| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

د. حسام آل زوين

 

 

الأثنين 28/5/ 2012

 

أهكـذا هـو الذي يجـري ..

د. حسـام آل زوين

راوده حلمٌ كما راود الاخرين من الاصدقاء والمعارف الطيبين المنفيين المبعدين عن الوطن والاهل نتيجة احلام  بسيطة مشروعة ؛ رمادية كانت او وردية قـد رسموها . تنقل معه طيلة عقــود الهجـرة  ،الغربة ، الكفاف والعوز وطن واناس من الخير...الطيبة والسمسم والتمر ، من الريحان ... من الصفصاف والتين ، وطـور السـنين ، لا ظلمة كانت في بيوت الطين ،  تنورها صورة علي أمير المؤمنين (ع) متربعاً بسيفه وعند نعليه يمكث الاسدُ ، ومريم العذراء وطفلها المسيح (ع)  وبنورهما الظلام يتبـددُ ، وبجمال ( بنت المعيدي ) ؛ حصيرة وبساط ، شاي المنقلة والهيل ، فتيات القرى والاحلام تمسي بجمالها تتنهد ، احاديث الخير تصاغ بالجمال وامسيات تزخرف ... تتجـددُ ... .

لقد حمل حلمه العراق حباَ  وامانة في ضميره ووجدانه طيلة الاربعة عقود في المنافي والشتات  ، اثقلته حفظ الامانة في زمن القحط  ، ضيق العيـش وضيق العـباءة والـرداء ، يسـتقوي به نكران ذاته كعصى موسى ، يصيح ينادي ويبحث عن بصيص الامل ، في هذا الوادي المظلم المخيف العميق البعيد .

سـوف تنجلي الغمامة يوما ً ، ويسـقط العـرش يوما ً ، كما سقطت عروش الطغاة والامبراطوريات حسبما قصت ورويت  في كتب التاريخ .. الاساطير والملاحم للحضارات الانسانية المتعاقبة  ؛ ســومرية ، بابلية ، اشورية ، فرعونية ، اغريقية ، رومانية ومن حضارات الهند والسند والصين الى تطـوان ، عروشها ، آلهتها وكهنتها  ، ملوكها وقادتها . تاريخ الحروب ، الانتفاضات والثورات للعبيد ، للفقراء ، للفلاحين والكادحين ، بوصلتهم مبادئ الحالمين في ؛ العــدل الاجتماعي ، الحياة الحرة الكريمة والمدن الفاضلة . كتب الاديان السماوية ، قصص الانبياء من آدم وحـواء ، الشجرة والشيطان ، رحلة ابراهيم الخليل وزمزم الماء ، عرش بلقيس وهدد سليمان ، عصى موسى والوادي المقدس ، عيسى بن مريم وآل عمران .. ، صبر يعقوب على يوسـف والسنين العجاف والكيل ، وقد رد بصـيرا ، ومن سـفينة نوح الى مطــرقة كاوة الحـداد . الرسالة النبـوية ... الجاهلية ؛ اصنام من التمـر ووأد البنات ، غـار حـراء ، الهجرة والانصار ، من التوراة .. من الانجيل والقــرأن الى نهج البلاغة ؛ وماورد بنهاية المطاف ؛ يتغلب الخيرُ على الشرِ، يقوى الحقُ على الباطل ِ ، ينتصرالعدلُ على الظلم ِ ، يصرع العلمُ الجهل َ، يزيل النورُ الظلامَ . وسـنرجع يوما ً، سـنعود يوما ً .

عــاد المنفييون الى العــراق .

سـقطت عروشُ الظلم  

 سـقطت اقنعــة الصنم ِ

وماذا بعــد ؟ ..

