نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

 

 

 

 

الثلاثاء 7/2/ 2006

 

 

 

الدم العراقي المهدور في شباط الأسود ..!

 

هادي فريد التكريتي

ثلاثة مناسبات حزينة ، اجتمعت على الشعب العراقي ، في شهره هذا ، شباط الأسود ، أولاها ، أقدمها وأقدسها وأكثرها حرمة ومأساوية ، هي ثورة الشهيد الحسين ، على سلطة مغتصبة وجائرة ، مورست في قمعها قوة مفرطة بالوحشية ، لم يسلم منها حتى الطفل الرضيع ، في ظروف غير مواتية ، ودون تناسب في القوى ، فخلدها التاريخ منذ 1400 لأنها طرحت قيما سامية أمام المقهورين ، في مقاومة الظلم وسلطة البغي ، خارج إطار العدد والكم ، فعاشت في فكر وقلوب المغلوبين والمقهورين ، وظلت معاني وقيم هذه الثورة العظيمة بدلالتها ، المريرة والقاسية بنتائجها ، لا تمد بتجربتها العراقيين فقط ، بل أصبحت ملكا لكل من اكتوى بعسف سلطة الدين المطلقة ، وجور سلاطين الدين والمتاجرين به وفيه .

المأساة الثانية في هذا الشهر ، في الرابع عشر من شباط عام 1949 حين أقدمت السلطة الملكية العميلة للإنكليز ، على إعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي ، فهد وحازم وصارم ، انتقاما منهم للنجاحات التي حققها الحزب ، في توحيد الحركة الوطنية العراقية ، التي هيأة ظروفا وطنية ملائمة ، لنجاح وثبة كانون الثاني الوطنية ، في العام 1948 ، حيث أسقطت معاهدة بورت سموث الخيانية ، التي ضمنت حقوقا إضافية ومطلقة للإنكليز ، والتصرف بالشأن العراقي ، أرضا وشعبا ، وارتهان اقتصاد البلاد ، وخصوصا النفط ، تحت إدارة ونهب الشركات النفطية البريطانية لأجيال قادمة . حاول النظام الملكي العميل ، وحكام خونة من أمثال نوري السعيد وصالح جبر ، فرض هذه المعاهدة على الشعب العراقي بديلا عن معاهدة 1930 الجائرة ، إلا أن وثبة كانون الثاني ، أفشلت مسعى الحكام الخونة ، وألغت المعاهدة ، معمدة بدماء الكثير من شهداء الشعب العراقي ، فنتيجة لحقد هذا النظام ، على الحركة ! الوطنية العراقية ، وبالذات على الحزب الشيوعي العراقي أقدم على إعدام قادته .

والمناسبة الثالثة ، جريمة كبرى ، حزينة وقاسية ، تحل بالشعب العراقي في هذا الشهر ، يسجلها التاريخ العراقي المعاصر في 8 شباط من العام 1963 ، بحق خونة من القوميين العرب والبعثيين ، متواطئين مع شركات النفط ، والمخابرات الأمريكية ، على إسقاط ثورة 14 تموز ، كان نتيجتها التأسيس لحكم قومي ـ فاشي ، وسقوط آلاف الضحايا من شهداء الشعب العراقي ، نساء ورجالا ، في شوارع المدن والحواري الشعبية المقاومة للمؤامرة ، ولم تخلُ السجون من الضحايا الشهداء . لم يفرق القتلة بين شخص وآخر ، فكل أبناء الشعب هم مشروع قتل طالما لم يكونوا متآمرين منهم ، ظل العراق شهور عدة ، وهو يعيش في مأتم كبير وحزن عميق ، ورغم الضحايا التي فاقت كل تصور ، وبرغم أن الشهداء كانوا من كل القوميات والأديان والطوائف العراقية ، إلا أن الوطنيين والشيوعيين كانت حصتهم الأكبر ، من! هذه الوليمة الفاشية ، المتحالفة مع المخابرات الأمريكية ، بقيادة رئيس البعثة الأمريكية آنذاك.

