حسام آل زوين
الخميس 29/7/ 2010
بـرم مبـرم البربري !
حسـام آل زوين
يتخـذ من الدكـة اليسرى اواليمنى للباب الكبير لخـان السـبيل متكـئـا ً يقضي ساعات النهاراللهـابة ، متلحـفا ً بمعطفه الشـتوي الثقـيل المتسخ ليل نهار، رحلة الشـتاء والصيف ، يحمل القناني والعلب الفارغـة ، يلبس البعقال واليشماغ وحـزام من خـرقة خضراء يلف بها بطنه تارة وتارة اخرى تحل محل اليشماغ ، جثيث القامة ، بيده العصى ، يتراى للناظر كانه احد الفرسان في حراسة القلـعة او للتو عــاد من موقعـة الخندق او من حرب ضروس طويلة الامـد يعوزه غطاء الرأس الحربي بقلنسوته ، يجـول المدينة من شـمالها الى جنوبها ليستقر به المطـاف والتجوال اخـرالليـل عنـد هذا العــرين مع الخفـافيـش المتطايرة المتدلية بسقوف الخان المظلمة ، وقد تناثرت حـوله تحت الـدكـة هـذه العلب والقـناني ، وما ان عثرت بها تداعت تتدحرج وترتطم ببعضها الاخر كمجسـات ونواقـيس انـذار تظـل مسـتمرة بدون توقف تحـذرالسيد تركي اذ داهمـه الخطـر القـادم الغـريب .
لم تعرفْ صحة المعـلومات بخصوص هجـرته من اية ناحية وقـرية ومن اي ريف ، ولكن على مايبـدو من مظهـره ، يرجح من ريف الحـمزة . ذلك الوقت لاتعني الناس بشيئ من اين انت اتيت ؟ ، سـيدٌ ام عاميٌ ، المهم انسان عراقي ذو خلق حميد ، والمعروف عنه : انه فلاح فراتي مسالم بسـيط يحمل الطيبة غير ثقيل ، في تقاسيم وجهه التعب ُ والعتابُ ، واغلب الظن قـد لحقته ضربة الرأس عام 63 الاسـود المشؤوم ، فهام بوجهـه في ارض العـراق الواسـعة فوجـد سبيله في خـان السبيل في المحمـودية ، من هنا يمـرالجميع من امـامه ! ، ومـرت الايام والاعوام ... 63 ،68 ، 73، 78 ، 79 ، 80 ،82 .. وثمانية اعـوام من الحروب ، 88 ، حرب وحصار اقتصادي ، ومرت أعـوام من بعـدك .. أذهبت للقـاء ربك ، انتفاضـات واحتلال وسـقوط وبرلمان وانتخابات ، علم ودسـتورونواب .. والله ما عليكم الا ان تتبلشـفـوا . ورواتب تجوازت المدى لا يعرف بها الا ابو القاسم الشابي ، ســقـطت ، احتلت بغـداد ، بغـداد يا قلعـة الاسـود 2003 ، 2010 ، واحـزاب لم تعرفها ولم ينزل بها الله من قبل ،ولا سـورة الاحـزاب ، احزاب سبحان الله كيف ظهرت ، لفطت الاصوات كلها ، كيف تعلمت فنـون السياسة بهذه الفترة القصيرة ، وافـرادها احتلت المقاعـد البرلمانية والـوزارية والسفارات العراقية والبنوك طـفرا بالـزانـة ، وبالانتخابات انفـردت لا حول ولا قـوة الا بالله كيف لبطت وابدعت ، أعلمت ياسيدنا بان جمعية للحمـيرفي محافظة السليمانية للتو قد تأسـسـت ، منذ ذلك الوقت وانت في البال دوما ولكن مكانك خالي في هذه الايام ، لم تنتهي مهـزلة الانتخابات ولم تحسم من هي القوائم الفائزة مع العلم بان الامـر شـورى فيما بينهم ، يلهجـون بالـديمقـراطية ويهمشـون الاخـرين ،اردناك واردنا حضـورك لكي تنـورنا وتفتي وتتفـوه بعبـرة وخلاصـة القـول ، بما قـل ودل! ، ياسـيدنا الحـر تكـفيـه الاشــارة ! .
