نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

 

 

 

 

الأحد 3/9/ 2006

 

 

الصابئة المندائيون ..ومسؤولية الدولة !!

 

هادي فريد التكريتي  *

بلاد الرافدين ، وعلى مدى آلاف السنين ، عاشت على أرضه ديانات مختلفة ومتعددة ، ومن أقدم هذه الديانات ، الصابئة المندائية ، التي بقيت محافظة على تقاليدها وتراثها الديني الموروث ، حيث احتفظت هذه الطائفة المسالمة ، ليست بعلاقات سليمة وسلمية فقط مع كافة الأقوام والشعوب ، التي شاركتها العيش ، وإنما كانت تحضى بالإهتمام والرعاية من قبل تلك المجتمعات ، بغض النظر عن شكل أنظمة الحكم ، وعقيدة الحكام الذين توارثوا حكم العراق ، لما امتازت وتميزت به هذه الطائفة والقائمين على شؤونها الدينية ، من ذكاء وحكمة ، وأفرادها من دأب ومثابرة ، وتوظيف معرفتهم وخبرتهم العلمية والعملية ، في مختلف مجالات الحياة ، لخدمة هذه الشعوب ، مما أكسبهم تعاطف وحب ومودة أغلب الأقوام التي عاشوا معها ، وفي ظل أنظمتها المختلفة ، على مر السنين ، وهذا ما جعلهم في منأى عن الاضطهاد الديني أو الطائفي ، بسبب معتقداتهم الدينية ، أو نتيجة لرفض الخض! وع لديانات أنظمة الحكم السائدة ، أو لعدم الدخول في الديانات الجديدة ، وحتى إن حصل اضطهاد نتيجة لغزو أجنبي للعراق ، فكان ما يصيب هذه الطائفة ، الصابئة المندائية ، هو ما يصيب كل الطوائف والأقوام التي يقع عليها الحيف والظلم .
والمسلمون ، الأوائل ، قد احترموا ما نص عليه القرآن ، بشأن المعاملة الواجب احترامها ، وفق نص الآية ، التي جعلت من أتباع الديانة الصابئة المندائيين ، أهل كتاب ، أسوة بأهل الكتب السماوية ، من اليهود والنصارى ، وفق منطوق الآية 62 من سورة البقرة ، ' إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون ' ولأهمية هذا الحكم وخطورة مخالفة العمل بهذه الآية ، سواء أكان بالتنكر لمعتقدات أصحاب هذه الديانات ، في المجتمع ، أو بالتعدي على حقوقهم ، أوبالتضييق على حرية طقوس عباداتهم ، ولتأكيد هذا الأمر على كل المسلمين في كل مجتمعاتهم وأينما كانوا ، وخاصة على ولاة الأمر منهم ، القائمين ع! لى تنفيذ الحكم الشرعي ، ألزمهم القرآن جميعا ، بالتقيد بمنطوق الآية وعدم مخالفتها ، شكلا ومضمونا ، من خلال تكرار هذه الآية في مكان آخر ، وبالنص عليها حرفيا ، كما جاء في الآية 69 من سورة المائدة ، بل ذهب الحكم القرآني في التسامح مع المخالفين في المعتقد والعقيدة ، أبعد من هذا بالنص على عدم التعرض إليهم أو مساءلتهم ، ليس فقط لأصحاب الكتاب المار ذكرهم ، بما فيهم المسلمون المؤمنون ، بل وحتى المجوس ، والذين أشركوا في الله ، فالله وحده من له الفصل والحكم على ما في دواخل الناس وما يعتقدون ، فالآية 17 من سورة الحج ، لا لبس فيها من عدم شرعية التعرض ، من أي كان ، لمعتقدات الناس وما يضمرون ، في ضمائرهم وسرائر نفوسهم ، فالإيمان وعدمه هو شأن شخصي ، قائم بين العابد والمعبود ، ولا مجال فيه للتدخل ، أو الاجتهاد من حاكم أو تأويل من فقيه أو مفسر ' إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد ' . فما تمارسه قوى الإسلام السياسي والطائفي في الوقت الحاضر ، من تهديد بالقتل ، و! بالقتل ، والتهجير ، والتشريد في داخل العراق وخارجه ، لطائفة الصابئة ال مندائيين ، وغيرهم من الطوائف الدينية الأخرى ، بكل تسمياتها ومسمياتها ، يتعارض مع أحكام القرآن التي تحرم قتل الإنسان دون ذنب أو جريمة مرتكبة ، كما ورد في سورة المائدة الآية 32 ' ... من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ..' فكيف الحال والجريمة ترتكب من قبل أناس جهلة وصبيان ، يتلفعون بالدين ، لستر