| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

حسام آل زوين

 

 

 

الجمعة 1/6/ 2007

 

 
 

متى يتفاخر العراقي بسفاراته ؟!


د. حسام آل زوين

كثيرة تلك هي الافـــراح التي لم تكتمل ، والبسـمة والبشـاشة لم ترتسـم على وجــوه الغالـبية من العـراقيين ، في الـداخـل والخـارج ، وثـقيلة تلك هي المعـاناة والمـآسـي والآلام من جـراء ســــياســــة الطـيـش والبطــش والهمـجية والعـنـجهية وما افـــرزتــه حــروبها الرعــناء مـن  نتائج مـؤلمة وغريبة على واقع مجتمعنا العراقي ، تبكيه العـين دمـاً ويعـتصر القـلب ألمـــاً .
وانســـاننا العـراقي امسى لا حـول ولا قـوة لـــه ، والنفــس محبـوســـة مخنـوقـة ما يقـارب  الاربعـة عـقــود .. وكيف بتـشــتتنا هـذا ان نـدفـن المـــوت ! ؟ ، ان نصغي الســـمع للحـــق والضمير والوجـدان ، ونـزيح هـمـاً وغمـاً كجـبـل صخـري لا زال على الصـدورجـاثم ؟!.
وذات الـزمــان .. وبتعـدد الاســـــباب تلك وتشــابكها ادت الى زيادة الهجـرة المليونية من العـراقيين او هروبهم ، والبحث عن المجـهول او دونه .. فمنهم من قـضى نحـبه غــرقا في اعماق البحار والخلجـان او عند خرقه حـدود البلدان ، ومنهم من ينتظـر .. وعيـون ووجـوه تنظـر بتفـــاؤل وبأمــــل ... عســـى ان يحل الســـلام في العـراق ويعـم الخـير والامان ! .
فمن عـاش الليالي المظلمة تلك من العراقيين في الغـربة والمنفى والمهـجر ، عانى اصعب واقسى واقصى حالات الشد والمعاناة .. حالات الكفاف والحيرة والعوز ، والوحدة والتهـميش والمحنة والضياع والمرض والخوف والاضطهاد والملاحقات وحتى القـتل وسحب الجنســية ومصـادرة الجـوازات ، والله شـــاهد على ما اقـول ياســيادة الــــوزيـر ! . وحينها اصبحت ســـفاراتنا مـرتعاً ووكـراً للمتملـقـين والمنتفعـين والمداحين المتخمين بالشراب والاكـل بيض وحمر اللحوم ، بخضرالدولارات ومخازن العملة الذهبية ، والعاملين لا يهمهم امر جاليتهم العراقية ، والتفــوق العلمي والتبادل التجاري والثـقـافي ياسـيدي الـوزير ، بل تخمة الجـيوب والبطون بالتصريف وفرق العملة وصعودها وهبوطها وبناء ( رأس المال) وبناء القـصور! ، غير مبالين لجرح العـــراق والعــراقيين ، و يفندون ضرب حلبجة !، واي مقابـر تلك التي يـدعـي بها الاخرون؟ ! .

كثيرة تلك هي المــواقف والممـــارسات الســلبية التي مورست ضد ابناء الجـالية العراقية ، وكثيرة تلك هي التصـورات والعقـد التي حملتها النفـس العراقيـة طيلة تلك العقــود والموقف من السـفارة ايضاً ، فعل او ردة فعل ، انتهى الامـر الى عـقــدة اسـمها الســفارة ! .
واليوم اشبه بالبارحـة ، لم يختلف شــيئا الا اختـفـاء صـور هـبـل . فما ان وطئت قـدمـاك القنصلية او السـفارة ، واذ اسـتطعت ان تنفـذ من خلال الحشــود البشـرية وتمســك بشــباك من تسأله ، بالزحـمة تحـس بالغـثيان والـدوران.. والمفـاجأة لم تـلق الذي تسـئله .. تتمنى ان تخرج على وجه السرعة ، تلـوم وتشتم النفــس ، على ان لا تعرف قـدماك عتبة السفارة بعد اليوم وليحصل ما يحصل بعد ان انقضى العمـر كله خدمـة لقضايا الوطـن ولتغـير الواقـع ، وتفكيرك بمصيـر الانسان ، اتذهب سدى ايام الشباب ، ايام النضال ؟! ، ذهبت مع الـريح ، ذهبت مع النســيان ! ، لا تفيـدك بشيئ عـضـة الاصبع ولا التـوبة ولا النصـح ، ولا الفخــر والتفاخــر بما مضى ، ولامن امـك الغـفـران !! . وامسيت بعيدا ولم تعـد من هـذا الـزمـان والواقع بطيبتك وطينتك بانسان !! .
ومن لحظة الوصول الى القنصلية او السفارة يبدأ شريط الذاكرة يعيد لك تجسيد الاحداث ، وتبدأ من هنا رحـلة الآهــات والحسـرات والمعـاناة وطول الانتظار لحشـود غطت ألابـواب كلها الداخلية والخارجية ، لتمديـد او الحصول على الجواز الجديد والذي طالما انحـرم كثير من العراقيين لعقود مضت .. تتجمع الحشـود من البشـرعند المداخل ، منهم من ينتظرومنهم من يأس من جواب وحل مقـنع لقضيته ، وانتظار .. صور واحاديث وقصص وروايات ...
يخيل للعقل قد اعيدت له منتجتها مرة اخرى او هي احـداث الامس القريب ياسـيدي الوزير! تنظر للوجوه المتواجدة والمحيطة بك قسم منها ؛ قد اتعبتها ظروف الغربة وتركت اخـاديــد وتجـاعيـد الزمان محروثة محفورة بعمق تاركة قســـاوة وجفاف الايام ، واخــرى متـوردة بيضــاء لم تمسها اشعة الشمس قط تفوح منها ازكى واغلى العطـور تحملك لليلة بنفسجية ، ملتحية مملوءة اصابها بالشـذروالعـقيق ، ووجـوه اخرى بانت من خلال صـدورها المفتوحة سـلاسل من الذهب الغليظة تبهر الانظار ، وفتاة اخرى ، اعتقد بان شكيرة اكثرمنها حشمة في اللباس . لحظتها تذكرت الشهيدات النصيرات ؛ عميدة وانسام واخريات استشـهد قســـم منهن تحت التعذيب وسطرت بمــواقـفهن معلـقــات فخر وافتخــارومن انبل واجمل واشرف المواقف البطولية !! ، شتان ما بين العرف والمواقف ! ، لمن اقول قولي هذا لمن ؟ ، اقول واستغفر الله لي ولكم ! .
ومنهم ، من فقدت وثائقه في عمليات الانفال ، عند عبور النهرالازرق في مناطق برزان  واخذتها وغـرفتها الامـواج الســريعة الى الـــوديان العـمـيـقـة ، ومنها ما حـرقت بالقـصف المــدفعي ، او تركـها تحت صخرة من صخـورجبال كردسـتان وفيها صورالحـبيبة وقبل ان تصادرها الجهات الاخـرى عند عـبورك الحـدود ، والـقـبـور في قـبـر زاهــرعلى ما اقوله  شـهود ، وقسـم من اودعـها عنـد سـماسـرة التهــريب وادلاء الطرق او عند عنابـر البواخــر والسـفـن ! . واخـرى تركت واحترقت بفترة احـداث اليمـن الاخيرة ، واخرى سـرقت في قطــارمـارٍ خلال دول البلطـيق وذلك اثناء فترة انهيارالاتحاد السوفياتي وازدهار المافـيات .
ذكـر احدهم وقد تجاوز العقـد الخامس بانه وطيلة الفترة لم يستلم ولم يحصل على اية وثيقـة عراقية سواء وثيقة الاحوال المدنية او شهادة الجنسية ، فكيف به ان يحصل على وثيقة السفر ولم يبق له في العراق من الاهـل والاقرباء ولم يتذكر تاريخ الاصدار ! .

