| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

 

 

 

الخميس 7/2/ 2008



البعث وشباط الأسود ... والقطار الأمريكي ..!

هادي فريد التكريتي  *

على الرغم من قصر ساعات أيام شباط ، وقلة أيامه عمرًا ، مقارنة بأشهر السنة المختلفة ، إلا إنه من أثقل الأيام واشدها حزنًا وبؤسَا ،على الشعب العراقي ، ففي14 شباط من العام 1949، أقدم النظام الملكي العميل ، بتحريض من الدوائر الاستعمارية البريطانية ، على إعدام ثلاثة ، من أصلب رموز قادة الحركة الوطنية العراقية ، المتمثلة بقيادة الحزب الشيوعي العراقي ، فهد وصارم وحازم ، للبدء بتصفية مكاسب وثبة كانون في العام 1948 ، التي ألغت معاهدة بورت سموث ، ولتمرير اتفاقيات لتصفية القضية الفلسطينية المبرمة ، بين الملك عبدالله بن الحسين ، والحكومة الإسرائيلية ...

لن نـأتي بجديد إن قلنا ، كل المشانق والإعدامات ، التي نفذتها الحكومات العراقية، قبل و بعد ثورة 14 تموز الوطنية ،هي حكومات عميلة للأجنبي ، نُفذت بأمر ومشيئة الحكومة البريطانية أو الأمريكية ، وهذا التشخيص دلل عليه واقع الحكم الملكي ، والمعاهدتان 1922و1930 التي أبرمتهما بريطانية مع الحكم الملكي،وبموجبهما تم استباحة الأراضي العراقية ، وسُلبت حرية الشعب ، ونُهبت خيرات الوطن وثرواته ، وكبلتا الشعب بقيودهما الثقيلة والمجحفة ، فالمعاهدتان تنطقان بتفاصيل عبودية وخنوع حكام النظام الملكي ، للمستعمرين الإنكليز ..(فليراجع بنودهما وملاحقهما ، كل من كان عنده شك بما نقول)..!

و8 شباط من العام 1963 يوم آخر من أيام الشهر الكريه " شباط الأسود " ، تحالفت فيه قوى غير متجانسة ، قوميون عرب ـ عنصريون، وبعثيون عفالقة ، وزمر من إسلام ـ سياسي طائفي ، بنوعيه ،آلفت المخابرات ألـ CIA الأمريكية ، فيما بينهم ، ونسقت مع ، بعض من قوى، غير عربية ، مشكلة من الجميع ، جبهة رجعية واسعة ، لإسقاط حكومة ثورة 14 تموز ، تحت شعار أمريكي المحتوى والدلالة " يا أعداء ثورة 14 تموز، ويا أعداء الشيوعية ، اتحدوا"، هذا التحالف الرجعي صادف نجاحا ، عندما تحقق للانقلابيين ، في 8 شباط ، اغتيال ثورة 14تموز الوطنية ،واستشهاد أغلب قادتها ، المتمثلة بعبد الكريم قاسم ووصفي طاهر وماجد محمد أمين وفاضل عباس المهداوي وجلال الأوقاتي ، وغيرهم المئات من المقاومين لهذه المؤامرة ، من العسكريين والمدنيين ، وعند اشتداد المقاومة الوطنية والشعبية لهذا الإتقلاب الفاشي ، أصدر الحاكم العسكري العام رشيد مصلح التكريتي  (الصباغ) (1) البيان رقم 13 ، سيئ السمعة والصيت ، وبموجب هذا البيان تم استباحة دماء كافة العراقيين ، تحت واجهة " إبادة الشيوعيين " حيث تم قتل واغتيال آلاف الوطنيين ، من النساء والرجال العراقيين ، دون تمييز، كما تم اعتقال الآلاف من المواطنين والمواطنات، في معتقلات كثيرة ومتنوعة ، أشهرها معتقل رقم واحد ، في معسكر الرشيد ، ومعتقل قصر النهاية ، حيث كان مسلخا بشريا حقيقيا، لتعذيب وقتل المئات من قيادة وكوادر الحزب الشيوعي العراقي ، اُرتكبت فيه ، أفظع الجرائم وأقبحها ، تمثل فيها الحقد الشوفيني البغيض ، على الشيوعيين وعلى كل الوطنيين ، عندما أقدم الفاشست ،من القادة البعثيين ، على التمثيل بجسد الشهيد الوطني، والبطل الخالد ، قائد الحزب الشيوعي ، سلام عادل ( حسين أحمد ألرضي) وتقطيع أوصاله ،عضوا ، عضوا ، قبل أن يفارق الحياة ، وبمثل هذا الأسلوب البشع ، تم اغتيال الكثير من قادة الحزب الشيوعي وكوادره وأصدقائه ، تحت التعذيب ..

