| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

حسام آل زوين

 

 

السبت 16/5/ 2009



اطفـأتُ ناراً .. اشـعـلتُ نارا !
(4)

حســام آل زوين

عـــــــودان العمـــــــر كلـــهن كضــن .. ويــاك
يلي شوفتك شباك للقاسـم ودخـول الســنة بملكاك
يافي النبــع واطـعم عطــش صـبير.. ولا فركاك

اخـذ يردد هذه الابيات من قصائد للشـاعـرالكـبير مظفـر النواب ، والتي لايزال يحفظها منذ ايام المدرســة ، جمعها من هنا ومن هناك في دفترالانشاء للغة العربية والذي لازال اخـوه محتفظا به حتى الان مع مجموعة من اوراقـه وصوره القديمـة ،هذا الدفتـر هو دفتـر البدايات ، اخـذ يرددها بعد ان تجــاوزا اطــراف المـدينة ، وبعـدها غــط في تفكــير عـميق ادخـله عالـم ذكــرياته البـعيد المترامي الاطــراف ، مبتســما تارة ، ومتألمــا تارة اخـرى ، وكل تلك التعــابـير مـرسـومة على وجهه ، والتي بانـت على محيــاه . احـس هـو بقــرارة نفســه انه كـبـر بعض الشـــيئ من حـرقة الالم والفـــراق ، ومن افــراح خاصــة وعامــة ، للناس ...للوطـن ، لم تكـتمـل ! .
لقد وطـأت قدماه ارض الوطن ، شاهـد مـدينتـه ،التقى اهـلـه واقـربائه وناسه واصدقائه بسـرعة فائقـة ، ووجــد بان الذكــريات لازالت محفـوظـة في رفـوف الذاكــرة وملفـات الوجــدان ، اسـره مشـاركـة ابن خالتـه القادم من مـدينة الحلــة والذي يكبـره ببضع ســنين بـزيارة المـدينة التي فيها ذكـرياته الجميلة ، حيث طــافا الشــوارع والازقــة القـديمـة والســوق المســقـف القـديم لمـدينتهم المســـيب ، يســئل عن اصـدقاء الطــفـولـة ، بهـذا المقـهى او ذاك ، مـبتـدئين من محـلة الـنزيـزة (موسـكـو الصـغرى ) ، من المقهى في حـافـة النهــرحتى بـدايـة الجسـر،لازالـت نـوافــذ البيـوت مغطـــاة بالمظــلات او( مـانعـات الشــمـس) وتحتاج لتبـديـل قـلـبها ( من الشوك والحـلفــه ) من جـديد . ولم تعـد الازقة التأريخية كتلك الايام محروسـة من قبل روعـــة النساء والبنات الشابات ممن يقفن يقضين وقت الفراغ وقت العصاري وايام الجمع ما وراء العماريات العاقولية مسلحات بالحسـن بالجمـال بالعفــاف والشــرف ، روائـع من الاســماء لاتعــد ولا تحصـى ! . وخصـوصا عند دربـونة بيت جـده الســيد كريم الهاشـمي ، تغيرت غرفتهم الحـاوية للجمـيع ، ماتت الشـجـرة العمــلاقة في وســط الـدار ، ودفـنــت الكتب والمناشــير ، وانـدثــر البئــر .
تـوقفا عند النهروالمسـجد القديم ، بعجالة مـرقوا بسـوق السـمك ، لقد كثرالذبـان !. دخلا السـوق المســـقف من الجهة الاخرى ، ســوق القمــاش ، اسـئلة متناثرة هنا وهناك ، اين صاحبنا البـزاز السـيد ، الرفيق ... !؟ ، اين محل بيع المرطبات الشهيروتلك المواعيد والجلسات؟ ، اسئلة متناثرة هنا وهناك ، اسئلة فيها الالم والحسرة ، اين الحمـام الكبيروصباح ايام الجمعة والاستحمام ؟ ، اين فلان وفلان ؟ ، هنا كنا نلعب ونلهـو في علوة الانباري مع اطفال الجيران ، مع محســن ومحسـن اسـتشهد منســياً في حرب ايران ، تفحصا الدكاكـين دكان دكان .
اشـار ابن خالـته لـدكان ، كان ابـوه ( رؤوف الخــــياط ) يعمـل فيه ، وهنا امــراءة يهــودية .. لم يعـرلهذه الاشــارة انتباهه ، ولم يفهمـها ، اجلها للقــاء قادم . كان رؤوف انســانَ الطيبةِ والشـعرِ والسياسةِ والعــلاقات الاجتماعية ومعـرفة بالنجوم والتنجيم .
انبعثت رائحــة البهــارات والفلفـل والطرشــي وهذا له ســره الاخـر يتميز عن باقي المخلالات جميعا ، اراد ان يمد يـــده ويتذوق ما هو معــروض ، تسـائل بنفسه الا زالت امه تعمل المكبـوس بانواعه وتخزنه في الــزير(البســتوكـة) المفخــورة ، وعند العصـاري ياتي الخــال مخبئاً كيسـاً صغيرا من النايلون ، يستغلون فرصـة تواجـدها داخل المطـبخ ، يمرق خلف البيت بسرعة البرق يعبئ بالكــــيس مما طـالــت يـداه ومما اعــدته اختــه من مـكـبــــوس يفتـح مشــتهى النفــــوس ، ويخرج على عجـــل ويلتحق به ابن اخته بعد قليل عند بداية الشـارع متوجين الى النـادي او عند صـدرالمشـــروع اوالى الســدة لقضـاء ليلتهم ، وما اســرها من ليــالي حينما يقضيها مع الخـــال والاصدقاء يتجاذبون اطراف الحديث من السياسة والفن وقضاء وقتا عند ضفاف نهر الفــرات ، لقد احســــن زيارة اصــدقاء خاله رغم اخــتلافاتهم في العقـــيدة والـرأي ، قالها احـد جيرانهم من الاصدقاء ، اخذ يبكي ويتحسر على تلك الايام ، ايام صداقتهم بالخال ، اعترف واقـر هذا الصديق الحـزبي انذاك ؛ بانه لم يجد باحســن واشــرف من الشــيوعــيين بصـدقهم ونـزاهتهم ومــواقفهم وثقافتهم ... ولكن بعـد فــــوات الاوان ! .
مروا بطريقهم بالسـوق الى محل تـومان فعمل مقلبا برضا عندما اعاد عليه اسئلته المتكررة عن سعر هذه الحبال ،اهمله لم يرد عليه بجواب ، بل اشـاربالتوجـه بالسؤال لمساعده ، لم يعرفه ابدا . وبعد السؤال.. اجابه اخـاه هذا الذي كنت تسـئل عنه دائما لقد عــــــاد . تعــانقا وتجــاذبا الحديث . لحظات لا يعرف كيف انتهت ، اهذه مقهى مهـدون الكـبيرة اين تلك العصاري اين ذلك الشاي ؟ ، اين مهدون بن جواد مسيبي ؟ ، لقد انسبيت المســيب ومن حولها يابن جـواد وسبيتنا من بعدك ! ، اعجبا كيف انســبت مقــهاك وتيتم شــــارع المدينة ! .
اخذ يـردد كلمات من اغنيـة ... جـواد جـواد مسـيبي ... انت سـبيت اهل الهوى ... شعجب انته ما تنســبي ، مسـح مرفقــه وتراى له محـمـد القبنجـي ماسـكا بمنـديلـه يزيح العــرق المتصبب عن وجهه ! .

