| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

 

 

 

الأثنين 4/2/ 2008



هل نصمت ..؟ إذن نستحق ..!!

هادي فريد التكريتي  *

لقد هال إحدى زميلاتنا في اتحاد الكتاب العراقيين في السويد ، ما تداولته وسائل الإعلام السويدية عن واقع الطفولة في العراق ، فكتبت رسالة إلى الهيئة الإدارية ، بهذا العنوان " هل نصمت ..إذن نستحق "...؟ مستغيثة ومستحثة زملاء الاتحاد للقيام بما يمليه عليهم الضمير والواجب ،لمعالجة هذا الواقع الخطير ، والحد من تدهور الأوضاع المعاشية والصحية لحياة للعائلة العراقية ، والوقوف موقفا جادا من المأساة التي تعاني منها الطفولة ،من سوء رعاية ، وعدم اهتمام من نظام الحكم ، وهي تباع بالمزاد العلني ، من أجل لقمة عيش أو حبة دواء ، وما قالته في بعض فقرات الرسالة " هل نستحق أن نأكل من ثمن بيع بناتنا لأجسادهن على الأرصفة... ؟ " الحقيقة أن هذا الواقع المزري الذي استفز الزميلة ، وما اشتكت منه ، هو تدهور أخلاقي وأمني وصحي ومعاشي ، لمئات ، بل لآلاف العائلات العراقية ، منذ قيام سلطة البعث ، وحتى من بعد سقوطه ، وكأنه أصبح قدرا نتعايش معه..

من المعلوم إن هذا الواقع لم يكن وليد اليوم ، كما لم يكن أمرا غير مألوف أو غير معروف ، في عراق الأمس واليوم ، وليس مجهولا عن أنظار العالم ووسائل إعلامه ، فالنظام البعثي الساقط ، قد أسس وأرسى قواعد التدهور لقيم الشعب العراقي ،منذ تسلمه السلطة في العام 1968، وعمق المأساة وزاد عليها ، الاحتلال بما يملك من خبرة ونفوذ في التعامل مع شعوب الأرض ، ومع شعبنا يخوض التجربة ، من خلال حكام طائفيين وعنصريين ، خلقهم وهيأهم ، لتنفيذ ما جاء بهم من أجله إلى السلطة ، فهم ، أي حكامنا ، باسم الطائفية والعنصرية، أكلوا منذ احتلال العراق وسقوط البعث في العام 2003، ولازالوا يأكلون ليس " من ثمن بيع بناتنا لأجسادهن على الأرصفة " ، بل من إباحة حرية وكرامة الشعب العراقي بأجمعه ، إلا أن هذا الواقع وحتى اللحظة ، لم يتح للحكام فرصة تحقيق كامل أهداف الاحتلال الأمريكي بعد ، فالمعركة بكامل أسلحتها لا زالت قائمة ، والشعب لم يستسلم بعد ، لا للاحتلال ولا لحكم المحاصصة ، الغير وطني ، رغم كل خسائر ، وفشل القوى الوطنية والديموقراطية ، التي منيت بها قبل الاحتلال وبعده ..