وعراقية تتحدث عن سبيهم ورميهم هي وعائلتها في ظـلام اللـيـل عند الحدود مع ايــران ، وسلبت ما ملكت يداها من وثائق واسوارة وخاتم وما حوت صرتها من النقـود ! . وتذكرت بان صديق اخيها سقــطت وثائقه عندما اراد ان يرمي بنفســه عند مضـيق عـــدن خـوفا من قبطان الباخرة ان يفشي بامره واذ اراد ان يسلمه لاحد الدول المطلة على البحر الاحمر ! .
وذكر احد المنتظرين انه محروم من الجواز منذ فترة السبعينات ، حينما رفضت الســـفارة وقتها تمـديده عندما كان طالبا للدراسات العـــليا .. حرم من الجواز ومن المخصصات التي  كان يتقاضاها مبعوثي الدولة انذاك ومن الامتيازات الاخرى ، من اين يأتي بكل هذه الوثائق  للحصول على الوثيقة الجديدة ، بعد ان قضى عـقـدا من عـمره وشـبابه نصيرا في صفـوف  قــوات البيشمـركـة الانصــار وانقطت صلته بالاهل منذ زمان وامه امــراءة عجـوز قسـى  عليها الدهـر وملازمة السجون لزيارة اخوتها المعتقلين السياسيين ، هكذا طلب منه ضـابط الجـوازات الشـاب الانيق ذو البدلة الانيقة ذو الخـــاتم الشــذري ! .
خرجت بهذه الاثناء تلك الفتاة وأردافــــها تميل ذات اليمين وذات اليسارممسـكة بالجــواز الجديد والانظار تدور حولها ، ركبت سيارتها الرياضية الجميلة ، ونكثت عجلاتها الخلـفية بوجوه المنتظرين بغبارها وتوارت عن الانظار،وبقينا نحن جمهرة المنتظرين نساءاً ورجالا تحت الشمس ننتظر ماذا يقولون وماذا هو النصيب ! ؟ ، وننتظر هل من جديد ! ؟ .

ولفيف اخـر من العراقيين تحسـر وتسـائل متى يفتخر ويتفاخـر العــراقي بســفاراته ســوية كباقي الدول بعد ان قدم العــراقي للوطن ما يملكه من زهـرة العمـــر في النضال من اجل ان  يكون حلمـه الـوطن حرا والشعب سعيد ، فخـر العـراقي ان يقول انا بعـل الفـراتين ! . ومتى تكــون للسـفارات العراقية قنصلياتها الثقافية والتجارية تعيد للعراق وجهه الحــقيقي ووزنه ويحـتـل مكانته الطبيعية وهيبته بين الدول ، وان تكون الســـفارة عن حــق ملـتقـاً للـثـقـافة والعـــلم والفـائـدة والمعـرفة والتبـادل الاقتصـادي والتجـاري من اجــل خـيـر الــوطن ومن اجــل خـــير الانسـان ولمـواكبة لما فـقـدناه طـويلا واسـترجاع حقـوق مغتصبة وان يكـــون  الانسـان المناســب للمكان المنـاسـب ، لا يرضى بضـيم وظلـم وان يكـون عـادلا في الحــكم واصدار القرار واصدار الوثائق مهما كانت ، وان تكــون الســفارة وطــــناً حـقـقـيــاً وبيتـــاً عــراقييا لكل العــراقيين في الخـارج بكل اطـيافـهم واديانهم ، لكي نلحــق بركب الشــعـوب ونتفاخر بسفاراتنا في الخارج ! .