موقع الناس     http://al-nnas.com/

نعم .. لمنطقة آمنة ولكيان ذاتي للعراقيين المسيحيين

 

حبيب تومي / اوسلو

السبت 25 /3/ 2006

ملحوظة : كتبت هذا المقال قبل ان ينشر موضوع الأب بشار وردة على منبر الحوار الهادئ ، وآثرت ان احتفظ بالمقال ، كما إنني لم اطلع على المناقشات الجارية لكي لا أجري أي تعديل على ضوءها على المقال الذي اطرحه اليوم . ومن ثم أجبرتني وعكة صحية على المزيد من التأخر ، حيث انقطعت عن شريان حياتي ومصدر سعادتي وهو كتبي وأقلامي وأوراقي .

مقدمة
المقولة التي تقول بأن المسيحيين في العراق هم في امان ووئام ورغيد العيش ، ودون ان تلحقهم اية مظالم او تفرقة ، هو رأي يجانب الحقيقة ، وغير دقيق ، ويحتاج الى دراسة وتمحيص ومراجعة من جوانب عدة ، لكي يكون رأياً راجحاً في حقيقته وموضوعيته .
الرأي المسلم به ان العراقيين جميعاً بمختلف اديانهم ومذاهبهم وأعراقهم معرضون اليوم الى سيف الأرهاب ، لكن المسيحيين يتعرضون لهذا السيف مرتين الأولى كونهم عراقيين والثانية كونهم مسيحيين يعاملون كرعايا وليس كمواطنين .

الواقع المرير
ان الخط البياني الذي يؤشر على التواجد الديموغرافي المسيحي في ارض العراق يشير الى الهبوط الخطير والمؤدي حتماً الى الأنقراض إذا استمر على نفس المنوال في بحر الأعوام القادمة . ومن هنا يجب تدارك الموقف والعمل على ايقاف نزيف الهجرة الذي يعتبر سرطان في كينونة شعبنا ووجوده على ارضه التاريخية .
الواقع المرير للعراق عموماً يفيد بعجز الحكومة على إقرار النظام والأمن للمواطن العراقي ، وفي نفس السياق هي عاجزة عن حماية الأقليات من العصابات ومن الميليشيات التي تفرض اجندتها على العراقيين وفي مقدمتهم الأقليات الدينية وبضمنهم المسيحيين العزل .

مفهوم المنطقة الآمنة
كان ثمة منطقة آمنة للشيعة في الجنوب تمنع تحليق الطيران العسكري فوق مناطقهم ، وكانت هناك منطقة آمنة للأكراد ، تحضر الطيران العسكري الحكومي فوق المنطقة وتمنع تواجد أي قوات حكومية عراقية على الأرض الكردية ، وكانت قوات التحالف تضمن حرمة هذه المنطقة . وفي نفس الوقت كان المواطن العراقي الكردي يتمتع بحرية المواطن العراقي في العمل والحركة ، ويستطيع ان يلجأ ارضه إذا ما تعرض الى خطر .
والمنطقة الآمنة وبإدارة ذاتية للمسيحيين ، ليس من الضرورة القصوى ان تكون حماية دولية ، فتكون هناك ثمة قرارات دولية ، فرأيي المتواضع ان تكون مقررات عراقية تعترف بهذه المنطقة وتعمل على حمايتها ، وبتصوري ان المواطن العراقي المسيحي له الحرية في البقاء في هذه المنطقة او التنقل او العمل في اية منطقة من العراق كأي مواطن عراقي ، كما ان مفهوم المنطقة الآمنة سيتلاشى بعد استتباب الامن والأستقرار في ربوع العراق .

مدننا وقرانا الكلدانية في سهل نينوى وشرق دجلة
بنظري ان مدننا وقرانا الكلدانية مهيئة لتكون منطقة جغرافية لتحديد هذه المنطقة ، حيث ان هذه المنطقة تجمعها خواص اثنية فيها الثقافة واللغة والدين ، والملاحظ ان التنوع في هذه المنطقة يجمعها ارتباطات تاريخية وجغرافية واقتصادية ، ويسودها تعايش ووئام وتسامح ديني كبير بين قاطني المنطقة من المسيحيين والأسلام واليزيدية والعرب والأكراد والشبك ، ان تحديد منطقة آمنة في هذه المنطقة الجغرافية ، ستعود بالفائدة الأقتصادية لجميع الأطراف وسيعمق الراوابط الأخوية بين هذه الأقوام .
إذا مكثنا في عدوة دجلة اليمنى بعد ان نتعدى ديريبون الى فيشخابور حيث القرى المتاخمة للحدود السورية ثم التركية نصادف سلسلة من القرى المسيحية منها : شرانش ، قراولة ، بيرسفي ، أومرا ، ملا عرب وغيرها ، إذن منطقة شرق دجلة سواء في سهل الموصل أي سهل نينوى ، وهذه القرى المسيحية وغيرها هي أماكن مهيئة لاستقبال العوائل التي تقطعت سبل الأمان أمامها .

