موقع الناس http://al-nnas.com/
واقع الأقليات الدينيـة والقوميـــة في أقليم كردســتان
حبيب تومي / اوسلو
الثلاثاء 18 /4/ 2006
مقدمة
أقليم كردستان اليوم جزء حيوي من الوطن العراقي ، ويتميز بخصائص طبيعية
وجغرافية يغلب عليها التضاريس الجبلية وهي جزء من من القوس الجبلي المتكون من جبلي
طوروس وزاكروس ، ان هذه الطبيعة الجبلية سوف تلعب دوراً سياسياً مؤثراً في خريطة
العراق السياسية والأقتصادية والديمغرافية ، فهذه الطبيعة كانت سخية بنسيمها العليل
وجمالها الخلاب وخصوبة اراضيها وكثرة انهارها وجداولها ووفرة ينابيعها وغاباتها
الطبيعية ، وكانت فوق ذلك ملاذاً آمناً لابنائها ولمن يلجأ اليها من ابناء العراق ،
فكانت حصناً منيعاً عاصياً على الأعداء لاجتيازه أيام المظالم والمحن .
الثورة
الكردية
الحقيقة التي ينبغي ان نذكرها هي : ان تاريخ الشعب الكردي حافل بالثورات
، ولكننا في هذا المقال نشير الى الثورة الكردية التي قادها المرحوم الملا مصطفى
البرزاني في 11 ايلول 1961 حيث كانت بداياتها متواضعة وكانت بحوالي 5000 متطوع
مسلحين بالبنادق البسيطة . في الوقت الذي كان الجيش العراقي مجهز بأسلحة ثقيلة
وطيران عسكري وصواريخ ودبابات .
ومن باب ، ان المحن تشحذ الهمم ، فإن الأنتصارات العسكرية للقوات الحكومية في وقتها
، قد حفزت الهمم ومهدت السبيل لانخراط اعدادة كبيرة من المسلحين الأكراد في صفوف
الثورة ، فبعد فترة قصيرة بلغ عدد المقاتلين في صفوف الثورة الكردية حوالي 30000
مقاتل .
استمر البعث الذي استلم السلطة في 8 شباط 1963 في نفس النهج ، حيث استأنف القتال مع
الأكراد في 10 حزيران عام 1963 ، وواصل الأستمرار في المنهج نفسه حكومة عبد السلام
عارف بعد ان اطاحت حكومة البعث . وأخيراً في سنة 1968 حينما تسنم البعث ثانية
مقاليد الحكم ، تصرف بأسلوب آخر حول القضية الكردية ، فأصدر بيان 11 آذار ، لكن
منهج القضاء على الثورة الكردية بقي قائماً ، ولعل محاولة اغتيال الملا مصطفى
البرازاني في حاج عمران ، كان استمرار على منهجية القضاء على الثورة الكردية بأي
ثمن .
من ناحيتنا نحن المسيحيين من كلدان وسريان وآشور ، قدمنا تعضيداً مادياً ومعنوياً
للثورة ، لقد قدمنا الرجال ليقاتلوا في صفوف الثورة الكردية ، وسقط منهم كوكبة من
الشهداء في المعارك ، وقدمنا المواد الغذائية والأدوية وأطبائنا ضمدوا جروح
المقاتلين الأكراد ، وبسبب انخراطنا في صفوف الثورة الكردية كان نصيب عوائلنا
الأضطهاد والقمع والأهانة والتشريد ، إذ ان هذه العوائل كانت تحت سيطرة السلطات
الحكومية ، بعكس عوائل المقاتلين الأكراد والتي كانت محصنة في المناطق المحررة من
كردستان .
وفي هذا الصدد استطيع ان اضيف نقطة مهمة وهي ان مدننا وقرانا الكلدانية في سهل
نينوى وفي مقدمتها القوش ، بقينا الى جانب الثورة ، ولم نلجأ يوماً الى تجنيد
شبابنا في صفوف الفرسان ( الجتا ) ، في الوقت الذي كانت قطاعات كبيرة من الأكراد قد
انخرطت في صفوف هذه التنظيمات .
من هنا فإن : حقل الواجبات الذي كان علينا قد اديناه برجولة وشرف ، والتاريخ يشهد
على ذلك .
الأقليات
الدينية والعرقية في اقليم كردستان
خلال القرنين المنصرمين تشكلت ملامح وأفكار وحركات هوياتية وأفرزت
طموحات في الأستقلال وتحقيق الذات القومية .
ومسألة الأقليات في كردستان باعتقادي المتواضع ان حكومة اقليم كردستان لا يوجد ما
تخشاه في تعاملها الأنساني مع هذه الأقليات .
