| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حبيب تومي

habibtomi@chello.no

tomihabib@hotmail.com

 

 

 

الثلاثاء 11/11/ 2008



هل نقول وداعاً لشعار هه ر بجي كورد وعرب رمز النضال ؟

حبيب تومي / اوسلو

كان شعب العراق بجنوبه وشماله ووسطه ، تصدح حناجره بصوت هادر واحد يقول :
هَر بجي كورد وعرب رمز النضال
من تهب انسام عذبة من الشمال على ضفاف الهور تتفتح الكَلوب
لو عزف عَ الناي راعي بالشمال عَ الربابة يجاوبه راعي الجنوب
كان هذا النشيد يلهب العواطف ويرفع الهمم لتعزيز الوحدة الوطنية التي كان قطبيها تتمثل في العرب والأكراد وباقي المكونات الدينية والقومية في الوطن العراقي .
كان التيار العربي القومي لا يسعده سماع هذا النشيد ، وكان هذا التيار طاغياً على المشاعر بين فئات كبيرة من الضباط العرب في الجيش العراقي ، وبمرور الوقت كانت الغلبة لهؤلاء الضباط ليتبوأوا مقاليد الأمور والسياسة في حكومات عراقية متعاقبة تستحوذ على زمام الحكم عن طريق الأنقلابات العسكرية .
كانت هذه الحكومات عاجزة عن حل المسألة الكردية لسبب بسيط واحد وهو انها لا تؤمن بالديمقراطية في حل المسائل التي تخص المكونات العراقية ، وفي الحقيقة لا يمكن لهذه الحكومات ان تؤمن بالحل الديمقراطي للمسألة الكردية وذلك عن طريق الأجابة عن السؤال الذي يقول : كيف يمكن لحكومة ان تؤمن بالحل الديمقراطي في حين هي نفسها ، تربعت على سدة الحكم عن طريق الأنقلاب العسكري ؟
وهكذا بقي العراق والمنطقة الكردية بشكل خاص ساحة مفتوحة للمعارك واستخدام السلاح بشتى صنوفه والتهميش والأهمال ومن ثم فرض الحصار الأقتصادي . دأبت هذه الحالة الأستثنائية تتواتر على مدى عقود كانت عسيرة على الشعب العراقي بكل تكويناته من العرب والأكراد وكل مكونات الشعب العراقي الدينية والعرقية : من الكلدانيين والسريان والآشوريين والتركمان واليزيدية والصابئة والشبك والأرمن ..
في بيان 11 آذار 1970 اعتبرنا ذلك نقطة فاصلة في تاريخ الصراع العربي الكردي إن صح القول ، فما كان قد عرض من الحقوق للاكراد كان فوق التصور لمن كان يرصد المشهد العراقي ، وكان للمرحوم الملا مصطفى البارزاني تجارب مريرة مع الحكومات المتعاقبة ، لكن مع تسارع الأحداث قبل بالأمر الواقع ، وله قول مأثور في حينها يقول :
سوف ننتظر ونرى ما يأتي به الغد .
نعم ، كان الغد عسيراً والذي كان قريباً لناظره ، وفي هذا الصدد نقرأ بمذكرات حردان التكريتي * وهو احد الضباط المرموقين يوم انقلاب 17 تموز والذي اغتيل فيما بعد بالكويت : وأجاب على سؤال :
كيف ترى بيان 11 آذار ؟
جواب : - في الواقع ان الاكراد استطاعوا بصمودهم البطولي خلال قرن كامل أن يركعوا الحكم الى درجة بتنا نخشى أن يؤدي استمرار الحرب الى سقوط بغداد بأيدي الملا مصطفى البرزاني . . وبعد أن قمنا بمحاولة أخيرة للقضاء على المقاومة قبل 11 آذار بشهرين فقط ، وفشلنا فيها قررنا إجراء مفاوضات مع الملا ، لأنهاء القتال لأن ذلك كان سيعطينا فرصة طويلة للبقاء في الحكم .
ويضيف :
وكان القصد من المفاوضات اعطاء الملا كل التنازلات التي يريدها , في محاولة لاحتوائه أو انقلاب عسكري ضده , ولكنه كان اقوى , واذكى وأكثر تمرسا بأساليب السياسية والعسكرية , ولذلك فقد اشترط في بند سري من بنود البيان بقاء (( 25 )) الف جندي من جنود "البيش مركه" تحت السلاح .
ويستطرد : ينبغي القيام باغتياله عند اللزوم ، فالحزب لا يمكن أن يطبق بيان 11 آذار بكامل بنوده لأن ذلك يعني اعطاء أضخم حقول البترول العراقية للأكراد ، وهو حقل كركوك ، وذلك يعني إفلاس الحكومة تقريبا
من هنا ، فقد قرر الحزب القيام باحدى الخطتين : -

1- أما اعلان الغاء اتفاقية آذار ضمن حملة عسكرية ضخمة تقوم بها القوات العراقية , وانهاء قضية الحكومة اللامركزية التي يطالب بها الملا .

