| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حبيب تومي

habibtomi@chello.no

 

 

 

 

الأثنين 18/12/ 2006

 

 

الأستاذ مسعود البارزاني واستراتيجية إقامة الدولة الكردية (5)

الحلقة الأخيرة
 


حبيب تومي / اوسلو

الأثنيات والدول
السؤال الأفتراضي للمرحوم ملا مصطفى البارزاني ما هي الأستراتيجية التي تضعها نصب عينيك لبلوغها للشعب الكردي ؟
الجواب الأفتراضي المتوقع : ان الأكراد كبقية شعوب العالم ، ومن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها ، ولهذا تكون الأستراتيجية المفترضة هي حجز مقعد للدولة الكردية على الخارطة السياسية الكونية . لكن لكل مقام مقال كما يقال ، فالهدف الأستراتيجي يسبقه خطوات تكتيكية مبرمجة .
أولاً : تحليل الوضع القائم والتعامل معه بما يتوفر من المعطيات وبإضافة عنصر الأرادة .
وثانياً : المبادرة وهي اهم خطوة لتفعيل عنصر الحراك بغية الأنطلاق نحو الخطوات التالية ، وهنا يتغير التكتيك بحسب الظروف الموضوعية .
إن قيام الدولة الكردية ليس أمراً مستحيلاً ، فالمشهد في القرن العشرين كان فيه تفتت الأمبراطوريات ، فأسفرت هذه الحقبة الزمنية عن ولادة دول عديدة بعد تنامي في المشاعر القومية ، فلجأت هذه الشعوب الى نبش سجلات الماضي لتكتشف تاريخها ولغتها وهويتها المطمورة تحت ركام السنين ، وعكفت لأحياء تراثها ، فألفت الكتب ، وكتبت الأشعار ولحنت الأناشيد الوطنية ورفعت على المباني اعلام متباينة لدول جديدة .
يبلغ عدد الدول المنضوية الى الأمم المتحدة اليوم 191 دولة والعدد مرشح للزيادة وليس الى النقصان ، ولكي يكون لنا تصور للخط البياني للزيادة فقد كان هنالك 32 دولة يوم إنشاء عصبة الأمم عام 1918م ، وبعد ان وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها ، اعيد تقسيم الأمبراطوريات : العثمانية ، النمساوية ، الهنكارية ، الروسية ، الجرمانية ، فاصبح عدد هذه الدول بعد الحرب 45 دولة ، ثم وصل عددها الى 60 دولة عام 1932 م ، ويقول جوزيف ياكوب في ( ما بعد الأقليات ) انه في اعقاب الحرب الكونية الثانية ، تضاعف عدد الدول الذي كان 51 دولة اثناء تأسيس الأمم المتحدة بينما برزت مائة دولة على مدى أربعين عاماً وذلك من عام 1945 الى 1985 جراء تطبيق مبدأ القوميات وحق الشعوب في تقرير المصير .. ومع زوال الأمبراطورية الأخيرة ( الأتحاد السوفياتي ) وتلاشي يوغسلافيا وتشتت تشيكوسلوفاكيا ، شوهدت الولادة المباغتة لأكثر من 20 دولة في غضون ثلاث سنوات ... وهناك دول مجهرية تشكل الآن جزءاً من جوقة الأمم المتحدة منها ساو تومي المستقلة عام 1975 وميكرونيزيا ( 125000 نسمة و1500كم مربع ) وإمارة أندرو( المساحة 453 كم مربع والسكان 51000 نسمة .. وأصغر دولة في العالم هي نورو ( 10000 نسمة و2 , 21 كم مربع ) ( 13 ) .

