| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حبيب تومي

habibtomi@chello.no

tomihabib@hotmail.com

 

 

 

 

الثلاثاء 24/4/ 2007

 

 

العراقيون في سورية وخيارات أحلاها أمَرْ من العلقم

حبيب تومي / اوسلو

إن كانت الدول تسعى ان تحتل منزلة متقدمة في مضمار الصناعة او التجارة او الرياضة او الفن او مراتب العلم والمعرفة .. فإن العراق قد اهمل هذه الجوانب ولم يعد يعير لها اهمية .
لقد استحوذ العراق بدون منافس على مراكز متقدمة في معارج العنف والجريمة والفوضى والفساد الأداري والعنف الأجتماعي ، وانهيار القانون والنظام .. فتفوق على نظام الغابة المعروف بهيمنة القوي على الضعيف دون رادع ، بل ان سقراط يفسر في جمهورية افلاطون ، انه حتى داخل عصابة من اللصوص ينبغي ان يكون ثمة مبدأ من العدالة يسمح لهم بتقاسم الغنائم ، ولكن في العراق لم يعد الناس يهتمون بالعدالة او اللاعدالة إنما همهم بات يتمحور حول البقاء على قيد الحياة ليس إلا .
مكونات الشعب العراقي بات همها الوحيد أيجاد ملاذ آمن يحميهم وأطفالهم من شر القتل والأرهاب والتصفية الجسدية ، فالمسلم السني يُذبح على هويته المذهبية السنية ، والمسلم الشيعي يُقتل على هويته الشيعية ، والمسيحي يتعرض للخطف والأرهاب والقتل على هويته الدينية والصابئي واليزيدي ..وهلم جراً ، وكان آخر هذا المسلسل ما يتعرض له المسيحيون في منطقة الدورة على يد جماعات مسلحة تهددهم باعتناق الأسلام ، او ترك منازلهم خلال 24 ساعة ، وهذا جديد في الدين الأسلامي ، إذ لم نسمع من قبل بأن الأسلام لجأ عبر التاريخ الى فرض الدين بالقوة أو هدد بتصفية او تهجير أناس أبرياء من منازلهم لكي يستحوذ على ممتلكاتهم ، أجل إنه نموذج دموي فاق كل الحوادث والصراعات في التاريخ القديم والحديث ، وتغلبوا على هولاكو وهتلر في سلوكهم .
من هذا الواقع وفي ظل غياب سطوة الحكومة وهيبة الدولة ، اختار العراقيون وفي مقدمتهم المسيحيون والأقليات الدينية الأخرى التي تتعرض للتصفية على يد أخوانهم في الوطن من المسلمين ، أختار هؤلاء طريق الهجرة وإيجاد الملاذ الآمن ، وكانت سورية في مقدمة الدول التي استوعبت العدد الهائل من هؤلاء المهاجرين .
في هذا البلد العربي الكريم وجد العراقيون الأمان وتمتعوا بالخدمات التي توفرها الدولة السورية لمواطنيها من الماء والكهرباء والعلاج والتعليم .. الخ
لكن حياة المواطن العراقي لا تخلو من الشجون والمعضلات اليومية ، فالوصول الى الدول الغربية التي تحترم الأنسان وتمنحه الحقوق الأنسانية الكاملة بعيدة وصعبة المنال ، والأعداد المقبولة في هذه الدول لا تناسب الزخم السكاني المتدفق من العراق ، فدوائر الأمم المتحدة الخاصة باللجوء تتعرض الى ضغط متزايد من اللاجئين المغادرين الأراضي العراقية يوميا ميممين وجوههم شطر دوائر الهجرة متناكفين أمام أبوابها .
لكن بعضهم من يمتلك مبلغاً من المال يحاول تجاوز هذا الروتين ويغامر بحياته وأمواله ، ويضع مصيره بيد المهربين آملاً بالوصول الى بلد غربي يحترم الأنسان وحقوقه فيضع حد نهائي لوضعه المزري ومصيره المجهول والمهدد في وطنه الأم ، العراق .
