرح نفسه بانه طيلة عمـره لم يكـن له اعـداء بل كثير من المعـارف والاصدقـاء .
رجع بخفي حنين متوجها لزيارة النجف تجـره قـوة الحنين لتلك الذكـريات والـزيارات ايام صـباه قبل اربعة عقود ، لحضرة الامام علي (ع) ولسوقها ومقاهيها ومكتباتها . تجولا بعض الوقت عند الضريح ، احـزنه ســيل الجنائـز الـذي لا يتوقف كمجـرى المـاء ، وكثرة قـراء القبـور وقـراءتهم تتناسب طـرديا بعـدد الدنانـيرالمـدفـوعة او من هيئة وملبس الناس الـزائـرين . لفت انتبـاهه صبغ الارصفة عند مرورهم خلال قضاء طوريج ، حيث اول مرة يرى بان الارصفة تصبغ بالاخضر والابيـض ، وفي كل مــدن العالم تصـبغ اما بالاسـود والابيـض اوالاصفـر والابيض للضـرورات والمنعطفـات والمداخـل والمنحنيـات ، اما هنا فقـوانينها لـيس لها عـلاقـة بالمقايـس العالميـة ، من الممكن ان تكون بها وجهة نظر او ( خالف تعرف ) .

غـادر مدينـة النجـف يعصـره الالـم وخيبة الامـل لما رأه من روتين وبطـالة مصطنعة ، وعـدم احترام المواطن ووقته وماهية الامر الذي جاء من اجله ، واذ لم يعتمـر العمامة او بدون محـابس يملئ بها اصابع يده مع اطلاق اللحية فهو لا يستطيع ان يتقدم طابور المنتظرين ، اما اذا لم يكن يمــيل او ينتمي لحزب اسلامي فيقرأ عليه السـلام ، وترمى اوراقه ولا احد يعلم حول ما يعانيه الناس ،
بأم عينيه رأى الاسـاليب في الـدوائر وكيف يتعاملون مع المواطن لا حـق ولا قانون ، اخـر العمـر وعمـره قـد تعـد العقـد الخامس وهـو لازال يحلـم ، والله يحلـم ، يحلم بالعـدالة الاجتماعيـة والقيـم الانسـانية وبالمدينة الفاضلة ، وتحـل الاعيـاد والمناسـبات ويرى البهجـة والبسـمة مرسـومة على افـواه الاطفـال ، يحلم ان يحتسي الشاي في المقهى على ضفاف نهر الفرات الذي يمر بمدينته بين الاصـدقاء والنـاس الطيبين هـذا هـو كل حلـمـه لا يتعـدى ذلك. عند الغـروب وصل المدينة وفي اليـوم التالي عليه ان يغادر لانتهاء مدة اقامته وليجمع حـوائجــه .

اسـتغل فترة وجـوده في كـربلاء ، اراد ان يقطـع الشـك باليقيـن ، ذهب ليسـتطلع الامـر في جامعة كربلاء ،أتكون المعاملة نفسها ، حاول ان يزيل الشـك في نفسـه ، متحججا بان اصابع اليد الواحدة غير متساوية ، وان الاخوان يختلفـون في وسـط العائلة الـواحدة ، فـلتسقط الشكوك ، دخل الجامعة بعدما خضع للتفتيش من قبل حرس الجامعـة ، حصلت عـدة لقـاءات في اعلى المستويات وعلى ما يبدو هناك شواغر وظيفية وحاجة ماسة للاختصاصات الهندسية الاخرى ولكن يجب ان يسـتأنسوا برأي رئيس القسم ، خرج من الاجتماع منتشـيا ،عـدل من ربطة العنق ،عـلام اذن هـذه الشـكـوك ؟ ، تفـاءلوا بالخير تجـدوه ! ، ماهي الا خطوات ويكون عند رئيس القسـم ، سأل عنه ، وجـده متكـورا عند طاولتـه ، برأسـه الكـبير نسبيا وتحس بانه الان قـد هبط من كوكـب اخـر وخلى وجهه من ابتسامة الترحيب للضيف ، ويـداه مثقـلتـان مـزدحمـتان بالحجـر المنقـوش اتى به ربما من كوكـبه السـري ، ولم يضيفـه حتى بقـدح مـاء او شـاي ، تحدثوا حـول الشواغر والاختصاص والحصص وتفحص الشهادات الممنوحة وعدد سني الدراسة الى اخره من الاسئلة وكأنه امتحان قبول للطلبة الجدد ، تمنى ان يكون في تلك اللحظة بقالا يبيع الرقي والبطيخ ،اراد ان يضع العراقيل في اسئلة ليس لها محل من الاعراب ، نعم كل هذه المستمسكات الضرورية موجودة ، نعم ، والله ، كل الذي سـألت عنه اجبتك كما كان في الـدفاع عن الاطروحة ونقاشها ، قال في نفسـه ؛ علام هذه الشكـوك ؟ ، اجابه بان التعينـات من قبل الوزارة ؛ نعم ولكـن انتم بحاجـه الى هـذا وذلك من الاختصاصات الهندسـية ووجـود شـواغـر ايضا ، يا فـرحة لم تـدم ، خاطب نفسـه ؛ علـيه ان يجتنب الشـك ، ان بعضـه اثـم ! ، كان عـليه ان يشـتري سـبحة طـويلـة ويملأ اصابعـه محـابـس من الشـذر والعقيـق من الباعـة المنتشرين بالشـوارع ويـلـبس قميصا اســود ، الا تعرف هـذه اللعبـة وانت الذي خاطـرت بنفسـك باكثـر من مكان وموقف ، الم تعـرف التكتيك ، او المراوغـة ، الم تقـرأ عن راسـبوتين ووصله مع العائلـة القيصرية وتحكمه بالقـرار، غير مطلوب منك الا ان تشد عمامة يا اخي ، الم يكن جدك الحسـين (ع ) ،الم تكن انت اولى بها ، منذ صغرك الم تختم القرآن وجزء عم ، الم تقم بـزيارة مراقد الائمة في المناسبات ، ولبست قبل كل هؤلاء دشداشتك السوداء ومشيت حينها حافيا في عشرة عاشوراء في شارع الامام علي(ع) ، الم تستمع لقـراءة مقتـل الحسين لعبـد الزهـرة والـوائلي وحمزة الرادود ، الم تدخـل قبلـهم المكـتبة المـركـزية ، الم تشـارك في عـزاء محلـة العباسـية المشـهور ، الم تكن وطنيا ، الم تسـاعد الفقراء والمحتاجين ، الم تكن في حياتك صادقا ، الم تقدم من عمرك للنضال ، الم يعلمك حـزبك التواضع ونكـران الذات والذي اصبحت كل خلايا جســمك نكـران ذات وتواضـع حتى اصبح تواضعكم لا يفهمـه الاخـرون ، بحـق الله كيف اسـتطاع الحـزب ان يغـرس فيكـم روح التـواضـع والاخـلاص لقضية الشعب والوطن ، اسـأل الاصدقاء والمعارف من قريب وبعيد ، ابخلت بساعة لنفسك طوال هذا العمـر، الم يقـل لك صاحبك ابو خالــد من السـماوة ذات يـوم بانك لا تسـتطيع الـزواج لان كل وقتك للعمل ، اسـقيت الفولاذ انت ، افتحت براغي الجسـر، تبا لك ولامثالك ! . وكان عليه ان لا يلبـس ربطة العـنق ، وان لا يدرس الهنـدسـة ويضيع العـمر ، بل كان عـليـه ان يـدرس الاحجـار الكريمة او صب المعـادن ليصنع ســيوفا للتصديراو قامـات للتطبير، خرج لا يعرف ماذا يـريد ، والى اين وجهة المسير ، يتمتم ،ردد بيت شعر من اشعار المتنبي :

ذو العقـل يشـقى بالنعـيم بعقلـه     واخو الجهـالة بالشـقاوة ينعـم