ارتباط قوى 8 شباط "الأسود" بالمخابرات الأمريكية ، ليس إدعاءً ندعيه ، كما هو ليس من عندياتنا ، فأمين سر القيادة القطرية لحزب البعث العربي الإشتراكي في العراق ، على صالح السعدي ، أعلن عشية انقلاب تشرين في العام 1963 ، قائلاً :" جئنا إلى السلطة ( في 8شباط 1963) بقطار أمريكي " ومثل هذا ما اعترف به ، طالب شبيب وزير خارجيتهم ، كما قاله قادة آخرين في حزب البعث..ودليل مادي آخر ، ربما لا زالت تحتفظ به وزارة الدفاع في أرشيفها ، وأرشيف الضباط المحالين على التقاعد في 9 شباط 1963، ما يسمى بـ " قائمة السفير " وهي قائمة الضباط المحالين على التقاعد ، التي حملها سفير الولايات المتحدة الأمريكية ، وقدمها لمجلس قيادة الثورة، والتي صدرت في 9 شباط 1963، وأُطلق عليها آنذاك " قائمة السفير"الأمريكي ، وهذا دليل على قدم وعمق علاقة حزب البعث بأمريكا ، وأمريكا هي من جاءت بهذا الحزب مرة أخرى إلى السلطة في العام 1968 ، بعد أن جدد قيادته على الصورة والهيئة التي حكم بها البكر ومن بعده صدام ،وبما يتلائم وأهدافها في العراق والمنطقة ، حيث نفذ لها الكثير من المهام نيابة عنها في المنطقة ، إلا أنها عملت على إضعاف وزوال حكم البعث ، لأسباب كثيرة ، بعد أن وجدت أنها قادرة على تغيير خريطة الشرق الأوسط ،وفق مخططاتها الهادفة للسيطرة على المنطقة ، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا ، فاحتلالها العسكري للعراق ، لم يكن مؤقتاً ، وليس لمساعدة الشعب العراقي على قيام حكم ديموقراطي ، وليس ، كما تدعي ، لإقامة أنظمة ديموقراطية في المنطقة ،بل لإقامة منظومة دول تابعة ،تحقق لها بقاءً دائما في المنطقة ، والعراق هو ما بدأت به ، ولن تسحب منه قواتها ، باي شكل من الأشكال ، حتى وإن تحسن الوضع الأمني ، رغم المعارضة المصطنعة التي تبديها قوى عراقية وأمريكية ، ضد سياسة الرئيس بوش ، ومطالبتهم إياه بسحب قواته من العراق ..