الدولة العراقية في العصور القديمة
الأنسان عبر مراحل تطوره اخترع الزراعة ، وينسب ديورانت في قصة الحضارة هذا الأختراع الى المرأة ، وربما يكون إغراء حواء لآدم بتفاحة رمز لأسبقية المرأة في استنبات الشجرة ، ومهما كان الأمر فإن الزراعة كانت ثورة حقيقية في وفرة انتاج الغذاء ، ونتج عن ذلك زيادة مضطردة في عدد السكان ، فتوسعت القرى ونشأت المدن فكانت الحاجة الى تأسيس سلطات وأنظمة سـياسية تتجاوز صلاحيات الأسرة والقرية والقبيلة الى مفهوم ما يعرف بدولة أو دويلة المدينة .
في فجر المجتمع البشري كان رب العائلة يشكل السلطة في تدبير شؤون العائلة ، في البداية كانت الأم في المجتمع الأمومي ثم هيمن الذكر على مقاليد الأمور في جمهورية العائلة ، ليغدو الأب الآمر الناهي الى يومنا هذا . نتخيل التطور المنطقي لتوسع العائلة لتتحول مع مرور الزمن الى قبيلة ، ويكون رئيس القبيلة من يمسك زمام السلطة بين يديه ، ومع توسع الأنتاج الزراعي كما قلنا تتمازج القبائل وتتوسع المجتمعات فتنشأ المدن .
فالأنسان هنا قد تحرر من مخاطر جمع القوت وتخلص من الحياة البهيمية وانتقل الى الحياة المجتمعية البشرية وهذا ما تهتم به الدراسات الأنثروبولوجية .
صحيح ان الأنسان تخلص من مخاطر الحيوانات المفترسة لكن برزت أمامه مخاطر أكثر قسوة وهي سيطرة وطغيان الأنسان لأخيه الأنسان ، وتحتم في المدن تكوين سلطة سياسية لأدارة المجتمع في المدينة ويكون عنف الدولة مشروع بغية تطبيق القانون على الجميع لحماية المواطن وضمان العدل والسلام المدني .
نشأت دويلات المدن في بلاد ما بين النهرين وعكفت على تدير السلطات السياسية وتنظم شؤون المدينة وترتب علاقاتها مع الدويلات ( المدن ) المجاورة .
لقد استطاع الملك العظيم حمورابي ( 1793 ـ 1750 ق .م ) ان يوحد هذه الدويلات ليؤسس دولة ثيوقراطية مترامية تسودها مركزية شديدة ، ومن أجل احقاق العدل واعتبار ان القانون هو منشأ السلام الأجتماعي ، وبتفويض من الآلهة سن تلك الشريعة المعروفة بشريعة حمورابي والتي يقول في مقدمتها :
أنا حمورابي الملك الذي اختارتني الآلهة
نيابة عنها لحكم البشر واسعادهم
ونشر العدل بين الناس
والقضاء على الشر والسوء
حتى لا يطغي القوي على الضعيف .
أنا حمورابي ملك الملوك ..
لقد عاشت الدولة العراقية قوية الى ان سقطت آخر دولة عراقية وهي الدولة الكلدانيــــة وذلك عام 539 ق . م .
في مطاوي القرن السابع الميلادي كانت الغلبة للجيش العربي الأسلامي الذي دخل العراق وأخذ بيده زمام السلطة السياسية . والمفهوم العربي للسلطة السياسية تعود جذوره الى منظور سلطة القبيلة ، ومن هنا لا يمكن الجزم ان للعرب كان لهم الأعتراف او الخضوع لسلطان الدولة بالمنظور المعاصر للدولة ، ويقول الدكتور محمد جابر الأنصاري : إذا اخذنا في الأعتبار ان الدولة هي ( مدرسة السياسة ) ومحور فعالياتها ... فإنه يتضح ان خبرة العرب التاريخية في ( مدرسة السياسة ) خبرة متقطعة ومضطربة وقلقة في اقل تقدير ... ومن المؤشرات الدالة على ذلك مصطلح الدولة في المفهوم العربي يعني الغلبة المؤقتة والسلطة الدائلة من دال ـ يدول دولة بعكس المفهوم الأجنبي الأستاتيكي الثابت للدولة من State – Static – Statique فالدولة عند العرب هي السلطة المؤقتة الدائلة . اما مفهوم الدولة من حيث هي مؤسسة كيانية شاملة فلا يعرفها العرب إلا من تجارب الأمم الأجنبية الأخرى المحيطة بها والتي اسموها ( ممالك ) الأعاجم ( 14) .
إن نظرة العرب الى مفهوم الدولة الحديثة أبقاها غائبة وبعيدة عن التاسيس في العالم العربي ، وفي هذا السياق تكون الى ما قبل الحرب العالمية الأولى لم تكن هناك سوى دولة عربية واحدة وهي دولة مصر التي انشأها محمد علي والتي يعود تاريخها الى حوالي قرنين من الزمن ، وبعض الدول العربية كما هو معروف لم يمض على إنشائها إلا حوالي ربع قرن .

