| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حبيب تومي

habibtomi@chello.no

 

 

 

 

الأثنين 23/10/ 2006

 

 

الأب الدكتور يوسف حبّي وعظمة بابل

 

حبيب تومي / اوسلو

الأب الدكتور المرحوم يوسف حبّي غني عن التعريف للقارئ الكريم ، لقد كان راعياً وكاهناً ورعاً لمن يحضر له القداس في الكنيسة ، وهو ذلك المحاضر النبيه البارع في القاء المحاضرة وفي الأجابة على مختلف المداخلات ، وهو العالم والمؤرخ المقتدر في البحث والتأليف والأستنتاج والمقارنة والتحليل لما ورد في بطون امهات الكتب والمخطوطات ووضعها على محك النقد السليم ليعطي للقارئ موضوعاً تاريخياً سليماً .
لقد كان الدكتور حبي ذلك الأنسان المتواضع البسيط المجامل وكان له دائماً نكتة بريئة حاضرة لكل موقف ، فكان جاهز للأجابة مع سرعة البديهية التي اتصفت بها شخصيته المحببة للجميع .
في كنيسة ماركيوركيس في الغدير كان يقام لقاء ثقافي تحت عنوان ملتقى الحكمة ، وصادف ان القيت في هذا المتلتقى محاضرة تحت عنوان جغرافية اللغات البشرية ، وكان المرحوم جالساً الى جانبي ، وقد اوردت مثالاً عن مفردة النار حيث ان معناها المجازي يختلف كلياً عما هو مكتوب في القاموس واوردت امثلة على ذلك فقلت : نار جهنم ، وقف اطلاق النار ، نار الحقد ، بعدك نار ، حبك نار . وهنا اوقفني عن الأستطراد وسألني ايهما افضل هذه الأستعمالات ، فأجبته على الفور ، حبك نار اليس كذلك ؟ فأجاب بالضبط .. فضحك الجميع .
وفي يوم كان حاضراً لمناسبة في نادي المشرق ، وعندما اراد عريف الحفل تقديم الأب حبي للكلام قال :
الأن يتفضل السيد يوسف حبي لالقاء كلمته ، وعندما اعتلى حبي المنصة قال : اليوم اكتسبت لقباً جديدأ : الأب يوسف حبي ، والدكتور يوسف حبي ، واليوم السيد يوسف حبي .
لقد كانت حياة يوسف حبي حافلة بالأشتغالات والمشاريع الثقافية والبحثية والأدبية والتاريخية .
لقد نشر في وقتها مقالة طويلة وجريئة عن الهجرة في مجلة بين النهرين ، وتضمنت اسباب الهجرة من العراق ، ويبدو ان هذه المقالة كانت كافية للحكم الدكتاتوري ليحكم عليه بالأعدام مع تنفيذ الحكم بالطريقة التي يختارها الحكم وفي توقيتها ، وكانت الأجهزة المخابراتية والأمنية تتفنن في اسلوب التنفيذ . ، وهكذا ذهب هذا العالم شهيداً للكلمة الحرة والموقف الجرئ .
عن عظمة بابل كتب يوسف حبي مقالة في مجلة نادي بابل الكلداني في شهر ايار سنة 2000
يقول :
كنت اتشكك ومعي كل العراقيين ، حين ارى اللعنات والويلات مرسومة في العهد القديم ، تسوّد من المع وأبهى الأوجه الحضارية لبلادنا ، فأتساءل : احقاً هكذا كانت بابل العظيمة ؟
ان تلك الأسفار تعترف بعظمتها وتقر بتمييزها عن سائر البلدان والأمم . فلماذا الطعن بها اذن ؟
ويجيب نفسه عن التساؤل عندما يقول ان المدن الكبرى والمترفهة تكثر فيها المنجزات وتعج فيها الوقائع الغريبة بل الجرائم والفظائع احياناً ، لقد كانت بابل كغيرها من محطات عظيمة هدفاً كبيراً استهدفها فسلطت الأضواء على السلبيات وحدها .