ضحايا الشعب ، كانوا أكثر مما يمكن عدهم وحصرهم ، قادة وكوادر وطنية ، مدنيين وعسكريين ، رجالا ونساء ، ناهيك عن كل قيادة ثورة 14 تموز الوطنية ، وأغلب قادة الحزب الشيوعي ورفاقه ، كان شهر شباط شهرا أسودا ، داميا وحزينا ، إلا أن الشعب العراقي لم يلق السلاح ولم يستسلم للنظام الجديد وميليشيات الحرس القومي ، فما هي إلا أشهر حيث تهاوى التحالف الفاشي ليسقط النظام العميل ، معترفا بعمالته قادته قبل غيرهم ، لينهض الشعب العراقي لاعقا جراحه ، محاولا إعادة بناء ما يمكن .الخسارة كانت عظيمة وقاسية بكل المقاييس ، ولم يجد الشعب حوله من يعينه على البلوى غير أبنائه .

ما يعانيه العراق والشعب في ظرفنا الراهن ، من مشاكل على مختلف الأصعدة ، ليس بمعزل عما أورثنا إياه الحكم الفاشي الساقط ، ولم تكن نتائج ذلك الحكم بعيدة عن تواطئه وتعاونه ، مع القوى الأجنبية ، وخاصة أمريكا ، التي أسقطته ، فالعراق ومنذ غابر الأزمان منطقة تحظى باهتمام القوى الكبرى ، ليس فقط لأنه ضمن منطقة استراتيجية ، وموقعه الجغرافي الرابط بين الشرق والغرب ، بل وأيضا لأنه آخر معين ناضب من الطاقة التي يتكالب عليها العالم اليوم ، فأمريكا لم تقدم على إسقاط النظام الفاشي ، من أجل حرية وبناء ديموقراطية للشعب العراقي ، كما يدعي البعض ، فأمريكا ، كانت على الدوام شريكا للنظام في كل الشرور التي ارتكبها ، ليس بحق دول الجوار فقط ، بل ما كان قبلا من تضييق على حرية الشعب العراقي ، وقمع قواه الوطنية ، وحتى الحرب الداخلية مع الكورد ، كانت هي ! وراء جرائمه تلك ، فإضعاف الحركة الوطنية والديموقراطية والتضييق عليها ، في أي مكان غير بلدها ، أمرمرغوب فيه وُيََسهل عليها أمر الحصول على ما ترمي إليه وتريد من أي نظام . لو كانت ، أمريكا ، فعلا ترمي لبناء الديموقراطيات في المنطقة ، ومن ضمنها العراق ، لما أقدمت على تحطيم الدولة العراقية ومؤسساتها ، ولما فتحت الحدود أمام قوى الإرهاب ، ولما سمحت بتأسيس الحكم وفق مبادئ المحاصصة الطائفية والعنصرية ، ولما تدخلت ، حتى اللحظة ، في الشأن العراقي .

أمن العراق ، سيبقى ملتبسا ، والدم العراقي ، سيبقى نازفا ، طالما كان قرار تلاقينا أو تباعدنا ، خصومتنا أو تصالحنا ، مرهونا بالقرار الأمريكي ، وطالما قادتنا السياسيون ، بكل طوائفهم وقومياتهم ، وبغض النظر عن معتقداتهم وأفكارهم السياسية ، يهرعون طالبين النصح والمشورة من عميد السفارة الأمريكية ، زلماي خليل زاد ، لحل ما يعاني منه الوطن ، ويشكو منه الشعب العراقي . من يبغي مشورة ونصحا من عدو فلن يجد سوى المأساة ، والمأساة هي أن نلجأ لتجربة المجرب الفاسد . قضيتنا التي نشكو منها عراقية بكل تفاصيلها ومفاصلها ، والحل عند العراقيين أنفسهم وبيدهم ، من غير أن يجتمع عقلاء العراق وناصحوه فيما بينهم ، ويتدارسوا الحلول الوطنية الواجب الاتفاق عليها وتنفيذها ، فلا حل ولا اتفاق ، ولن يكون الوفاق حاصلا بين طوائفه أيضا . العراقيون ، فقط ، وحدهم القادرون على إيجاد حلول ناجعة لقضاياهم ، قادة ! العراق ، إن أخلصوا النية له ، قادرون على إرساء الأمن والاستقرار ووحدة الشعب ، أما الأجنبي فلن نجد عنده سوى مبادئ فرقة وخلاف ، نتيجتها مجربة وملموسة ، مآس وأحزان جديدة ، تشمل الشعب وكل قواه دون تمييز ، وليس مهما إن حصل هذا يومئذ ، في شباط أم في كانون فالأمر سيان ..!

7شباط 2006