| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

حسام آل زوين

 

 

الخميس 19/11/ 2009



 عجب انتم !

حســام آل زوين

ليست كعـادتها عند كل غـروب ، تتعطـر وتتبخـر بتلك العطـور والبخور الاسـطورية الســحـرية ، تتسلل الى مناخيره تسكـر عـقله وتهيج قـلبه وتشـعل روحه وتطير به الى عـوالـم تنسيه عـذاب البعـد ومرارة الغـربة . وقفت بقـامتها الـرشـيقة وشـعرها الاسـود الطـويل المسـدول يداعـبه النسيم وعند دكة البيت تتأمـل البحـر وقطـرات الـدمـع تتسـاقـط على وجـنتيـها ، عـيناها لغـــة وحـديث وبحــور ودمعـها حجـج وصـدق ومنطق ، تنتظـر لكي تغـرب الشمس وتغطس الى ما وراء المحيط ، لتختلي به عند الساحة المطلة على البحـر يغمرهما الحب وما اجمل الهمـس لسـاعات من الليـل مع ضوء القمـر مداعباً أمواج البحـر لتسر له السـر العظيم الذي لازمها طيلة الوقت منذ ان وقعت عيناها بعينه ولتزيح عن نفسها هما الـمَ بها منذ ان وقعت عيناهـا بعينه حين وطأت قدماه عتبـة البيت .
بعد برهة من لقائهم امطرته بوابل من اسئلتها التي هزت بدنه ، ولم يستطع الاجابة عليها ، لم تمهله ؛ بربك ماهـذه كـردسـتان التي جننتني بها !. اهي بلد مستقطع من بلادكم ؟ ، تتكلمون وتلهجـون بها ليل نهار تحت لسـانكم بمناسبة وبدون مناسـبة ؟ ، اقمتم الدنيا واقعدتموها ! ، وكل واحد منكم يعتبر نفسه هو الثوري الوحيد المنزل في هذه الدنيا ، لم يكن من قبله ولا من بعده احد ، أأنت طبيعي ان تترك هذا العـز والجاه والمنصب والموقع والمكانة والعمل والمال .. ويتوجب عليك الان ان تشق طريقك وتبني حياتك ومستقبلك . احـذو حذو مهاتما غـانـدي ! ، قارة ما اكبرها ، هندوس ومسيحيون ومسلمون سـاروا وراءه . بربك هذا الذي تتخـذوه اليس بجنون ! ، عجب انتم ! ، تبا ً لكم .

اختارته اللجنة الحزبية كي يكون المساعد العسكري لتدريب المجموعة التي معه ، ويعتقد بان الريح قد هبت من ارض بابل ! ؛ اي من ابي حاتم ، حيث انه يعلم علم اليقين بان صاحبه قد انهى الخدمة العسكرية في المعسكر القريب من مدينته ، ويعرف بذلك لانهم جمدوه خلال فترة التحاقه بالجيش . وفتـوة ابي حـاتم فتـوة لها ثقـلها ، ومن يستطيع ان لا يتخـذ بها وان لا يلبي طلبه ! ؟ .
يس يم يس ... يس يم يس ...
يس يم يس ...يس يم ...
هذا ما تعلمه بشكل جيد من التدريبات العسكرية داخل معسكر الرشيد حينما انهوا دراستهم الجامعية لدورة عام 1973 دورة البكـر، حيث اثاروا غضب نائب الضابط المسؤول عن تدريب سريتهم ، قالها لهم ؛ خريج مريج ما اعرف ؟ ، سـر .. قف .. انبطـح.. هرول .. وتفكـيك وشد سلاح السيمينوف والتأبط واخذ التحية وسـر الليل . الا انه لم يحمل السلاح طويلاً ، حيث عند انتهاء فترة التدريب ، ارسلوا الى الاشغال العسكرية وتم توزيعهم على المدن القريبة لمحل سكناهم واقامتهم . انتهت الدورة العسكرية وكانت دورة من التدريب والاعداد مدتها الشهر ، عاد كل الى مكانه ، الطالبات والطلاب الى دراستهم والباقون الى اماكن عملهم . هنالك من غادر البلاد وهنالك من شد العزم واصرَ بان يشارك بأطلاق أخـر اطلاقة في سفوح الجبال .

حلت عليه اللعنة منذ ان حاول الكتابة اول مرة انشاء باللغةِ العربية حول تشي جيفارا ... جيفارا الثائر ... جيفارا حبيب الشعوب التقدمية ... جيفارا ... تلقى صفعة من استاذه لمادة اللغة العربية وهو استاذا بعثيا مسدسه في جيبه ، وذلك لاحراجه على اسلوبه الهمجي في معاملته للطلبة المغضوب عليهم والمسـاكين والذين لا يماشـوه في الرأي ، فلهم الويـل كل الويـل .

كانت تتناثر وتدور في مخيلته تصورات واحـلام وتوقعات واحتمالات ... ممتزجة ما بين النشوة والافتخار والبهجة والمخاطر والخوف مما يطرأ من السيئات ، والضجر وحتى اليأس ايضا ... حلم اللقاء السـري وغير المعلن بالاهل والاحبة والاقرباء ليفاجئهم كالابطال او السياسيين من قضى فترة محكوميته بشجاعـة ، والتوجه الى الداخـل واستطاعته التخفي في بساتين الاقرباء ، وهذا النظام آيل للسقوط .

اخذ ينفق ما بجعبته من النقود وما كنزه خلال عمله ويوزع حاجياته وصوره ، وكل علمه بانها بضعة ايام ويشد الرحال الى الوطن بمحض ارادته تاركا كل المغريات والامكانيات الاخرى وليلحق بالركب . ودع الاخرين من الاصدقاء وممن وقع نظره عليهم وخفق لهم قلبه ! ، يحذوه الامل في اللقاء وبالنصر القريب ! .

اتخذ وصديقه الطبيب مقعـديهما في الطائرة ، رددا ؛ ما يهـزك ريح يا مركب هوانا ما يهـزك ريح ، ليت الليالي ما تفرك شملنا .. ليت الليالي .. ، جال بنظره متفحصا ً الاماكن والجالسين ، ادار بنظره الى الخلف ، تسمر بمكانه كأنه تلقى صدمة وصاعقة كهربائية ، تجاذبت العيون بالعـيون ، امتلكت كل الشجاعة وقررت ان تودعه على طريقتها حتى اخر الطريق وتمتحن صدق اتخاذه لمثل هذا القرار، ايقنت بانه لا تراجع لقراره ، توادعا .. ، دخلوا الوطن ، تصادموا مع الجندرمة الاتراك ، لم يلحق ببشتاشان ، تذكر كل الوجوه ، وعلم بانه قـد عـلق المنطق . تواردت الاخبار الحزينة الاليمة عند جبال حصاروست ، ظل طيلة السنين حزيناً مهموماً على فقـدان ممن كانوا بكل معنى القرب الى قلبه ، ممن سال دمهم على سفـوح الجبال في الوطن ، تمنى ان يكون هناك في الاعمـاق .






 

free web counter