أأنت المخـبول يقال ؟ ، لا والله ، اذ لم تتجاوزعلى احـد ولم تتجاوزعلى حـد احـد ، ولم تعـتدِ على احـد ، ولم تسـرق من احـد وانت الجـوعان ، ولم تطلب من احد وانت المحـتاج ، يمدك الشباب بما ملكت اياديهم ، بخمسة فلـوس لا اكثر، تقـول قولتك المشهورة، تضحك الجميع وتذهب باسماً فرحا لشراء رغيف خبز، تاركا الشبيبة بعَبرة وعِبرة ، ماؤك جاري من الخان ، وقـواريرك وقنـانيك معبئة ، ولا حاجة لك من الكهرباء ، لا للتبريد ولا للضياء ، وهاهي تيارات الهواء التي بفضل قبب السقف واللقافات ودواوين الخان تتلاعب وتتقلب تصل باردة الى الباب ، ومصباح البلدية سراج وهاج وقمرمنيرينيرالعـرين بضبط الاوقات ، وخيرات رمضان تغمرك ولاسيما قربك من المسجد الكبير( بالقيمة والتمن العنبر، وفرة الهـودج ، ودكة صـدر، عـزاء الحلة يمذهبي ) . هجرتك الشبيبة ولم تهاجـر وتهجـر سكنك الخان فلهذا لم تكن بحاجة لجـواز الســفرالجديد لكي تقبلك غربة الاوطان ، كما فعلها من بعدك مناضلون ، قسم منهم والله قد اكل الحشيش وبلـوط المقـابرفي الجبال ولطـورسـنين ، ومنهم من تسـمم بالثايلـوم اوغـازالسـيانيد كما في حلبجـة خرت خمسة آلاف نجمـة ، وقسم امسـى في الشتات بدون زواج وجـواز( أي ) ، أي.. أي .. اف .. اس ..جي ، واطفال وعـوائل تسـكن المبازل والمزابل ، وكـفاءات وعقـول تهجـولت في المهاجـر، وعـراقيات حسناوات جميلات كالـزهـور كالـورود ، واخريات مبرومات بـرم ، من نتاج ماتركت من ورائها الحروب الهمجـية والحصار والازمات وسياسة الارهاب والتمييز والاضطهـاد ، غصت بهـن الملاهي الليلية في الشـام وعمـان ، .. واغنية البرتقـالـة ! .. . وحصل ارتفاع الايجـار والاسـعار للشـقق السكـنية في بعض الدول لخضوعهـا لقانـون العرض والطـلـب ، ايــه .
كان السيد تركي يلتقي شبيبة المـدينة ، يمازحهم يمازحوه ، يغـادرهم راضيا ًمرضيا بتنقيده الخمسة او العشرة فلـوس ؛ احد الخياطين وهو من السادة يمازحه ايضا منذ زمان ، يقول له سـيدنا اذا رددت هذا ولم تخطأ فسـوف ننقــدك خمسـة فلـوس واذا لم تستطع فتخسـر، منذ ذلك العـهـد حفظها الشبيبة واخـذوا يـرددوها بلهجة السيد :
عندي مبرم وعند البربري مبرم
يا هو احسن برم مبرمي احسن من برم مبرم البربري
لو برم مبرم البربري احسن من برم مبرمي
لقـد برمـوا كل البـرم بقطـارهم البربري رقم 68 الاسـود ، والشباب كانوا احـرارا تكـفيهم اشـارة السـيد تـركي ، ردد بعض الـوقت همسـا ً؛ دار السـيد مامونـه .
لا يستطيع اعادتها لان لسـانه يـرتـل بالــراء ، يسـئلونه مرة اخرى ، يـزيـدوا اغــرائهم لـه يـردهـم بعد ان قـررالذهاب وتركهم : ياعمي هذه كلها بـرم بـرم بـرم اعطيني فقط خمسة فلـوس ودعـوني اذهب لشراء قطعة الخبز، يقولها بصراحة مطلقة بانه لا يستطيع اعادتها ؛ اعطوني ما في اسـتطـاعتكـم ، انتم والضمير... ولكم الشـكر الجزيل .
لك دين في رقاب الشبيبة كي يسئلوا ويدقـقـوا معلومة هجـرتك ، من اي ريف بوجه التحـديد قـد قـدمت ، اما زلت حيا ًطيبا ً؟ . كم الظرف بحاجـة ماسـة لك في ظل مسـرحية الانتخابات والقـوائم المتسـلطة المتزعمـة والتي غرفت غرفهـا من هذا المجـرى وذاك ، من هذا النظـام وذاك ، وبرم مبرمك هو الاحسن !، والبـرم ، كي تضحك شبيبتك التي خيم على وجوههم البؤس والقهـر والظلم .
ابـرم ابـرم ياسيدنا ابـرم عسى شيئ منها ينجـم .
وان لا تسلط علينا بعـد ان هديتنا من لا يـرحم .
رمضان يحـل في شهـر لهـاب ، وعـيد على الابـواب هـا ، فادع لنـا ان تفك عقـدة الانتخابات وتـوزيع الرئاسـات ، واقـم صـلاة الاسـتسقاء ، واياك ان تنسـى ذكـرالكـهـرباء .. ، أنسيت ؛ قالهـا صاحبكم لينين بان الشيوعية هي السلطة السـوفياتية زائـدا ًالكهـرباء ، وقد عـرفتم وعلمتم عن حـق ٍ معانيهـا ، ألعـلكـم يااولي الامـر تتعضون ، وتأمــرون بالمعـروف وتنهـون عن اللهــط واللفــط .. والابـداع بتهـريب النفــط .
... والله كانت من فمـك الحكمـة ! .