سؤال يتكرر : لماذا لم تنشأ الدولة الكردية المركزية ؟
هذا السؤال مطروح باستمرارية وإلحاح ونحاول استقراء بعض الأراء لمفكرين أكراد ومنهم من له باع طويل في هذه الدراسات ، ولكن نحن نميل الى الأختصار بما ينسجم مع هذا المقال .
من البديهي عن هذا الأمر قبل كل شئ منوط بالظروف الجيوسياسية مع تداخل العوامل الأجتماعية والأقتصادية والدينية .
الدكتور جواد علي في مفصل تاريخه العربي يحمل الدولة العربية عبء الجغرافيا ، ويقول ان البراري حالت بين العرب وبين تكوين المجتمعات الكثيفة وعرقلت الأتصالات بين المستوطنات الحضرية .. إن هذه المعادلة قريبة من الجغرافية الكردية المعروفة بطبيعة جبالها ووعورة تضاريسها ويقول بيشيكي ، ( كردستان مستعمرة دولية 290 ) وقد حال الوضع الجغرافي لكردستان دون تكوين سلطة مركزية . وإنما شجعت طوبوغرافية الأراضي بجبالها الشاهقة ووديانها العميقـة وأنهارها سـريعة الجريان وعدم كفاية الطرق على إنشاء هياكل جهوية ومسـتقلة ..
ويتناول الدكتور خليل جندي ( حركة التحرر ..39 ـ 40 ) هذه المسالة بشئ من التفصيل ويعزو عدم قيام دولة كردية مركزية في المنطقة الى جملة اسباب ونلخصها :
ــ السيطرة الأجنبية على ارض كردستان وقهر شعبها .
ــ وهو يشير ايضاً الى العامل الجغرافي المتمثل في طوبوغرافية طبيعة كردســتان الجبلية الوعـرة .
ــ اعتمادها على الأمطار في زراعتها وعدم وجود انهار تنشأ على ضفافها الحضارات كما في دلتا النيل ووادي الرافدين .
ــ التركيب القبلي للسكان وانعزالها عن بعضها والأكتفاء بإدارتها المحدودة دون الحاجة لتكون دولة مركزية .
ــ عدم وجود طرق سهلة لعبور القوافل التجارية او انهار كبيرة صالحة للملاحة او موانئ بحرية كل ذلك حال دون تطور علاقات تجارية واسعة والتي بدورها تعكس الحاجة لقيام الدولة .
ــ لقد ساعدت الطبيعة الجبلية الى صد الأعداء ولهذا لم تكن المنطقة بحاجة ماسة لتكوين جيش جرار وسلطة مركزية تتولى مهام الدفاع .
ــ تقسيم كردستان بين الأمبراطوريتين العثمانية والفارسية وذلك عام 1514 بعد هزيمة القوات الصفوية أما القوات العثمانية .
ــ هناك العامل الديني حيث بعد دخول الشعب الكردي الدين الأسلامي انقاد الى الخلافة وأخذ ينسى بعض ذاتيته ولغته ، وحين انبعاث بعض الحركات القومية بالظهور ، تشبث بعض الضباط الأكراد بالخلافة الأسلامية فلم تحركهم الأفكار القومية .
نعم كان هناك اسباب كثيرة لم تساعد على إنشاء الدولة الكردية المركزية وبعض هذه الأسباب أقليمية ودولية تقررها القوى النافذة ، وأخرى كانت اسباب ذاتية متعلقة بالشعب الكردي نفسه .
إن إقامة الدولة الكردية على الأرض الكردية الموزعة على المنطقة تبدو صعبة المنال قياساً بقيام هذه الدولة على جزء من هذه الأرض .