ان عظمة بابل كانت واضحة في رسالة بطرس الأولى ( فصل 5 ، اية 14 ) ويقول البعض ان بابل هنا هي كنيسة روما ، ويقول الدكتور حبي : ان بابل هنا وهناك رمز .. ان استعمال بابل لهذا الأختيار دليل آخر على عظمتها ، وهي تستحق حقاً كل هذا ، انها بابل حمورابي ونبوخذنصر وعشتار .. لقد كان لحبي امنية في ان يكتب كتاباً عن عظمة بابل فيقول :
عظمة بابل انه مشروع كتاب آمل ان اوفق في اخراجه للناس يوماً ما .. . لكن كما هو معروف فإن قوى الشر والظلام تعمل دائماً على اطفاء المشاعل المشتعلة التي تنور الدروب وتكشف الحقائق امام الناس .
لقد كان يوسف حبي الأنسان لا يحتمل التعصب مهما كان لونه او نوعه ، وهو لا يريد ان يبني الأنسان والمجتمع والحضارة على الأنتماءات الدينية او المذهبية او العرقية ، ولكن هذه النظرة الأنسانية الشفافة لم تكن عائقاً امام تحديد الهوية التي تعتبر من المسلمات الأساسية من حقوق الأنسان ، فيكتب بتاريخ 25 / 6 / 2000 م في مقدمته لكتاب ( حكمة الكلدانيين ) لمؤلفه الدكتور حسن فاضل جواد ، يقول :
ايعني هذا لا يحق لنا ان نرجع بأصولنا الى الماضي فنشخص جدودنا ونفخر بأسلافنا ونعتز بمواطننا الأصيلة ونمجد ارثنا الحضاري الخاص ؟ كلا ، والعكس هو المقصود . ويضيف في نفس المقدمة فيقول :
ويبقى واجبنا الدائم في البحث عن الأصالة والجذور لتعميقها واعطاء كل ذي حق حقه . وللكلدانيين اصالة وإبداع سجلهما التاريخ بكل حق .. ويستطرد في نفس المقدمة :
اما النقطة التي تتعلق بأصل الكلدانيين . فأقولها :
انا اعتز بانتمائي الكلدانــــــــــــي .
المرحوم الأب الدكتور يوسف حبي كان عضو المجمع العلمي العراقي ورئيس هيئة اللغة السريانية ،وعضو دائرة التراث العربي والأسلامي وعضو دائرة العلوم الأنسانية . تخصص في الفلسفة واللاهوت ثم حصل عام 1966 على الدكتوراه في القانون الكنسي من جامعة اللاتران بروما ودبلوم في وسائل الأعلام من جامعة بروديو ، ودبلوم في الأجتماعيات من معهد جيسك .
حاضر في جامعة الموصل من عامي 1975 و 1981 وعمل استاذاً في المعهد الشرقي بروما وعميداً لكلية الفلسفة واللاهوت في بغداد منذ عام 1991 م
كان عضواً في جمعية القانون الشرقي وعضو جمعية التراث العربي المسيحي والدراسات السريانية عام 1984 وعضواً مؤازراً في مجمعي اللغة العربية في الأردن وسوريا منذ عام 1980 وعضواً في الجمعية الدولية لتاريخ الطب في باريس ، وعضو الأتحاد الأدباء والكتاب في العراق ، وعضو الجمعية الفلسفية العراقية ، وعضو اتحاد المؤرخين العرب ونقابة الصحفيين في العراق ، وهو أحد مؤسسي مجلة بين النهرين ورئيس تحريرها .
يتقن اللغات العربية والسريانية والأيطالية والفرنسية والأنكليزية والألمانية واللاتينية ، وله مؤلفات في حضارة العراق وتاريخ كنيسة المشرق .. ...
إن استشهاد الأب الدكتور يوسف حبي بتلك الطريقة المؤلمة ، وترك مكانه شاغراً فمن العسير على غيره ان يشغله لما امتاز من خصال نادرة ، وعلم وفير ولما كان فيه من تواضع .
لقد كان يحتفظ بحبل المودة بين أقرانه وأصدقائه من كل الملل والنحل العراقية ، وكانت سليقته وعفويته في الأسترسال في اللاهوت والعلوم واللغات والمرويات التراثية والتاريخية وسعة ثقافته العامة ، كل هذه الخصال كانت تجتمع في انسان له شخصية فذة ويحبه الجميع اسمه : (( يوسف حبي )) .