بطـريقهم للرجـوع الى البيت مـروا بــزقاق به بيت خالتــهم القـديم ، لم يبق فيه الا الجـــــدران الملاصـقة للبيـوت الاخرى ، شــــاخصة تحكي للزمـــــان احـاديث الايام ، وقد تحــول البيت الى ساحة لبيع المواد الانشائية . دخلوا المكان بلهفة للبحث عن مفقـود ، كالصبية يتفحصون ما تبقى من اثارالجـدران! . لقد تفكك بناء الاتحـاد السـوفياتي العظيم بعـهد ميخائيل كرباجوف ويلـتسن ، وتهــدم جــدار برلـين ، وانهار الصنم وفــرالاقـزام ، صدفة ام عجب لازالت باقية جدران غـرفة خـالتــهم زهــــــراء ، وجــــدران غــرفة الاســـتقبال ، ولقـافـات الهـــواء (البادكـــير) لازالت موجودة ورسمٌ لحمامة سـلام ، نعم ؛ حركة انصار السلام ، ودول عدم الانحياز وقادتها قد رحلوا نهـروا ، جـوزيف بروزتيتو، وجمال عبد الناصر، وفيدل كاستروا قد تنحى عن السلطة لاخيه ! ، ورحلت انديرا غاندي ،السلم والتضامن العالمي ، جـاندرا وعـزيز شـريف ، والسلم في كردستان وعائلــة بـرزان ، تعلمنا رسـم الحمـام احســن من ريشــة رســام ! ، أشــاهد على ذلك المعـرض الفني الذي قمناه ســـوية في طاشـــقند يا نجــاح !؟ . وعلى الجهة الاخـرى من الحـــائط عـلـقـت ســـــجادة كبيـرة ايـرانيــة الصـنع وصـورة لفــاتــن حـمــامـة واقفـــة وبجنبها ماكــنة خياطـــة ، وعالقــة في ذاكـرته منذ ذلك الحـين ! . جمـيل لازال الماضي وحتى باضعف الايمــــان يقـــــاوم النســـــيان والطـــغيان ! .
منذ اللحظـة الاولى لوصولــه المدينـة ســئل امـه عن وجـود مقـرللحـزب ... دلتــه على المكان،
بســرعـة البــرق ســاقته قـدماه كأنه افتقــد للتو شيئاً ثميناً ... دخــل مقـــرالحـــزب كانه داخـــلا لبيته القـديم امنـاً ! ، اسـتقبله من كان في المقــر، كشف عن هـويته ، تعـانـــقا ، لبـــــرهـــة ظــنَ
بان الشـــهيد ســـكران مـرهـج يننتظــره في الغـرفـة المجاورة ومعه رفـــاق في اجتماع . ادار بنظـره الى جـدران المقــــر فـوجـدها فقـيرة خاليـة ، قطـع عـهدا ؛ اذا كانت لي قســــمة بالبقـاء لفترة اطـول ، فسـوف اقــوم بتغطية الجـدران مزينة بذكـرى من قـد رحـل ! .
لم يتسن له اللقــاء بكل المقـربين من الاصـدقاء ، انهـى كل وقته بمراجعات الدوائر لكي يحصل على وثائق لا تقدم ولا تؤخر ولا تسـمن ولا تغني من جوع ، ويعرف بقرارة نفسه قد زعل عليه الكثيرمن الاصـــدقاء في زيارته المفــاجئــة هذه ، وهــو الاخــر لم يشــبع التمــعن للمـدينـة كلـها ولا الاقــــرباء ، ضــاع من الـوقت كما ضـاع منه العــمر ! .