انفتحت قـريحتـه للامثال الشـعبية حملها منذ اقامته في وادي دراو في كـردسـتان ،عندما يجتمع الانصار للتـدفئـة على النـار ، اخذ يرددها وهو يـروم بالخـروج من الجامعـة (خـوش مـركة وخـوش ديج لوهــذي مثل ذيـج ، دولـتنه يحكمـها الـدعـيجي انا ... وانت ... ، ام حســــين رحتي بوحـده اجيتي باثنـين ، تطـرطـري تطـرطـري ... ادهــــده الغـلــق ولكـه جـدره ، تيتي تيتي مثـل ما رحتي اجيتي ، اخــذي ... وروحي .. وخليني مبتلي بـروحي ، الاســد عندما يكـبر .. . الـواويه ، يامن تعب يامن شكه يامن على الحاضر لكـه ، ناس تاكل دجـاج وناس تتلكـه العجـاج ، المسـكين فـوك ظهـر البعـير وعضـه الكلب ، ويـن ما يخليها سـوده بسـوده ،على كصة اليتيمـه غـاب الكـمـر، ليـس هـذه ، وعـاد بخفي حنيـن ، وهذا هـو الانسـب بعــد ان فقـد كل دراهمـه لفطــورالشــباب ) ، لعن عبد الرحمن ابن ملجم والشـمر، وتذكـر( بُلـــم ) الـذي يأتي من الحـر الرياحي مشـيا الى بغـداد محـاذيا لطـريـق السـيارات ثم يعـود بنفــس الطـريـق الى كـربـلاء بمعطفـه شـتاء وصـيفا لا يفارقـه وجيـوبـه مـزودة بالخبز، يحفـظ ارقـام كل السـيارات واصحـابها التى تقـف عـنـد ســاحة الخيمـكة ، كان من الممكـن الاســتفـادة منه في اشـراكه لاسـتتباب الامـن وحـركة السـيارات . يتساءل في نفسه هل وصل العالم الى نهايته ووصل الى افتراق ، ايسـتمرفي الطـريق ذاته الى نهايته فهو حبه وعمـره وحياتـه وشـبابه وذكـرياته وجـوهـره وديمـومتـه وزاده ومـلحـه ومـاءه ونـوره وتاريخـه وافتخـاره ، وغيـره لا ، ولا يعـرف غـيره من طـريـق ، فـلـيكن ما يكـن وما تبقى من العمـر ! .
غـادر كربلاء قبـل بزوغ الشـمس متوجهـا الى مطار النجف يـودعه الاهـل جميعا ، فتشته الكلاب البوليسية الامريكية في الطريق وقبل دخول المطار، وصله مبكرا كأنه لاول مـرة بحياته يســافـر عـبر المطـار فيجب ان يتقيد بالموعـد والنظام ، ومن الاوائـل وقف في الطابــور، مع ذلك كان فخـورا منتشيا لوجـود المطار ، تتابعـت افـواج الزائرين من الهـنـود البهـرة ، تفحص الملازم الشـاب ذو النجمتين ، من اين لك هـذا ؟ ، ومن اعطاك هذه الـرتبة وهذا المكان وهاتين النجمتـين وانت بهذا العمـر!، كان عليك ايها الملازم ان تنام يوم او يومين داخل مغـارة في الجبل الابيض بكردسـتان او تعبر نهر الخابـور او نهـر الشـيـن بالشــتاء ، يشـدون الحـبل بأســفلك لتعـلم كيفـية شــد الحبـل ، كالذي علمني اياه ابو سـهيل لشد حمولة البغل، ومثلما عبره الشهـداء ابوسحر وملازم زهير وابو هـديـل ، او مثلما عبرت موناليزا جبل قنديـل ، ولو تزوجت مبكرا لكان حفيدي الان اكثر منك بنجمتـين ، نعـتب على من ؟ ، الله يرحمـك ابو كـريم ، اقـول لك لم نحظ لا بحصير ولا حتى بسـريـر نـوم عـراقي منفـرد! ، وشـاهد على ذلك كاظـم حبيب ، والهـاط والبـيط التى تمـنيتـها بشـكل اخـر تقـع فقـط على رؤوس الاصدقاء الناكــرين اولاد الناكـرين للذات ، ( راحت الـزلم الحامض السـماكي وظلت .. لعنة الله على زلة اللســان ، لاحظيت برجيلهـا ولا اخـذت ســيد علي ) ، ازجـره الملازم الاول واشـار بيـده ان يقف حتى يدخل الـزائـرون الهـنود اولا، ولا زال قـسـم منهم واضـواء آلات تصويـرهم لم يتوقـف بريقها ، يتصورون للذكرى مع محافـظ النجف فـرحـين مسروريـن ، وكأنهم يتصـورون مع احـد الخلفاء الراشـدين ، وهو من هو؟، اخذ يكلم نفسه ويتساءل من انت ؟ ، ويشتم الساعة التى اتى بها.