أقليم كردستان العراق
إن أقليم كردستان العراق يحمل في طياته ملامح الدولة المستقلة ولو إنها غير معلنة .
إن الأحداث التي مرت على العراق ساهمت في نمو نزعة الأنفصال وإن الحكم الذاتي يعتبر مرحلة او جرعة من الأستقلالية وتعزيز الشخصية الكيانية . وهكذا نرى اليوم أقليم كردستان الذي تربطه مع الدولة العراقية بعلاقة الفيدرالية ، له شخصية دولة غير معلنة ، ولو أجرينا مقارنة بين أقليم كردستان ودولة لبنان المستقلة مثلاً ، نرى ان الأخيرة غالباً ما تنتهك سيادتها دون إرادتها ، فقد وضعت البلاد ( لبنان ) في حرب مع دولة اجنبية هي اسرائيل لم يكن للدولة اللبنانية قرار في هذه الحرب لكن ترتب عليها تحمل نتائجها ، في حين كان طرف هذه الحرب هو حزب الله اللبناني وهو يعترف انه حزب سياسي يعمل في الساحة اللبنانية ، ولكن هذا الحزب له مؤسساته ومقاتليه وسلاحه وهذه جميعاً لا تخضع للدولة اللبنانية .
إن جمع الكيانات الكردية المقسمة بين دول المنطقة وصبها في بودقة سياسية واحدة لأعلان الدولة الكردية إنه موضوع سابق لأوانه لبحثه والتحدث عنه ولكن كما تكهن كراهام فولر في : العراق في العقد المقبل ، بأنه يمكن للمرء أن يتصور " كردستان مستقلة " في ظل ترتيبات فيدرالية او كونفدرالية مع العراق او ايران او تركيا ، او مع البلدان الثلاثة في آن واحد ، لكن نجاح ترتيبات كهذه يستلزم ان يكون قد تم التوصل اليها بطريقة حرة ، وان يكون قد تم التفاوض بشأنها على اساس من المساواة ، فالمثال الذي تحتذيه المبادئ القومية الحديثة لا يقبل بأقل من ذلك ( 15 ) .
في خضم نتائج الحرب العالمية الأولى كان الأكراد قاب قوسين او ادنى في تحقيق امنيتهم بإقامة دولة كردستان حيث اعترفت معاهدة سيفر سنة 1920 بأرمينيا وكردستان كدولتين مستقلتين وكانت بريطانيا وتركيا قد وقعتا عليها ، لكن بنود هذه المعاهدة ابطلتها بريطانيا بموجب معاهدة لوزان عام 1933 وبذلك يكون مصير الدولة الكردية مرة أخرى قد طواه الضياع بسبب مصالح الأمم الكبيرة .
ان القرن الواحد والعشرين ينبغي ان يكون اكثر انفتاحاً للتطلعات القومية وألأثنية بشكل عام .
وهذا ما يؤكده الواقع ، فالرئيس السوداني عمر البشير يقول في مؤتمر صحفي عبر الأقمار الصناعية حسب جريدة الشرق الأوسط في 27 / 11 / 2006 :
ان الحكومة السودانية ستبذل ما بوسعها للوحدة بين الشمال والجنوب لكنه عاد وقال :
إذا قرر شعب الجنوب الأنفصال في استفتاء تقرير المصير ( فإن اول جهة ستعترف به هي حكومة السودان ، وستشارك في احتفالاتها ، وإن التداخل والتواصل لن ينقطع بقيام دولة الجنوب ) .
صحيح ثمة نزعة كردية للأنفصال من دولها والتوحيد في كيان كردي مستقل ، فالعالم في هذا الوقت بات معتاداً ان يرى القوميات الناشئة وهي تخلق حركات انفصالية في مختلف مناطق العالم والشعب الكردي قد يخوض هذه التجربة مع ايران ولعل المارد الكردي في تركيا ينبعث من قمقمه في يوم ما ، لكن يبقى هذا الأحتمال غير قائم على الأقل على نطاق المستقبل المنظور .
إن النزعة الأنفصالية للشارع الكردي بنظري تتحفظ عليه القيادة الكردية لاسيما ألأستاذ مسعود البارزاني رئيس أقليم كردسان ، والذي يكرر القول ان الأكراد شركاء في اتخاذ القرارات في بغداد ، وإنه يترجم هذه الأقوال الى افعال بمبادراته العديدة لتقريب وجهات النظر وتوحيد الصفوف العراقية وإخراج العراق من المأزق السياسي والعنف الدموي . وكذلك الأستاذ جلال الطالباني الذي يقول في مؤتمر الحوار العربي الكردي عام 1998 في القاهرة :
كما ان الأحزاب الكردستانية الأساسية والجادة لم تحمل يوماً شعار الأنفصال عن العراق بل نادت على العكس دائماً بالأتحاد الأختياري والوحدة الوطنية، وعبرت باستمرار عن قناعتها بأن حفظ وتعزيز الوحدة العراقية يتطلبان الأرادة الحرة والديمقراطية وتوفير حقوق الأنسان وإيجاد المساواة الحقيقية في الحقوق السياسية والأقتصادية والثقافية والأدارية وغيرها .. وتم اختيار الفيدرالية كأحسن وأصوب حل للعلاقة مع الحكومات المركزية .