بـدأ يتسائل عن المناطق التي يمرون بها ، هذه مدينة الاســكندرية والله يرحم ايامكم ايها الروس وانتم كذلك اضـعتم انفسـكم واضـعتم الاصـدقاء وضـعنا معكم ، ترحم على تلك الايام وايامهم في عـدن ، ومشاهدة الافلام السينمائية التى يجلبونها للتمتع بالوقت وتغـير الاجــــواء ، ولم نجن من المعامل التي شــيدت بمساعدتهم شيئا ، اراد الشـعب الاشـــتراكـية ، وان يصنع ( السـكـسـويل ) وعــنترالجــــرار، بفضل ســـياسـة الاصـنام اذقـنا الجــوع والمــوت وخــراب النفــس والـوطـن والـدمــار. خاطب اخـاه الاصـغر متســائلا هنـا وهنـاك كي يلــهيه عن النعــاس ، يحــــس بتعـب اخــيه الـذي لا وقـت لــه مشـغولا في امـورالدنيا ودنياه ؛ اهــذه مدينة الحــصـوة ، كان الصــبية يضـعون النقطـة فـوق الحــــاء وكانت دائما معـرضة للتنظــيف وللتصلــيح . وقـريـة 14 تمــوز اصبحت من الكبر وامسـت ناحية كبيرة ، ولك الرحمة ياعبد الكـريم قاسـم . وعلى اليمـين قد حـل الخـــراب باللطــيفـيـة ، احبــــها ولم يعــرف لماذا احــــــبها ، اول دخــوله لها حينـما كان طفــلا صـغيرا في ســـيارة والــده ، وكانت حفلـة تخـرج دورة للســياقة منح والـده تلك الاجـازة التي لم تؤشــر له مخالفــة قــط طيلــة عمــره حسبما يعـتقـد ، كان حفــل ليلــي غنائي ســـاهر وانـوار قــوية في سـاحة كبيرة مغطاة بالعشب ، وليلة قمـــراء ، والـرجـال المحتفـلــين بازهى الثيـاب ، وغرف طـويلة وورشـات ، تبين فيما بعد انها الدائرة الزراعـية ، وذكـرى اللطيفية له من رائحة شـجرة الكالبتوس والتي حينما يستنشقها تدخل مناخـريه ويحــس بانها قد دخلت في لفـاليف رئتيـه كلما اقتـرب من هذه الشــجرة ، منذ تلك اللحظــة واينما حـل ، من معسكـر الرشـيد الى اليمن الى الامارات ، يحـس ويتصور ان هذا المكان وزرع الاشـجار من عـمل الانكـليز، من تقديره للمكان وضخامـة الاشـجار . واحبها عنـدما كان احـد جيرانهم في المحمودية وهو مضـمد صـحي اسـمه محمـود ابو طــــلال ضــامنا لبســتان في اللطــيفية ، يأخـــذ الاطـفـــــال ايام الجمــعة مع بنـاتـه الجميلات الى هناك بسيارته الجيب وبهندام الصياد الانكـلـيزي بطاقيته العسكرية وبندقية الصيد ، كان الطـريق المؤدي الى اللطيفية من الشـارع العام مغطى بطرفيه بالاشـجار مظلـلا والسيرفيه جميل ، قصت وقلعت كل تلك الاشـجارولم تعد تلك الطريق تفيئ بظلالها للمزارعــين ، ولم يمـر بها حســـن افـنــــدي منذ وقت طــــويل . اصبحنا نحـن نقـلــــع والاخـــر يـــزرع ! ، وشــــجرة الكــالبتــــوس لاتحتاج لتلك الــرعــايــة ، اعطـها فقط مــاء الحيــاة ، فتــراهـا شـبت بســــيقانها البيضاء وجــدائلــها الخضــراء وبرائحتها الطـيبة الطـــرية يطـــيب ويحـلـو المكـان . الا زالــت صـــــورة الـبنت الـريفـية ( المعــيديـة ) معلـقة في تلك البيوت . اهذا نهرالتناقض شـيشـبار وهذه قلـعة الاخـيـــــارمن بيت آل الرمــــان . مثلث المـوت اطلــق على هذا المــكان ، مكــان الـزرع والحصـاد والجــني والخــير والــرزق والامـــان . وكم من انســان مـر بهـذه القـلعـة والبســتان ، وكم ذبحت من النـــــذوروالفـــــدية والقـــربـان ! .
ماالــذي حـدث وتغــير!؟ ، اليس هـو الانســان نفــس الانســـان ؟! .

