الاستحقاقات...والمحاصصات ..!
هادي فريد التكريتي
حتى اللحظة لم تعلن نتائج الانتخابات النهائية ، رغم مرور أكثر من
شهر ونصف ، وهذا يضيف برهانا جديدا ، على أن الانتخابات ليس لم تكن نزيهة فقط ،
وإنما تعني أن الحكومة الجعفرية ، لم تكن قادرة على حماية أمن المواطنين وصناديق
الانتخابات ومراكزها ، كما وإن المفوضية العليا ' المستقلة 'للإنتخابات في مأزق
حقيقي ، نتيجة لتدخلات القوائم الكبيرة في تغيير النتائج الانتخابية ، الله وحده ،
والراسخون في العلم ، وحدهم القادرون على التكهن متى يمكن الخروج من هذا النفق الذي
دخلته الانتخابات ونتائجها ، وانعكاساتها على الوضع العراقي البائس.. هذا المأزق
يعتبر أحد الأسباب المهمة التي حالت دون اجتماع المجلس النيابي الجديد لممارسة
صلاحياته ، ولهذا السبب تعذر على القائمة الفائزة تسمية رئيس الوزراء القادم ، وإن
كان الاختلاف بين قوى الائتلاف الشيعي ، على تسمية المرشح لهذا المنصب ، ما زال
قائ! ما أيضا. هذه الإشكالية تعتبر من إفرازات ضعف الحكومة السابقة ، وفشلها في
تحقيق المطالب الأساسية التي تعاني منها أكثرية الشعب العراقي ، وهنا ، لا يمكن
إقصاء الخلافات الجدية التي شابت أعلى هرم الدولة ومؤسساتها، بين التحالف الطائفي ـ
الشيعي ، والقومي ـ الكوردي ، فالخلافات بينهما هيمنت على أداء الحكومة السابقة ،
وحالت دون إصلاحات حقيقية لأجهزة الدولة ، وأسلوب عمل هذه الأجهزة ، مما انعكس
لاحقا على تعثر العلاقة بين الأطراف المؤثرة في تشكيل الحكومة الجديدة ، وعموم
الساحة السياسية والقوائم التي تمثلها ، بحجة ترتيب الأوضاع الداخلية للمتحالفين
فيما بينهم ، وهذا ما حال دون الشروع في تشكيل الحكومة الجديدة حتى اللحظة .
الأوضاع الأمنية العراقية ، والحالة المعاشية والاقتصادية ، متدهورة ، وتتدهور
أكثر، يوما بعد آخر ، كان هذا منذ أن تشكلت حكومة الجعفري في العام الماضي ، وبوجود
الجمعية الوطنية ، أما الآن فالعراق يعيش في البرزخ ، فلا جمعية وطنية ولا مجلس
نيابي ، والحكومة ورجالها بمنجى عن الحساب أو المتابعة ، سواء عن أدائها للسنة
الماضية ، أم عن الفترة التي انتهت بها ولايتها ، فحكومة تصريف الأعمال الحالية ،
هي نفسها حكومة الجعفري ، لم يتغير منها سوى اسمها ، أما الأداء ففي انحطاط وتدني ،
وشخوصها تشغلهم عن الشعب والوطن ، هموم المواقع والمراكز في تشكيلة الحكم الجديدة ،
للحصول على مواقع تنسجم مع نضالاتهم ، في الحكومة السابقة ، ومركز سيادي جديد
يتبوءونه ، تحت الشمس العراقية ، التي لم تعد تلهب الضمائر ' الوطنية ' ، كسابق
عهدها ، نتيجة للخرق الحاصل في! طبقة الأوزون ' الطائفي والعنصري ' ، والمتعذر رتقه
على راتق في تشكيلة حكم طائفية ـ عنصرية ، وفق مبدأ المحاصصة ، فشلت حتى الآن في
توفير أمن ، نتمنى أن نراه ، كما هو عليه الحال في الصومال أو دارفور .