التناسق مع اقليم كردستان
من البديهي ان تنال هذه المنطقة الأمنة ذات الأدارة الذاتية تأييد ومباركة حكومة اقليم كردستان ، لأن بغير هذا التأييد لا يمكن لهذه المنطقة ان يكون لها وجود ، ان اقليم كردستان الذي يرأسه الأستاذ مسعود البرزاني ، الى جانب رئاسة مام جلال لجمهورية العراق ، فإننا نرى منطقة كردستان عموماُ يسودها السلام والتقدم والبناء وتمتاز بتبنيها المنطق الديمقراطي الليبرالي العلماني ، وإن هذه الليبرالية والديمقراطية تتجسد في احترام السلطات الكردية عموماً لمبادئ حقوق الأنسان وفي مقدمتها احترام الأقليات في هذه المنطقة التي نراها تسير قدماً في معارج البناء والتنمية والتقدم . وبعد هذا كله لا بد من مناشدة حكومة اقليم كردستان للأهتمام بهذه المنطقة لتكون نموذجاً حياً للأخوة والتسامح .

توفر الأمن وظروف السكن
لقد حدثت عبر التاريخ ضعوط قاسية على العراقيين المسيحيين ، ولم يكن امامهم وقتها دول اوروبية او امريكا ليهاجروا اليها ، انما كانوا يلجأون الى المدن والقرى في شعاب ومناطق جبلية عاصية ، واليوم يمكن ان تكون مدننا وقرانا في محافظة نينوى هذا المكان الموعود الذي يمنح المعيشة والأمان لمن يقصدها ، بعد تهجيره او تعرضه الى الأعتداء او التهديد في ظل الظروف العراقية المعروفة . إذ غالباً ما يتعرض احد ابناء شعبنا للأبتزاز او للتهديد ، ربما من قبل بعض العصابات ، وهذه حالة طارئة يمر بها كل العراقيين ، وإن هذا الشخص المهدد هو وعائلته ربما ليس بمقدورهم ترك البلاد وربما لا يريدون ان يتركوا العراق في كل الأحوال ، وإنهم يعودون الى بيوتهم وأعمالهم حينما تستتب الأوضاع الأمنية ، عندئذ سوف لا يكون امام هؤلاء حالة التغرب عن اوطانهم انما يبقون في المنطقة الآمنة .

أقليم كردستان والأقليات
منذ ان اتيح لأقليم كردستان ان يكون له برلمان منتخب ، حرص على امر تمثيل الأقليات ووضعه قيد التنفيذ ، فقد كان ولا زال للأقليات تمثيل بمعدل خمسة مقاعد للكلدان والآشوريين في كردستان ، ان تمثيل الأقليات في البرلمان الكردستاني يشير الى الوجه المشرق لازدهار الديمقراطية في هذا الأقليم الفتي ، لا ريب ان العالم سينظر بعين الأعجاب الى اقليم كردستان حينما تراعى فيه حقوق الأنسان ، وكما هو معروف فإن حقوق الأقليات تأتي في مقدمة لائحة حقوق الأنسان .
من جانب آخر نلاحظ تحمل هذه الأقليات المعاناة والتشريد ، وقد ساهمت هذه الأقليات مساهمة فعالة في معاضدة الثورة الكردية سواء بحملهم السلاح وانخراطهم بصفوف البشمركة ، أو بتقديم المعونات الغذائية والدوائية التي كانت تمنعها الحكومات المتعاقبة عن المنطقة الكردية بفرض حصار اقتصادي شامل . ومواقف القوش وتلسقف وباقوفا وباطنايا وتلكيف في هذا المجال لم تكن خافية على السلطات الحكومية في المنطقة حيث كان يفرض عليها حصاراً اقتصادياً قاسياً .
إن تأسيس منطقة آمنة ذات إدارة ذاتية للمسيحيين من كلدانيين وآشوريين وسريان في هذه الظروف الصعبة لهو قرار ذكي ومبارك تتخذه حكومة اقليم كردستان .
بارك الله بكل الجهود الطيبة لخدمة شعبنا .