الواقعية في الأستراتيجية
نحن نعيش عصر الأقليات ومبادئ حقوق الأنسان وتقرير المصير ، ومن هذا المنظور فإن تكوين دولة كردية لم يعد تلك الخطيئة المميتة والتي ما لبثت تؤرق الآخرين وتقضي مضاجعهم فكان عليهم وأد الوليد وهو في المهد .
وفق هذه المعطيات يكون امام قيادة الأقليم ورئيسه الأستاذ مسعود البارزاني من أجل دولنة الأقليم جملة من الأمور والحقائق لابد من وضعها في الميزان لكي تكون جميع الخطوات مفعمة بالدراسة والتمحيص .
1 ـ ان حرق المراحل او تثوير العلاقات ليس في صالح أقليم كردستان فجميع الخطوات ينبغي ان تكون مدروسة ووضع في الأعتبار الحساسيات الموروثة تاريخياً في دول الجوار إزاء المسألة الكردية .
2 ـ هنالك مسألة مهمة وهي انخراط الأستاذ جلال الطالباني والأستاذ مسعود البارزاني وقيامهما بالدور المهم في تعزيز لحمة العراق بمقولة الفيدرالية لكردستان والديمقراطية للعراق ، وقيامهما بعمل محوري في هذا الشأن .
3 ـ اهمية الأقتصاد الحر وحرية التجارة ، ولكن مع هذا الأنفتاح ينبغي ان تسود ضوابط وتوجهات عامة للحفاظ على الأقتصاد ، ومحاربة التضخم ، والحفاظ على مستوى معقول لدخل الفرد ، والمحافظة على السيطرة النوعية تحت رقابة لجان حكومية متخصصة بغية حماية المواطن من استغلال التجار .
4 ـ السعي الى اجتذاب الأستثمارات الأجنبية من خلال سن قوانين مشجعة ومغرية للمستثمرين العرب والأجانب مع اختصار الروتين الواجب على مثل هذه الأستثمارات ، إن فرضية الأكتفاء الذاتي وتقوقع البلد في شرنقة إمكانيته الذاتية ، قد فشل وهي فرضية تؤول الى الجمود وتوقف عجلة التطور في البلد بعيداً عن الركب الحضاري والعلمي للمجتمع البشري .
5 ـ الأمن والأستقرار في مناطق أقليم كردستان يعدان العمود الفقري الذي يسند كيان الدولة الكردية وأية دولة أخرى ، وفقدان الأمان والأستقرار يعني انحدار الدولة الى اللادولة إن صح التعبير .
6 ـ علمنة ودمقرطة الدولة هو الوجه المعاصر للدولة الحديثة ، وفي الدولة العلمانية الديمقراطية تزدهر الأديان والمذاهب والثقافات واللغات والأقليات وحقوق المرأة ، والتي تفسح المجال لجميع التنوعات بالمساهمة بعملية التطور والبناء .
7 ـ قطع دابر التطرف والأرهاب والذي يحاول زعزعة البناء الأجتماعي وتمزيقه وبث روح الكراهية والبغضاء وزرع العنف بين المكونات المجتمعية المتنوعة ، إن اقليم كردستان ملامس جغرافياً للأوضاع المأساوية التي تجري فصولها على أرض العراق ، ولهذا فإن نعيم الأمان والأستقرار قد يكون مهدداً في هذه البقعة إن لم يكون ثمة اجراءات امنية صارمة .
8 ـ توظيف الدبلوماسية والحوار الصريح حول مدينة كركوك مع الأخذ بنظر الأعتبار واقعها التاريخي وتكوينها المجتمعي والأنطلاق من عقلية انسجام وتآخي بين مكونات هذه المدينة .
9 ـ إن المراقب لسير المحادثات بين حكومة أقليم كردستان والحكومة المركزية بشأن حصة الأقليم من الميزانية العراقية ومسألة استثمار النفط في مناطق القليم ، يلمس بان هناك دبلوماسية هادئة وثقة متبادلة تسود المحادثات . إنه لدليل ان كل المشاكل العراقية المستعصية يمكن حلها ، إذا ما ساد منطق الحوار ووضعت مصلحة الشعب العراقي فوق المصالح الذاتية للأشخاص والأحزاب .
10 ـ أزعم هنالك تعاطف عربي ودولي مع القضية الكردية وهذا ناجم عن انتشار الوعي بمقولة حق الشعب في تقرير مصيرها وبتقديري ان الشعوب العربية اليوم اصبحت أكثر تفهماً لتطلعات الأقليات المبثوثة في الجغرافية العربية سواء منها الأقليات القومية والى حد ما الأقليات الدينية .