الزيارة الأخيرة التي قام بها بوش للمنطقة ، ألهبت وأججت الصراع بين القوى اللبنانية المتنازعة ، كما أفسحت في المجال لإسرائيل بفرض الحصار على قطاع غزة ، وتكثيف غاراتها على قوات حماس ، وإسرائيل ، زادت من تعنتها في مواقفها التفاوضية مع الرئيس الفلسطيني ، عباس ، وبعد إقامة بوش بعض أيام في ضيافة الملك عبدالله ، في الرياض ، " خطفت رجلها " كونداليزارايس إلى العراق ، واجتمعت بساسة سياسيين من عرب وكرد وتركمان ، ورجال صحوة ، في بغداد وكركوك ، إلا انه بعد عودتها ، إزدادت تفجيرات الإرهابيين ،في كربلاء وفي بغداد وديالى وكركوك والموصل ، إلا أن أشدها وأعنفها كان في بغداد ، سوق الغزل ، وأحد أسوا ق بغداد الجديدة ، وحتى في الجوامع ، ذهب ضحيتها المئات من القتلى والجرحى ، بعد الإنفجار مباشرة ، كثرت التصريحات عن القائمين بالعملميات ،وتشخيص هوياتهم ، فوزيرة الخارجية ، كونداليزارايس أ، علنت ، وفي وقت واحد تساوقت معها تصريحات ،لعسكريين ومدنيين أمريكان ، وأيدها في الحال ، مسؤولون عراقيون ، بأن منفذي العمليتين كانتا من النساء المعاقتان عقليا ، كما أن التفجير قد تم عن بعد ، وقد عُثر في مكان الانفجار على جهازي الهاتف النقال اللذين استخدما لتفجير المرأتين ...!!الإعلام الأمريكي ، والعراقي الرسمي ، لا ينطقان إلا عن الهوى ،خصوصا إذا كان ، هذا ، الهوى أمريكي ، المصلحة والهدف ، فإذا كانت مخلفات الانفجارين جثث مشوهة واختلطتا لأشلاء مع عشرات أخرى مع بعضها من جثث القتلى ، والحريق أتلف العديد من السيارات التي تبعد عن الحادث عشرات الأمتار ، كيف تم التعرف على أن المرأتين بأنهما معاقتين عقليا ؟ وكيف تم جمع حطام جهازي الهاتف ، النقال ، بحجميهما الصغيرين ، ودقائق محتوياتهما ..؟ الرئيس بوش صرح خلال جولاته الشرق أوسطية والخليجية، " أن أي قرار حول سحب المزيد من القوات ، الأمريكية ، مرتبط بالوضع على الأرض ، وبقرار الجنرال ديفيد بترويس ، قائد القوات في العراق .." هذا التصريح يكشف عما تريده الإدارة الأمريكية ، وما تقوم به المخابرات الأمريكية، والمنظمات التي تجندها ، لأن تعمل المستحيل من أجل أن تبقى القوات الأمريكية في العراق ، فالتفجيرات التي ُشخص القائمون بها ، تشخيصا دقيقا ، والواسطة التي تم بهما التفجيران، على صغر حجمهما ،تثيران الشكوك ،وما يؤيد هذه الشكوك ،تطابق تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين ، الأمريكان والعراقيين ،وفي وقت واحد ، حول الحادثتين ، وهذا دليل لا يقبل الشك ، من أن التفجيرات لم تكن بعيدة عن إعدادات مطبخ المخابرات الأمريكية ، من أجل دعم الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة ، ولبقاء القوات الأمريكية ،في العراق ، حتى وإن تم إبرام المعاهدات والاتفاقيات التي تريد فرضها على العراق ، والتي يهيأ لها مكتب الرئاسة العراقي ، ورئيس الوزراء المالكي ، الظروف الملائمة لتمريرها ...

أمريكا كان حلمها أن تكون في العراق ، منذ خمسينات القرن الماضي ، فصدام ونظام حكمه ، كانت له علاقات وثيقة مع الإدارة الأمريكية ، وكان رامسفيلد ، وزير الدفاع الأمريكي السابق ، أحد مستشاريه ، إلا أنه لم يكن جريئا ، أو شجاعا ، لأن يعلن عن مثل هذه العلاقة معها ، كما لم يكن قادرا على عقد أية اتفاقية ، أو الإعلان عنها ، إن حصلت ، فتجربته مع شاه إيران ،وموقف الشعب العراقي منها معلوم ، إلا أن حكام المحاصصة ، الطائفيون والعنصريون ، أكثر جرأة وشجاعة من صدام ونظامه ، بإعلانهم الموافقة على عقد معاهدات طويلة الأمد ،وتقديم كل ما يحقق لأمريكا حلمها في العراق والبقاء ، طالما تُحقق أمريكا لهذه التشكيلة من الحكام ، دعما عسكريا وسياسيا ، يضمن لهم ديمومة البقاء ... حكومة المحاصصة الطائفية ،تلعب بمصير الشعب العراقي على المكشوف ، وستكون هي أول من حققت لأمريكا ، المعنى الرائع ، للمثل الشعبي العراقي القائل " جيرة بكصيرة " (2)..


7 ‏شباط‏‏ ‏08


(1) مصلح الصباغ "التكريتي" ربيب خيانة وعمالة للإنكليز، عندما دخل الجيش البريطاني العراق في العام 1914 كان دليله على بيوت المقاومين لهذا الاحتلال ، والحاكم العسكري " رشيد مصلح التكريتي " ابنه ، أخذ مهنة الخيانة ، عن أبيه ، البعثيون ، حكموا بالإعدام على رشيد ، بتهمة الخيانة والعمالة ، بعد مجيئهم للسلطة ثانية في العام 1968 .
(2)
الجيرة ، معناها قطعة من القير ، والكصيرة ، تعني القميص أو الثوب الناصع البياض .


*
عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد






 


 

Counters