نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حبيب تومي

 

 

 

 

الثلاثاء 25 /7/ 2006

 

 

ديمقراطية بوش ام ديمقراطية بوتين ترياق الوضع العراقي ؟

 

حبيب تومي / اوسلو

في اعقاب انهيار الأتحاد السوفياتي السابق وانفراطه الى دول مستقلة كانت جمهورية روسيا الأتحادية الوريث الرئيسي لهذه الدولة ، وفي البداية عمت الفوضى هذه الجمهورية المترامية التي تبلغ مساحتها اكثر من 17 مليون كيلومتر مربع ، وفي مخاض الأنتقال الجذري من نظام الى آخر وتخبط السلطة السياسية وغياب القانون ، في هذه الأجواء انتعشت العصابات ونشط اللصوص وعمت الفوضى والجريمة المنظمة في انحاء روسيا ، فكان الأبتزاز والخطف والتهديد والقتل في وضح النهار ، واستفحال الفساد المالي والأداري .. ودامت هذه الحالة تقريباً طيلة عقد التسعينات من القرن الماضي .
لقد كانت الضغوط من الولايات المتحدة وأوروبا على بوتين والحكومة الروسية بتطبيق الديمقراطية الغربية المتطورة على الحالة الروسية .
لكن فلاديمير بوتين آمن بالمثل القائل : إن أهل مكة أدرى بشعابها ، هكذا تصرف بوتين مع الجريمة والفساد والرشوة ، بدلاً من تقديم المرتشي والمختلس للمحاكم والملاحقات القضائية ، وضعهم في السجن لنيل جزائهم ، وكانت تطبيق الديمقراطية على الطريقة الروسية وليس على الطريقة الغربية .
إن تفكيك الوضع العراقي بعد 9 نيسان 2003 تبدو فيه جلية بصمات وملامح الحالة الروسية من جهة استشراء جرائم السرقة والخطف والأبتزاز والقتل في وضح النهار واستفحال الفساد الأداري والمالي ... ولو عمل بوتين بالنصيحة الغربية حول الديمقراطية لكانت روسيا تسبح لحد الآن في مستنقع الفوضى . ولما أتاح الوضع الأمني في روسيا باستضافة رؤساء الدول الصناعية الثمان في قمتهم السنوية في مدينة بطرسبورغ ، لتصبح روسيا دولة كاملة العضوية في هذا المحفل الدولي الهام .
لقد كان رد فلاديمير بوتين على جورج بوش في المؤتمر الصحفي الذي جمع بينهما : أن روسيا ليست بحاجة الى الديمقراطية التي جلبتها قوات التحالف بزعامة امريكا الى العراق .
أجل علينا ان نعترف ان الديمقراطية الغربية المتطورة لا يمكن استنساخها على الواقع العراقي الناجم بعد تفكك مؤسسات الدولة العراقية .
قبل اربعين قرن تقريباً دوّن الملك حمورابي شريعته باللغة البابلية وبالخط المسماري بغية تطبيقها على الواقع العراقي الجديد ، بعد توحيد العراق الذي مقسماً الى مراكز سلطوية مدينية ( من المدينة ) المعروفة بدويلات المدن ، وحّدها في دولة مركزية واحدة تتبع الى سلطة مركزية واحدة مركزها مدينة بابل ، وأخضع آلهة المدن الى إله رئيسي واحد هو الإله مردوخ . وبعد ذلك نادى بالمساواة والعدالة إذ يقول في مقدمته : أنا الملك حمورابي ملك الملوك اختارتني الآلهة نيابة عنها لحكم البشر وإسعادهم ونشر العدل بينهم والقضاء على الشر ، وأن لا يطغي القوي على الضعيف ...
إن نشر العدالة في اصقاع بلد مقسم الى دويلات صغيرة متناحرة لم يكن يسيراً في تلك العصور المظلمة ، ومن هنا قرر الملك العراقي حمورابي ان توحيد البلاد يكون : اولاً : بوجود حكومة مركزية قوية ، وثانياً : سنّ قوانين متطورة شاملة ، وثالثاً : تطبيق القانون على القوي والضعيف ، فالعين بالعين بالسن ، هكذا استطاع هذا الملك العراقي من ان يضفي ذلك الزمان دولة القانون ، وان يخضع الجميع دون مفاضلة او تمييز امام هذا القانون .
إن تفكيك لحظة تحرير العراق من الحكم الدكتاتوري ومحاولة إجراء مقاربة عقلانية براغماتية على الوضع العراقي بعد 9 نيسان 2003 فإن تأسيس الدولة العراقية بعد الأنهيار الذي حصل على مجمل مؤسساتها . ومن ثم تناحر القوى المتحالفة لأسقاط النظام ، حيث كان لكل منها أجندتها الخاصة بها وتسعى الى تحقيقها بعد سقوط النظام ، وهكذا فإن كل طرف يريد ان تنهض هذه الدولة على الأسس التي توائم رؤيته .
وسوف نشير في هذا المقال فقط الى اجندة قوات التحالف وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي كان لها ولا زال الدور المؤثر في صنع الواقع والقرار العراقي .
أمريكا والدول الغربية الأخرى رسمت للعراق إقامة دولة عراقية حديثة مبنية على غرار الدول الديمقراطية التي ينعم الغرب بشمسها الدافئة ، والديمقراطية الغربية كما هو معروف تحمل في طياتها قدراً كبيراً من الحرية ، منها الحرية الشخصية والحرية الدينية وحرية الأقليات وحرية المرأة وحرية التملك وحرية الصحافة وحرية الرأي وهلم جراً من الحريات التي نسمع بها فقط في العالم الثالث .
كان يجب ان تراعى ظروف العراق الأجتماعية والسياسية والدينية والأثنية والعشائرية والمناطقية وتركات الحكم الدكتاتوري الفردي ... الخ كيف نفكر بتطبيق هذه الديمقراطية المتطورة على الواقع العراقي المتدهور في كثير من المفاصل .
في الوضع العراقي يظهر بجلاء استمرار غياب الدولة ، وإن تسجيل الحضور لمكانة وهيبة الدولة لا يحصل بإبداء النصائح والمناشدة والقاء الخطب ، إنما الحضور الحقيقي يحصل في التحرك السياسي الجاد المقرون باستخدام قوة وبأس الحكومة باعتبارها الأداة التنفيذية في بسط النظام وإحلال الأمن وإقرار القانون .
في اعتقادي المتواضع لقد كان الواقع العراقي بأحوج ما يكون الى تطبيق نموذج ديمقراطية بوتين لأعادة الأمور الى نصابها في الشارع العراقي ، وذلك قبل الولوج في حديقة الديمقراطية ، إن كان النموذج الغربي مثل امريكا وأوروبا الغربية ، او كانت شرقية كالتي في اليايبان او كوريا الجنوبية . نعم الوضع العراقي يحتاج الى دولة القانون ، وحكومة قوية تكون بجانب تطبيق القانون على الجميع دون استثناء .