من انت ؟ ، تمنى ان يكون تلك اللحظات ان يكون هنـديا من هنـود البهـرة اوهنـديا من كشــمير او حتى من بنغلاديـش ، كان عـليه ان يلـبس فقط ملبـسهم ، سيما وانه تعلم كلمات من الاوردو بزياراته المتكـررة للهـند ، او كان عليه ان يعرض لـهم خـدمـاته لـتزويـرهم الـزيارة وهو يحفـظ قليل من اصول الزيارة واشعارا من المقتل او من المقامات المشهورة ، كما عملها من قبل كاظم الرماحي حينما ادار الزائرين الى كل الجهات الاربعة بـدون تـوقف فاتعبهم فشـكروه وانهـالوا عليه بالهـدايا وهو يرتعـد ويقـول ( الحنانـة والمنانـه ودرب الجسر منانه.. لابوه اللي جابكم مناك لهنانه.. ودموعهم تذرف ) الله يرحمك يا كاظم الرماحي ،( الذي يقـرأ هندي والذي يسمع من اهل الجريبات ) ، كان عليـه ان يتفـق معـهم ويعملها ليصعد الطائـرة ويـرتاح من التعب وحـرقة الاعصاب من التوقفات ونقاط التفتيش الى اخره من المنغصات التي رافقته اثناء الطريق . صعد معظم الهنود ولم يبق الا هو، نادى على ضابط الامن الذي لا يختلف عن ضباط الامن للنظام السابق ، وتركه وجاء اخـر، الطائـرة سـوف تقـلع ، ناشـدهم ما الامر، لم احصل على الجـواز الجـديد ولم احصل على الجـواز العـراقي طيلـة هـذه السـنــين ، وضـح لضباط الامـن الاخـرين بانه المـرة الاولى التي يـزور بـها العراق بعد اكثر من ثـلاثة عـقـود ، فلذلك دخل بجـواز اجنبي وحصل على الفيـزا لكي لا تحصل له اشكالية لان حظـه كالمثل الكـردي دائما اسـود الا بالرقي ابيض ، لا يهمهم بشيئ من انت ؟، الان يجب ان تأتي بختـم الهجـرة في منطقتكـم ، قال لهم انا عـراقي والفـيـزا تـؤيـد بانني عـراقي اخذت من السفارة العراقية وهذه وثائق قـديمة كشهادة الجنسية العـراقيـة ، زاد من الايضاح عند قـدومـه قـدم الجـوازين للضابط فختم على الجـواز الاجـنبي ووضعهـما في الحقيبة الى هذا اليـوم ولم يبلغه احد في مراجعـة دائرة الهجـرة ولا يعـرفها ولم يعلـم بها ، كـرر طلبه من الذي يحل لي مشكلتي ، اراد ان يكلم المحافظ الذي التقط الصور التذكارية مع الهنود ، لم ينفع معهم هذا الامر، كلمهم مرة اخرى انه يزورالعـراق تلبية لـدعـوة ذوي الكفـاءات وبانه هذه المرة الاولى خلال هذه السـنين وانه غـير ارهابي او لص ، انه عـراقي جاء لامر ولزيارة اهله ومدينته ، والاكثر من هذا اذا ارادوا ان يتحـروا عنه فهو من السـادة المعروفين هنا في المدينة قالها بكل عصبية بعد ان نفـذ صبره وخاف ان تكون الطـائـرة قد اقـلعت ، والكلمات الاخيرة حسـمت الموقف بسفـره بعد دفـع الغرامـة المالية بـدل طمغة دائرة الهجرة وبدون وصل استلام ، كان اخر من صعد الطائرة والتي غصت فـقـط بالزائـرين ، ضـحك بدواخلـه على هذه المعاملـة التي تلقـاها من زيارته لبلــده وهـو كزمـلائه قضى زهـرة العـمـر بعيدا عن مغـريات الحيـاة مناضلا من اجـل ان يكـون الـوطن حرا وشـعبه السـعيد ، واخـذ يتذكـرالامثال الشـعـبية التى تتطابق مع الـوضـع العـام ،عـاد وكأن شــيئا لم يكن ، عـاد ب ... اهكـذا يجـاز الذي يحب الـوطـن انـواطــا ! .




 

free web counter