ألم تسـطر لوائح الحق والصدق والعـدل بالقرطاسِ والقلم ِ

ايزول عن الناس ركام الهـم والغمــم

وحياتهم تنحى عن العـذابات والالـــم

أيسـاوى ذو العقــل أخَ الجهـالةِ والفطيـــس ورأس الغنم

شـكراً وحمداً لخـالق الكـون لهباته من الخيـرات والنعـم ِ

اتخمت منها بطـونٌ والفتات لم تذقها من السـواد الاعظم ِ

ايلدغ جائع  ومهمش ثانية أو يخير بلعبة الافعى والسـلم  

أتعـاد  للعاقل على اذانه واسـماعه  نشـاز اللحـن والنـغم ِ

كلا و لا ؛ ما بقى من عمرالشريف ان يبدي الباطل بنعم  

                 ..  ( ثم لتــسـألـُــن َ يـوْمئــذ ٍ عن النعيم )

أسـئلة كثيرة يرددها مع نفسه ، يغوص في التفكير يعطي اجوبةً لاسئلته ، كانه المدرس في اعــداد اسئلة الامتحان ، ولهـذه الاسـئلة اجوبة معروفـة ، والسياسة فن الممكنات ، ولكن سـؤال العراق ، اســتغرق طويلا ولم يستطع ان يجد له الجواب المقنع  .

كان يحلم خلال هذه الفترة من زيارته لبلده ، ان يقوم الاهل والاقرباء والاصدقاء باستقباله اسـتقبال الابطال ، لانه امين صادق بحبه لوطنه ولاهله والناس ، وكان في ظنه بانه تتغير الدنيا كلها ولا يتغير الاهل  والمعارف والاصدقاء .

من انت حتى تبدي بهكذا رأي ؟ ، اتتفلسف بالظروف الموضوعية والذاتية ، بقوانين التطور والوضع الاقتصادي ، السياسي ، الحرب والسلم  والحصار، التواضع ونكران الذات ، والشعر والادب والفن والتجريد والتجـديد والديمقراطية والعــراق الجــديد  .

-  ماذا قدم لك كل هذا غير الغربة والتهميش والذل والكفاف  ، وبعمرك هذا لم تفـرح امك يوماً بقطعة قمــــاش جلبتها من تلك الـديــار  ؟  .   

-  والعقاب عسير ! .

-  يوم لا ينفع مال ولا بنون ، الا من اتى الله بقلب سـليم .

-  ولقد عوضنا بالقلوب الحية والانفس الزكية .

-  هذا الذي أفلحتم به كل هذه السنين  .

خلال هذه السنين حاول ان يفتح الامانة ، يتفحصها  لكي يراها أهي في مكانها ، اتغيرت  من حالة لاخرى ، ام حافظت على مضمونها وجوهرها ، اليست هي التي اسمها  العــراق  ؟ .

كيف تتغير وهي المحفوظة حبا ً في قلبه ووجدانه وضميره ، وكيف لها ان تتغير وهي الامـانة ؛ لن يسهى او يغفل لحظة او يوما ً عنها ، كحبيبته التي يرعاها ويهتم بها لكي تخرج من محنتها وهمها وتنسى غمها ، مغرم صبابة  فهي حبه الاول والاخير ، هي عمره وحياته  .

وفي كل مرة يكبحه هذا الكابح ، وعلام هذه الاحتياطات والقلق ؟. اصحيح ذلك الحب ! . اتبادلني الحب نفسه ؟ ايكون حرصها ومتابعتها نفس حرصي ومتابعتي ؟ . أيترك الامر لحين اللقاء بالجمع والاصدقاء ليفتح الامانة امام الانظار بعد سنين ، وليعلموا بانه لم يمسها بشيئ خلال كل هذه العقود ، والتزامه الشديد بانه انفرد عن الاخرين بعدم تبيانه الم وحرمان وعذاب الايام ، وتحمل الشماتة ثقيل  . سـوف يفتخرون به ويحتفون ، ويزينوا صدره بانواط الشجاعة والفخر بطل من الابطال ، وهو الذي صال وجال ، كل الهضاب والجبال ، وما جرى لهم لم يجر على الرجال ، ولم تخطر ملاحمهم  في العقل والبال . وان يستقبل ويحتفى به ويزف كزفة العريس مع امانته  وكالزفـة في العـراق  ، ويلتم الاهل والاصدقاء ليطفئ حرقة الغربة والبعد ، ويملئ رئتيه بهواء الوطن الذي سوف ينشط دورته وتستقر دقات قلبه كالمعتاد .