تجاوزت ســيارتهم كل نقاط التفـتيـش والسـيطرات ، مـروا بمدينتهم الاخـرى المحمودية ، وهنا خـزائن اخـرى من الذكريات ، من هنا البدايات وهناك الامتدادات ! . حل وقت الغروب ، وصلوا بغـداد ، فتحوا الباب الرئيسي ، نفس الباب ونفس الدار ، لازالت خالتهم الاخرى ، تحب الارض والـزرع وحـديقــة الـدار ، تمارس دور زوجها لحبها له وحـبه لحـديقته ورعايته للـورد الاحمـر والاشجار. لازالت باسـمة ، مشـرقة الوجـه صبوحـة ، شـجاعة نشطة طيبة ، تحب الناس والحياة والسـفر ، احسنت العمل والمهام . سُـعـدت بقــدوم ابن اختها الذي غادر منذ زمان ، كانت تحضر المكان لاستقبال ضيوف لها من اوائل الرابطـيات ، كعادتها بسـرعة اعـدت ســفرة الطعام ، لاول مـرة عـلم بانها قد شاركت عضوة بوفـد رابطة المراءة العراقية الى النمسـا منذ خمسين عام ! .
لقـد وزعت كل المناشــير... كل المناشــير وخبرهم ! .











 

free web counter