الكثير من الكتاب العراقيين ، من داخل وخارج العراق ، أسهموا بمعالجة هذا الواقع المأساوي ، كما عالجه كثرة كاثرة من كتاب عرب آخرين ، ومن غيرهم ..والفضائيات المختلفة قد نقلت أفلاما مصورة عن فضائح وجرائم الأمريكان والحكم ،في العراق ، فالكل يتذكر فضائح جيش الاحتلال في " سجن أبو غريب " وغيره ، كما فضيحة " دار الأيتام " ببغداد ، عندما سرق ممثلو الحكم الطائفي ، أرزاق وتخصيصات، اليتامى والمشردين ، رغم قلتها ، ورداءة نوعيتها ، ولم يتركوهم جياعا فقط ، بل وعرايا ، مقيدين بسلاسل وحبال ،تعيقهم حتى عن استخدام دورات المياه ، ناهيك عن المعاملة السيئة والمفرطة في اللا إنسانيتها ، أرتنا إياها عدسات الإعلام المختلفة ، ولم نجد من " نوابنا " الصناديد و"الغيارى" على الشعب وحقوقه ، في مجلس النواب ،غير السكوت المطبق عن هذه الجرائم ، كما لم تتحرك " شَعْيرَة " واحدة من شعائر الإيمان ـ الطائفي ، التي يتمشدق بها حكامنا المؤمنون ، أزاء " أحباء الله " الأطفال ، ولم تهز الجريمة المرتكبة " شَعْرَة " من شوارب أهل النخوة ، عربا كانوا أم غيرهم ، من رجال الحكم القابضين على مصيرنا ، والمتحكين برقابنا ، والسارقين لثرواتنا.. وهناك جرائم أخرى ، وغيرها الكثير، أُسدل الستار عليها وعلى مرتكبيها ، كالتي ارتكبت في أقبية جيوش ومليشيات الحكم ، ولم يجد الحكام والناطقون باسمهم على كافة درجاتهم ،ومستوياتهم ، ما يستوجب التحقيق والإدانة ، رغم وعودهم التي بذلوها ، وتهديد بعض الساسة بالكشف عنها ، دون مصداقية لتهدياتهم ، بالكشف والمصراحة ، لأنهم جميعا في حالة اللاوعي ،" صم بكم عمي " فهم لا يبصرون ، مبهورين وغير مصدقين بما أغدقه عليهم الاحتلال ، من جاه زائف ، ومناصب تافهة ، وثروات مسروقة ، فالشعب ومصير الوطن لا يساوي عندهم ، أكثر مما نثره عليهم الاحتلال من رشاوى ، للتستر على كل الجرائم التي حدثت ، وتحدث اليوم ، حتى وإن كانت في محيط منطقتهم " الخضراء " التي يتحصنون بها ...!!