الدعم الذي تبذله السفارة الأمريكية ، ونصح رئيس هيئتها زلماي خليل زاده ، للمعنيين
، بتشيكل حكومة ' وحدة وطنية ' وفق المقاسات التي وضعها ، طيب الذكر بريمر ، واعتلى
عرشها ' المرحوم مجلس الحكم ' لا زالت قيد اجتماعات ومناقشات ، ورحالات مارثونية ،
بين بغداد وعاصمة الإقليم الكوردي ، وبين مقرات وسكن أقطاب الحكم في المنطقة
الخضراء ، جعجعة دون طحن ، وابتسامات لا تغني ولا تدلل عن تذليل ما يعترض طريق
الاتفاق من صعوبات ، خصوصا وكل طرف من الأطراف الزاحفة نحو السلطة ، له مطالبه
وفهمه الخاص لحكومة الوحدة الوطنية ، كما لكل منهم اشتراطاته على من سيدخل في هذه
الحكومة ، فبغض النظر عن عدم اتفاق الجميع على مفهوم واحد لهذه الحكومة ' الوطنية '
إلا أن الفائزين الكبار يرون أن أي اتفاق على هذه الحكومة ، ي! جب أن لا يخرج عن
الاستحقاق الإنتخابي ، كما أن الاستحقاق الانتخابي يجب ألا يتعارض مع مفهوم
الاستحقاق الوطني ، وهذه معادلة يصعب فهمها ، دون الرجوع إلى مبادئ المحاصصة
الطائفية والقومية التي تأسس عليها مجلس الحكم ، ومن هنا يتضح أن حكومة الوحدة
الوطنية ، هي نسخة طبق الأصل من مفهوم الحكومة السابقة ، التي أطلق عليها السيد
الجعفري ، عند تشكيلها اسم حكومة وحدة وطنية ، فالسيد فؤاد معصوم صرح بأن رئاسة
الجمهورية للكورد ورئاسة الحكومة للشيعة ورئاسة البرلمان للسنة ، ويبقى حال نواب
الرئيسين كما كان عليه الحال السابقة . وهناك اشتراطات أخرى لأطراف لا تقبل
المساومة ، بغض النظر عن وجود الأكفأ أم لا ، فمثلا الجانب الكوردي يقول على لسان
مفاوضه السيد فؤاد معصوم :' لم يتم حتى الآن تحديد الحقائب ولمن ستمنح ، لكننا
واضحون في مطالبنا بوزارة الخارجية كوزارة سيادية ..' أما الوزارات الأخرى كالتخطيط
والنفط والمالية والداخلية والدفاع ، فهي موضع تقاسم وتوزيع مع الائتلاف الشيعي ،
والأخير تعتبر مطالبه حدية وواجبة النفاذ بالنسبة لهذه الوزارات السيادية ، التي
يطالب بها ، ولا يمكن التنازل ع نها . هذا ما سيكون عليه حال حكومة الوحدة الوطنية
، التسمية تمثل فخا للقوى السياسية خارج إطار التحالف الكوردستاني والائتلاف الشعي
، إذا ساهمت بالحكم وفق هذا المنطق ، خصوصا إذا علمنا أن هناك اشتراطات أخرى ، تمثل
نكوصا عما اتفق عليه قبل إقرار الدستور في مرحلته الأخيرة . توزيع المناصب وتقاسمها
وفق ما تقدم ، لم ولن يخرج عن إطار المحاصصة الطائفيةـ العنصرية التي رسمها
الاحتلال الأمريكي ، وما سينفذ بهذه الصيغة لن يحقق مصلحة الشعب والوطن . فنجاح أي
محاولة لإشراك القوى السياسية الأخرى في الحكم ، يعتبر شهادة زور وتحميلها مسؤولية
ماسيحصل لاحقا ، الهدف منها تجميل الواجهة الاحتفالية ، وديكور تزين بها واجهة
القرارات المصيرية التي سيتم تقاسم العراق بها ، عن طريق إضفاء طابع التوافق أو
الإجماع الوطني . الحديث عن حكومة وحدة وطنية بهذا الشكل ، ما هو إلا من قبيل ذر
الرماد في العيون ، وترضية لغرور البعض ممن وصلوا إلى موقع المساومة ، الغرض
الحقيقي هو تغطية لفرض واقع تقسيم وتجزئة العراق ، في ظروف غير اعتيادية يمر بها
الوطن ، مغيبة فيه مصلحته العليا . حكو! مة الوحدة الوطنية ، في الظرف العراقي
الراهن ، تعني حكومة ائتلاف قوية ، لقوى سياسية وطنية متعددة الاتجاهات ، كما تعني
حكومة تصالح وإنقاذ وطني ، تعلن وتنفذ برنامجا سياسيا متفق عليه مسبقا ، هدفه إصلاح
ما أفسد البلد وإعادة الأمن والاستقرار إليه ، دون اشتراطات لهذه الفئة أو تلك ، في
شغل هذا المنصب أو ذاك . ما يضع العراق على طريق بداية صحيحة لحل مشاكله ، هو تشكيل
حكومة تكنوقراط غير مسيسة ، مسؤولة أمام المجلس النيابي الجديد.. .
موقع الناس http://al-nnas.com/