واليوم اقليم كردستان يرتبط بعلاقات تجارية وسياسية مع دول عربية وينبغي على هذه الأواصر ان تتسع وتتطور ، وهذا السياق يكون في مصلحة كردستان .
11 ـ ينتشر الأكراد في شتى أرجاء المعمورة ، ولهم اعداد مهمة في الدول الأوروبية ، وهم يعملون بصدق وإخلاص سفراء لبلادهم في هذه البلدان ، إنهم يكسبون عملة صعبة يحولها لذويهم ويستثمرون منها في مشاريع مفيدة ، كما انهم يعكسون في هذه البلدان مثابرة الأنسان الكردي ومحبته للعمل وتمسكه بالقوانين واحترامه وتقبله لثقافة الآخر دون تعصب . وهم يؤدون دوراً مهماً في تعريف الآخر بالشعب الكردي وبكردستان .
12 ـ لا أجانب الحقيقة إذا زعمت أن وشائج رابطة الدم والقرابة والقبيلة والمنطقة تتبوأ مكانة الصدارة من الأهتمام الفردي والأجتماعي ويجابهنا في هذه المجتمعات ضعف رابطة الدولة ، ولا شك ان الشعب الكردي يمثل نموذجاً لهذه المجتمعات ، ولهذا يجب ان تؤخذ هذه الظاهرة في الحسبان ، فالدولة الكردية ينبغي أن تتأسس على ركائز قوية من سيادة القانون ، فالقانون في الدول المتقدمة هو السيف المسلط على رقاب الجميع دون تمييز ، ولا أحد فوق القانون ، فالدولة من حقها احتكار القوة والسلاح لحفظ النظام الداخلي والدفاع عن سيادتها في وجه العدوان الخارجي .
13 ـ الصحافة وما تمثله من حرية الرأي والتعبير ، وهي عامل مهم في الرقابة على اجهزة الحكومة والأحزاب وتقييم او انتقاد أدائها .
14 ـ البيشمركة تمثل معادلة النجاح في تحويل بندقيتها المقاتلة الى لغة سياسية تحفظ الأمن والأستقرار في ربوع كردستان .
15 ـ في دول العالم الثالث يعتبر شأن الأقليات من المعضلات المستعصية ، لكن نستطيع ان نقول ان كردستان بتوجهها العلماني قد وضعت حلولاً مرضية لمسألة الأقليات .
16 ـ العلاقات الدولية ، إنه أمر حيوي لربط كردستان في شبكة من العلاقات الدولية ، وفي المقدمة تأتي دول الجوار والدول الأوروبية والولايات المتحدة ، ويأتي العامل الأقتصادي كحافز جذاب لدول الجوار ، ثم ينبغي ان تكون العلاقات مع الولايات المتحدة تمثل حجر الزاوية لعلاقات كردستان مع المجتمع الدولي .
17 ـ في عالم السياسة لا يوجد علاقات صداقة او عداوة ثابتة إنما هناك علاقات مصالح ثابتة ، وعليه يجب ان يكون الشعب الكردي هو الأساس الذي يعول عليه في إقامة مشروع للدولة الكردية الحديثة ، فالدولة الحليفة اليوم ، يمكن ان تصبح غير حليفة غداً ، لكن الشعب يبقى ثابتاً على مبادئه وتطلعاته .
18 ـ الدولة الكردية او اية دولة اخرى معنية بجمع النقائض الأجتماعية والدينية والأثنية والعشائرية والتقريب بين هذه المكونات وتوظيفها في إطار وطني عام شامل وهو إطار الدولة والتي ينبغي على الجميع الأقرار بوجودها وحتميتها وسمو مكانتها ، باعتبارها القاسم المشترك للتكوينات المختلفة .
19 ـ الدولة الحديثة معنية بتطبيق الأفكار الليبرالية والمبادئ الديمقراطية ، وهي نتاج العبقرية البشرية عبر الدهور وتتوازى مع منجزات الأنسان التكنولوجية عبر هذه العصور والتي تطورت من العصور الحجرية الى عصر الفضاء والأنترنيت .
وبعد هذه الطروحات هل يمثل الأستاذ مسعود البارزاني الشخصية الكارزمية التي يعول عليها في إقامة الدولة الكردية ، لا سيما ونحن نخطو في اعتاب القرن الواحد والعشرين ؟
في الختام لابد من القول والأعتراف بأن الدولة الكردية المستقلة آتية بلا ريب .