هناك من يعطي نسبة 8,6% عدد نفوس الأقليات القومية في كردستان ، ومن الأقليات
الدينية والقومية المعروفة في المنطقة : العرب والتركمان ومن المسيحيين بينهم
الآشوريين والسريان والأرمن والكلــدان ونلاحظ ان الدين الأسلامي يجمع بين الأكراد
والعرب والتركمان ، وهنالك الأقلية اليزيدية المنتشرون في قضار الشيخان وناحية
القوش وسنجار . ويغلب تواجد الأقلية العربية في المدن الرئيسية ويندر استيطانهم في
القرى الكردية البعيدة ، بينما تتمركز الأقلية التركمانية في المنطقة الممتدة من
كفري الى اربيل والموصل مروراً بكركوك ، اما الكلـدان والآشوريون والسريان ، وهم من
السكان الأصليين في المنطقة ، وينتشرون في القرى والأرياف شرقي دجلة وفي المناطق
الكردية المعروفة بمنطقة بهدينان . لقد كان هناك اقلية يهودية تستوطن القرى
المنتشرة بين مدن كركوك واربيل وزاخوا ، ولكن هذه الأقلية اندثرت بعد تأسيس الدولة
العبرية ، لقد هاجروا او هجّروا بعد ان كان العراق وطنهم لعشرات القرون من السنين .
اقليم
كردستان والمجتمع الدولي
اقليم كرستان العراق .. نستطيع ان نقول ان له كيان اقرب ما يكون الى
دولة مستقلة .
في الوضع الراهن يتميز أقليم كردستان بأنه منطقة مستقرة آمنة خلاف المناطق العراقية
المضطربة ، ويسود الأقليم منطق تطبيق النظام والقانون على الجميع ، وتزدهر التجارة
الحرة ، وتقطع خطوات مهمة في مجال الخدمات المدنية والعمران والتنمية ، بعد ان كان
التسلط والأهمال والحروب رابضة في كل قرية ومدينة كردية .
اليوم يتخبط المشهد العراقي في منزلقات وتحشدات طائفية ودينية ويغرق في برك من
الدماء الثأرية ، وتتجه الأنظار نحو كردستان ، ونلاحظ التفاني والأخلاص للعراق من
قبل رئيس الجمهورية العراقية الكردي جلال الطالباني ، ورئيس اقليم كردستان الأستاذ
مسعود البرزاني ، وغيرهم من الشخصيات الكردية العاملة في الساحة السياسية العراقية
، حيث يعمل هؤلاء جميعاً من اجل وقف نزيف الدم في الوطن العراقي .
من جهة اخرى نقول بصراحة ان اقليم كردستان بات ملاذاً آمناً للأقليات التي تتعرض
للأنتقام والتصفية لاسيما العوائل المسيحية التي ليس لها عمق عشائري كالذي تملكه
العوائل العربية ، فتضطر هذه العوائل الى الهجرة .
في هذا الباب نقول بثقة ان موقف الأكراد مشهود له وأنساني ولا مجال لنكرانه وفاقد
البصر والبصيرة فقط يتنكر لهذا الموقف المشرف .
المواقف
الرسمية من الأقليات
تحاول تركيا جاهدة الأنخراط في الأتحاد الأوروبي ، ويبقى العائق الرئيسي
في وجه تركيا هو موقفها السابق من الأقليات الدينية والعرقية وفي مقدمتها ما تعرض
له الأرمن والسريان والأقليات الأخرى من التنكيل والأبادة . كما ان اشكالية تعامل
الدولة التركية مع القضية الكردية حالياً تبقى حجر عثرة دائمة امام انضمام تركيا
الى الأتحاد الأوروبي ، وعليها معالجتها بمنطق حقوق الأنسان والتعامل الأنساني مع
الأقليات قبل السماح لتركيا الولوج في هذا المحفل الدولي الذي يحترم من جانبه حقوق
الأنسان ومنها حقوق الأقليات ، سواء كانت هذه الأقليات دينية او اثنية او لغوية او
مذهبية ...
تتملكني قناعة مفادها ان حكومة اقليم كردستان حكومة ديمقراطية ليبرالية علمانية ،
ويتمتع اهل الأقليم بالحريات السياسية والدينية والفكرية ، ومن هذا المنطلق لا يوجد
أمر تخشاه حكومة كردستان للأعتراف الصريح بالأقليات العراقية في هذا الأقليم من
العرب والكلدان والآشوريين والتركمان والسريان والأرمن ، ومن الناحية الدينية فثمة
المسيحيون واليزيدية .
إن اعتراف اقليم كردستان بهذا التنوع الجميل ، يضفي على هذا الأقليم معاني انسانية
، وتجعل منه كيان ديمقراطي يحترم التنوع الأثني والديني واللغوي والمذهبي ، وهذا ما
يعزز اسم ومكانة كردستان واسم الشعب الكردي في المحافل الدولية والأقليمية .
ان أقليم كردستان يزرع الأمل والطمأنينة في نفوس الأقليات التي تطمح الى العيش
بأمان واستقرار ومحبة مع التنوع الجميل في وطننا العراقي .