2- أو القيام بتوطين عائلات عربية في المناطق الكردية قبل اجراء احصاء عام فيها ، الأمر الذي سيمكن الحزب من بقاء سيطرته قانونيا في تلك المناطق . وللحقيقة فان حكمنا لم يكن مخلصا للاكراد في اي يوم ولن يستطيع ان يصبح مخلصا لهم في المستقبل اطلاقا . . وسيكتشف الاكراد ذلك ان لم يكن قد اكتشفوه فعلا .
في الحقيقة إن هذه الحالة كانت سائدة في كل مراحل الصراع حيث تلجأ الحكومة الى طريق المفاوضات ريثما يشتد ويقوي عودها ، وتحشد قواتها فتبادر بالهجوم على المنطقة ، إن هذا السيناريو كان دائم التكرار في تاريخ العراق الحديث .
اليوم ونحن نتكئ على عكازة الديمقراطية نحاول تبرير وإسباغ الشرعية على كل الممارسات المجحفة بحق الأقليات العرقية ، ففي البرلمان تسلب حقوق الأقليات الدينية والأثنية تحت ذريعة تصويت البرلمان الذي تسيره احزاب دينية طائفية وقومية متشددة وهذا نلمسه في الكتل البرلمانية التي صوتت على تقزيم وسلب حقوق الأقليات العراقية الأصيلة وكما صرح الأستاذ ابلحد افرام ساوا عضو البرلمان العراقي ويذكر ان الكتل البرلمانية التي صوتت ضد مصالح الأقليات كانت :
جبهة التوافق العراقية ( بكل مكوناتها ) والقائمة العراقية الوطنية وقائمة الحوار الوطني والأئتلاف العراقي الشيعي ( المجلس الأعلى الأسلامي ، منظمة بدر ، مستقلين ، حزب الفضيلة ) ، وإضافة الى الأتحاد الأسلامي الكردستاني . وهذا موقف يدعو للاسف لقيام هذه الكتل الكبيرة بتهميش حقوق مكونات صغيرة اصيلة في الوطن العراقي .
وصوت الى جانب الأقليات كل من التحالف الكردستاني والكتلة الصدرية والحزب الشيوعي العراقي .
إن هذه الحالة تقودنا الى جانب آخر من التطورات :
إن استقراء جوانب ما يحدث على الأرض في الموصل حيث لجأت الحكومة الى نقل الفرقة الثانية ( ذات الأغلبية من الاكراد ) من الجيش العراقي من مدينة الموصل الى البصرة ، والأتيان بمحلها الفرقة الثالثة التي يشيع عنها إنها شيعية ، وقبل التطرق الى الأستنتاج المطلوب للآحداث ـ المرء يتأسف لهذه الصيغة الطائفية في تكوين الجيش العراقي ـ وبعد ذلك نأتي الى مربط الفرس ، ونتساءل :
هل استخدم المسيحيون كبش الفداء للاطاحة بالفرقة الثانية ونقلها الى البصرة ؟
لقد تأخرت الحكومة عن نجدة المسيحيين إلا بعد ان قامت ضجة اعلامية خارجية ومحلية ، فلجأت الحكومة الى اتخاذ الأجراءات الضرورية . وأتاحت لتساؤلات كثيرة لكي تضع الأكراد والبيشمركة في دائرة الأتهام عن دورهم في تشريد العوائل المسيحية من هذه المدينة .
هل كانت الغاية تفريغ الموصل من القوات الكردية واستخدم المسيحيون كذريعة لتحقيق تلك الغاية ؟
إنه بحق نفس المشهد يتكرر بخلق ذريعة لضرب الأكراد ، او بالأحرى ضرب عصفورين بحجر واحد .
لكن من المؤكد ان اليوم يختلف الأمر ، فالأمر يجري بهدوء ودون ضجة الى تقليص نفوذ الأكراد إن كان في بعض المدن الكردية او في مناطق اخرى ، إن هذه الحالة تؤدي الى تأزيم العلاقة بين المكونين الرئيسيين في العراق ، العرب والأكراد ، وتأجيج الصراع القومي من جديد على ارض العراق الذي يعاني اصلاً من صراعات دينية ومذهبية ، لا يدخل اصلاً في مصلحة العراق . لابد من البحث المشترك عن صيغة تعايشية بعقلية ديموقراطية ، بمنأى عن الحسابات العسكرية والتآمرية والأنتقامية وعلى خلفية أحقاد تاريخية سابقة .
إنها دعوة للنظر بعيداً ومعرفة اين تكمن مصلحة الوطن العراقي ؟
والى نسيان الماضي الكئيب والنظر الى كل المعضلات القائمة بنظرة بعيدة تضع مصلحة الوطن العراقي قبل المصالح الحزبية والدينية والطائفية والقومية ، فلا نريد ان ندفن نشيد هَر بجي كورد وعرب رمز النضال تحت الأنقاض مرة أخرى . فيعود العراق الى بلد الصراعات بدلاً من بلد الحضارات .


*
المذكرات كانت منشورة في موقع الناس وهي الأن منشورة في موقع عقلاني . كوم .
 


 

free web counter