المصادر
1 ـ باسيلي نيكيتين : الكرد دراسة سيولوجية وتاريخية ، تقديم لويس ماسينيون ، نقله من الفرنسية وعلق عليه الدكتور نوري طالباني ، دار الساقي ط2 سنة 2001 بيروت
2 ـ الأستاذ محمود فهمي درويش والدكتورين مصطفى جواد واحمد سوسة : دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960
3 ـ د. هوستن سميث : أديان العالم ، تعريب سعد رستم ، حلب 2005
4 ـ إعداد الدكتور زهير عبد الملك : الأكراد وبلادهم كردستان بين سؤال وجواب ، السويد سنة 1999
5 ـ الدكتور عثمان علي : دراسات في الحركة الكوردية المعاصرة ، تقديم الأستاذ الدكتور محمد هماوندي ، أربيل عام 2002 م .
6 ـ سعد سعدي : معجم الشرق الأوسط ، فكرة د . وليد هندو ، مراجعة الأب الياس الخوري ، ومي زيادة العاقوري ، دار الجيل بيروت 1998 م
7 ـ د . عبد الرحمن قاسملو : كردستان أيران ، ترجمة غزال يشيل أوغلو ، دمشق 1999
8 ـ جواد ملا : كردستان والكرد وطن مقسم وأمة بلا دولة ، تقديم : د . جمال نبز ، دار الحكمة لندن ط2 سنة 2000 م .
9 ـ الدكتور خليل جندي : حركة التحرر الوطني الكردستاني في كردستان الجنوبي ( 1939 ـ 1968 ) ، ستوكهولم 1994
10ـ موسى السيد علي : القضية الكردية في العراق من الأستنزاف الى تهديد الجغرافيا السياسية ، مركز الأمارات للدراسات الأستراتيجية ، الأمارت سنة 2001
11 ـ نص مشروع دستور اقليم كوردستان – العراق : الديباجة .
12 ـ اسماعيل بيشيكجي : كردستان مستعمرة دولية ، ترجمة زهير عبد الملك ص316 السويد 1998 م .
13 ـ جوزيف ياكوب : ما بعد الأقليات بديل عن تكاثر الدول ، ترجمة حسين عمر ص113 المركز الثقافي العربي ، الدار البضاء المغرب 2004 م
14 ـ د . محمد جابر الأنصاري : التأزم السياسي عند العرب وموقف الأسلام ، ص181 المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 1995
15 ـ جراهام فولر : دراسات عالمية ، العراق في العقد المقبل ، ص41 مركز الأمارات للدراسات والبحوث الأستراتيجية / ابو ظبي .
 

¤ الحلقة الرابعة

¤ الحلقة الثالثة

¤ الحلقة الثانية

¤ الحلقة الأولى