ما يجب أن نفعله تضامنا مع شعبنا وأطفالنا في العراق ، ليس الإعتصام فقط ، وليس التنديد بالأمم المتحدة المساهمة في جريمة الحصار ، كما ليس مطالبة منظمات حقوق الإنسان ، بالكشف عن كل الجرائم والفضائح المرتكبة والتي تُعرف تفاصيلها من قبل هذه المنظمات ، وعلينا أيضا وهو الأهم ، أن نعلن براءتنا علنا ، من ممثلينا في البرلمان ، ومن كل الحكام ، في مؤسسات الحكم ، بسلطتيه القضائية والتنفيذية ، ونعلن أيضا أنهم ، غير عراقيين وغير مسلمين ، كما يدعون ، سواء كانوا عربا أم كردا أو تركمانا ...وغير جديرين بأن يمثلونا ، في أي محفل دولي أو إقليمي ، جراء نهجهم اللاوطني واللاأخلاقي من قضايانا العراقية ، والمغاير لكل مواقفنا وتقاليدنا الوطنية والقومية ، المعلنة بعض منها في الدستور ، ولسكوتهم عن جرائم مليشياتهم ،عن طريق العنف والقتل وهتك الأعراض ، التي طالت مختلف النساء والرجال ، من كل الأديان والقوميات والطوائف، هذه الجرائم تسببت في تهجير العشرات بل المئات من العوائل العراقية ، في داخل العراق وخارجه ، وأدت إلى تمزيق وحدة العائلة ، وتفريق شملها ، انعكست آثارها سلبا ، على الطفولة ورعاية الأم والعائلة لها ، فاليتم والتشرد والجوع والحاجة والمرض ، كلها نتائج موضوعية وقاهرة ، لسياسة الحكم ، وللواقع الاقتصادي المزري ، الذي يعاني منه عموم العراقيين ، حصيلته مآسِ اجتماعية وخلقية لحقت بالأطفال ، تخلي البعض من الأهل عنهم ، خوفا أو كرها ، لبيعهم ، وفي الحالتين ، نتيجة إملاق وقهر ومرض ،وكلها من مسؤولية الدولة و حماية الحكم ، هذا الواقع استثمرته قوى ومنظمات ، في الحكم وخارجه ، تملك المال للمتاجرة بكل شيء ، لتكديس الملايين بل المليارات من الدولارات ، عن طريق شراء وتهريب هؤلاء الأطفال، ذكورا وإناثا ، واستثمارهم كسلعة ، لمختلف الأغراض والأهداف ، والجنس بالدرجة الأولى ، سوق رائجة لمثل هؤلاء المستثمرين ، داخل العراق وخارجه ، ينهض به المتاجرون بالرقيق الأبيض ، في عراق تحكمه محاصصة دينية ـ قومية ..ولكن السؤال ، هل السلطة قادرة على وضع حد لمثل هذا الواقع البائس لحياة المواطن العراقي ؟ وهل تتوفر لها الإمكانية المادية ، لمعالجة النتائج المتدهورة والخطيرة ، لشريحة اجتماعية هي أمل العراق المستقبلي ..؟ وسلطة المحاصصة الطائفية ـ العنصرية ، وهي تسيطر على مداخيل كل الثروات العراقية ، البالغة مئات المليارات من الدولارات ، هل هي قادرة على معالجة أمر الطفولة ، والحد من الجرائم المرتكبة بحقها وحق العائلة ككل ..؟ نعم هي قادرة ، ليست لمعالجة أمر الطفولة وانتشالها من هذا الواقع المؤسف ، فقط ، وإنما هي قادرة على معالجة كل ما يعاني منه الشعب العراقي من مشاكل ، عن طريق إشاعة الديموقراطية الحقيقة في الحكم ، وإطلاق الحريات العامة ، وعدم الخلط بين السياسة والدين ، وتسليم مقدرات البلد للأكثرية الفائزة ، عن طريق انتخابات حرة ونزيهة فعلا ، تحكم وفق برنامجها ، من خلال ممثلين جديرين بتحمل مسؤولياتهم ، وترك المجال الحقيقي للمعارضة لآن تقوم بدورها ، في مراقبة السلطة ونهجها ، وإشراك الشعب في مراقبة سلوك وأداء ممثليه في البرلمان والسلطة ، لمتابعة تطبيق السلطة لبرنامجها الذي تقدمت به للحكم ، دون خلط أوراق لتقاسم السلطة مع قوى أخرى، لا تشاطرها المنهج ولا الأسلوب ، تحت أسماء مزيفة بعنوان " حكومة وحدة وطنية " لخداع الشعب ، وليتم التستر على النهب ، وتقاسم السرقات ، على قاعدة" شيلني واشيلك " التي نعيش نتائجها اليوم ، أوصلتنا لما نحن فيه ، حيث نعاني من ضعف ونقص في كفاءة وزراء ومسؤولين كبار ، لا مؤهل يؤهلهم ، لتقلد أدنى سلم وظيفي في الدولة ، ولا قدرة لرئيس الحكومة على استبدالهم أو إقالتهم من مواقعهم ، هذا الواقع هو لب الفساد ، وجوهر ضعف الحكم ، الحلفاء ـ الأعداء ، المتسم بفقدان الثقة فيما بينهم ، وعدم تعاونهم في البحث عن قواسم وطنية مشتركة ، لحل ما استعصى عليهم من مشاكل يعاني منها الشعب والوطن ..

الشعب العراقي، يبقى هو صاحب المصلحة الحقيقة لتغيير أوضاع شاذة سائدة ، التي أوجدها الاحتلال الأمريكي ، و قوى حكم متعاونة معه ، فشلت في تحقيق كل ما وعدت به الشعب العراقي ، فلا الاحتلال انتهى ، ولا الأمن استتب ، ولا وئام بين القوى حصل ، ولا صيانة تحققت لوحدة شعب ووطن ، وهذا ما يجب أن نجهر به بوجه حكومة المحاصصة ..!


4 ‏شباط‏‏ ‏08‏

* عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد

 

Counters