انصدم بامنياته التي صرعت التفكير منذ عقود ، فتح الامانة امام الجميع مع علمهم ومنذ ذلك الحين لم تفتح ولم يمسسها بشر سواه ، صعق على ما اصابها ، ولطيلة هذه الاشهر من زيارته  لم يجد مفـردة التغير؛ للوطن وللناس ، صدأت ! ، تغيرت .. تحولت ! ، شرقت غربت ! ، من اين ؟ . الشمس والتراب نفسه ، بعض الناس من بقى منهم هم الناس ،  لم يحتف الاهل بذلك الاحتفـاء وفق تصوراته القديمة سـوى حــدود المجاملة المطلوبة ، باهت .. ، لا زفة عــرس  ، لا  (جفيه ) لا حامض حـلو ..لا شربت .. والحـلـوات توشحت بالسـواد ، في التعـازي التمت واجتمعت ولطمت .

اخذ يعلل الاسباب والظروف المحيطة ، الى اخره من تحليلاته واجوبته لهذه القضية وتلك ، ورجوعه لوطنه ؛ انزلاق كانزلاقاته الوطنية المتكررة الاخرى . دع تواضعك ونكران الذات العالي  ، حبك وتضحياتك لوطنك تفيدك وتغنيك من الجوع .

لا عش لك ، لاركن لك ، تبا لك ..  .

.. وتبت يدا ابي لهب وتب ما اغنى عنه ماله وما كسب

تبت حسن النوايا .. وتبت حسن نواياك  ..  .

 أقـــرأ .. أقــرأ ، تبا لك  .

وتبا لوطنيتك الحقة ؟. حــلل ... ما شــاء عقــلك من التحليل واعـد القراءة ، تبا لك .

عندما تسوء العلاقات الاقتصادية في المجتمع تسوء اخلاق الناس .

لو كان الفقر رجلا لقتلته ، الم تستطع كل هذه الامكانيات قتله ؟ .

الناس صنفان اما اخا لك في الدين او نظيرا لك في الخلق ؟ .

لا اخا ً..  الا ما اجنيه من الدنانير الحمر والدولارات الخضر وعالي العقــار . ...

ازرع نخلة في الدنيا لك عشرة امثالها في الجنة ...

ازرع الخير حتى في غير موضعه ... 

الارض لمن يزرعهـــا ..  .

لقد زرع عبد الكريم قاسم في أســبوع الشجرة ...  من كل عام ...

لا احد يزرع  .

الكل يقطـــع  .

لا احد يقتنــع او يقنــع .

لا احد من الاخر اسبع .

كل واشرب على عجل واشبع .

اضرب اكسـر اجمع .

 اشـبع  ارتــع .

الكل هادي وتحتار من تتبع .

افعل ماتشاء

لا احد يسمعُ او احدا ً تسمع .

في العــراق ..

كم من الاطفـال اليتامى من ينام في المقــابر وهو بجــائع  .

وكم من الموائد العامــرة ترمى في الفضلات بدون وازع  .

وكم من الاموال ترمى في الهواء او تنثر على صدور بائعات الهوى في الاقبية والسراديب

او في حانات ومراقص دول الجــوار بدون خجل او رادع  .

تابع .. تابع .. أعـد القراءة وراجـع اذ كنت حــراً او بتابع  .

اما الكتب .. أذار ... نيسان ؛ اكلتهـا العــثة واهرأتها الرطوبة .. بُنيتْ واغلقـها طابوقُ الجـــدارن .

حتى الانجيل ..  القــرأن.. ونهج البلاغة ..   قـد كساها الغبـار وأسدلت عليها ســتائرالنسيان .

أهكـــذا هــو الذي يجـري  .. في العــراق .

اين .. اين ... الارادة  ، العزيمة والاصرار .

يومــا ً

سـوف يسئل الصـغار  ...

بماذا يقول الكــــــبار ..

 

 

 

free web counter