إن حياة المهاجر العراقي في سورية رغم ما تبديه الدولة من خدمات وتسهيلات ، ليست خالية من الهموم والشجون ، فاللهجة العراقية تبدو واضحة ومغرية للتلاعب بالأسعار .
لقد سافرت من دمشق الى الحسكة برفقة زوجتي وأختها ، وفي الطريق نزلنا في احد المطاعم ، وقد فرض صاحب المطعم عليّ مبلغاً قدره 1500 ليرة سورية لقاء طعام متواضع لثلاثة أشخاص ، وفي طريق العودة وفي مطعم آخر على الطريق علمت أن سعر هذا الطعام يبلغ 125 ليرة للشخص الواحد أي ما مجموعه 375 ليرة لثلاثة أفراد ، وبهذا يكون صاحب المطعم قد ابتزني بمبلغ قدره 1125 ليرة سورية ، إنه نموذج واحد للأستغلال الذي يتعرض له العراقيون وهذه الحالة تجري في سيارات الأجرة ( التاكسي ) ، لكن اصعبها وأقساها هي إيجارات السكن العالية والتي غالباً ما يلجأ المالك الى رفعها بين الحين والآخر ، ولا يمكن ان نهمل متطلبات الأقامة وتجديدها والروتين المتعلق بها وعمليات الأبتزاز التي يتعرض لها المواطن العراقي ، وهكذا يبقى القلق النفسي ملازماً له وهو يتأرجح بين متطلبات الحياة من سكن وملبس وانتظار المعاملات ، وإجراءات الأقامة ، وعينه على وطنه الذي تمزقه السيارت المفخخة والأحزمة الناسفة وعصابات تصول وتجول بحرية ما بعدها حرية .
من خلال أختلاطي بعدد كبير من العراقيين في سورية ، كان اهتمامهم منصب على سماع الأخبار الواردة من الوطن ومن بغداد بالذات ، وهم يأملون ان يروا بصيص من النور في نهاية النفق المظلم ، فيعودوا الى ديارهم وممتلكاتهم ويعملوا ويعيشوا كبقية البشر على وجه هذا الكوكب . وفي جانب آخر يتناقلون أخبار الأجتماعات والمؤتمرات التي تعقد من اجل حل معضلة المهاجرين العراقيين وهي الأعقد منذ الحرب العالمية الثانية .
إن الشكوك تدور حول قدرة الحكومة العراقية على فرض الأمن والسيطرة ، فهي عاجزة حتى عن حماية نفسها ، ولهذا نرى العصابات المختلفة تهيمن على الشارع العراقي دون رادع ، ومعها يبقى المواطن العراقي الأعزل لقمة سائغة بيد هذه العصابات ، فيتعرض الى القهر والتهديد والخطف والأبتزاز وعمليات التصفية الجسدية ناهيك من انعدام الخدمات الضرورية لحياة الأنسان كالكهرباء والمحروقات والعلاج والتعليم وغيرها .
أما الوجه الآخر لحل المشكلة وهو يتعلق بالدول التي تمنح اللجوء السياسي او الأنساني لهؤلاء المشردين من بلادهم ، فيبدو ان الحل يحمل في طياته صعوبات وعوائق جراء تدفق المزيد من الأعداد يومياً ويعبرون الحدود ، والظاهر ان المجتمع الدولي يبقى عاجزاً أمام هذه المشكلة المستفحلة .
كي لا نبقى نتخبط في مستنقع التشاؤم نقول :
العراق بحاجة الى عقول نيرة يحملون أفكاراً علمانية ديقراطية بعيدة عن التحجر الديني والمذهبي ، لكي يعيش السني الى جانب الشيعي ، والمسلم مع المسيحي والكردي مع العربي . هذا هو الطريق الأصلح والوحيد لبزوغ الهوية العراقية التي تخرج العراق من نفقه المظلم الى نور التفاهم والتسامح والمحبة .