جرائمهم وعدم كشفها ، ينفذونها في ظل دولة ودستور ، والضحايا فئة من الشعب ، مسالمة من طائفة ودودة ومسالمة ، انغرست جذورها في عمق التاريخ والوجدان العراقي ، بل هي خير من يحكي وقائع التاريخ , وما تعرض له هذا الوطن على مختلف عصوره ، حيث ساهم أبناؤها في نسج رخائه وازدهاره ، كما شاركوا في صنع أفراحه في انتصاراته ، وحملوا هموم أحزانه في انكساراته ، وتقاسم أتباعها ضيم وقهر الحكام ، أسوة بما احتمله الشعب العراقي ، على امتداد سنوات نضاله ضد سلطات الظلم والاستبداد ، نتيجة لوعي سياسي متجذر في انتماء أبناء الصابئة الوطني .
نسيج الحركة الوطنية العراقية ، منذ بداياتها ساهم فيه الكثير من المناضلين ، الصابئة المندائيين ، وكثيرون من طوائف عراقية أخرى ، إلا أن ما نتحدث عنهم ، هنا ، هم من ابناء هذه الطائفة ، المعطاءة بسخاء للوطن ، حيث قدمت الكثير من الشهداء ، الذين انخرطوا في العمل السياسي والوطني ، منذ بواكير الحكم الوطني ، وقاست هذه الطائفة ، من أجل وطن حر وشعب سعيد ، فطرزت دماؤهم لوحة شهداء هذا الوطن ، على مختلف مراحل النضال ضد الاستعمار ، والحكام الخونة ، إلا أن النظام الفاشي ، بمرحلتيه الأولى والثانية ، كانت له الحصة الأوفى من الشهداء المندائيين ، رجالا ونساء، لمقاومتهم وبسالتهم في التصدي لهذا النظام ، حيث روت دماؤهم الزكية أرض وسجون العراق ، كما ضمخت دماؤهم ربى كوردستان! ، ومن حيث اختلطت الدماء وتمازجت ، مع دماء كل الوطنيين العراقيين ، من كل القوميات والطوائف ، توفرت إمكانية سقوط الفاشية ، ليبدأ عصر جديد ، ونظام حكم يعتمد الحرية والديمقراطية في الكثير من بنود دستوره ، ويقر حكما لا يتعارض مع توجهات الدين الإسلامي ، وبدلا من أن ُتًكًرم هذه الطائفة الوطنية ، وباقي الطوائف ، من قبل الدولة ومؤسساتها الرسمية ، يقع عليها خيار القوى المعادية والحاقدة على الشعب ، وعلى قواه الوطنية والديموقراطية ، من أتباع ومؤيدي الإسلام السياسي ، ' لا يفهم كوعه من بوعه ' ، حاقد على الشعب والوطن ، متشدد ومتشنج ومتخلف ـ طائفي بشقيه ، الشيعي والسني ، وقوى اخرى قومية ـ عنصرية ، وبقايا فاشية بعثية ، للقيام بحملة تصفية ضدهم ، تتسم بالتهديد والقتل ، ونهب وحرق بيوتهم ومحلات عملهم ، مرغمينهم على مغادرة العراق ، حيث التشرد في دول الجوار ، دون قدرة لهذه الطائفة ، على العمل أو العيش ، طالبين السلامة في اللجوء إلى دول أجنبية ، كل هذا يتم تحت علم وسمع الدولة ومؤسساتها الحكومية والرسمية ، حيث الجناة المسؤولون عن هذه الجرائم ينعمون بحما! ية القانون والسلطة ، ويشغلون مقاعدهم لتمثيل الشعب في المجلس النيابي !! وميليشياتهم تصول وتجول في ساحة الإرهاب ، ولها الحرية المطلقة في قتل وتشريد الكثير من أبناء هذه الطائفة وطوائف أخرى غيرها ، لا لسبب يبرر جريمتهم هذه ، غير حقدهم على وطنيتهم ، وانحيازهم للمعسكر الوطني والديموقراطي ، ووقوفهم بوجه القائمين على تقسيم العراق ، وافتعال حرب طائفية .
الدولة بكل مؤسساتها تتحمل مسؤولية هذه الجريمة ، بصمتها وانحيازها الكامل للقتلة ، دون اتخاذ أية إجراءات حقيقية ورادعة لحماية أرواح منتسبي الطائفة المندائية ، ومنتسبي بقية الطوائف الأخرى ، التي تتعرض بالمثل للتطهير العرقي ، من قبل متطرفي الدين والقومية ، كما تتحمل مسؤولية الإبادة الحاصلة منظمات المجتمع المدني ، ومنظمات حقوق الإنسان ، فعليها أن ترفع أصوات الشجب والإدانة لهذه الجرائم ، التي هي جرائم لإبادة الجنس البشري في العراق ، تستحق قرارا من هيئة الأمم المتحدة ، ومنظماتها الإنسانية والدولية ، لشجبها وإدانتها ، وإيجاد حل عاجل لوقف المأساة التي تتعرض لها الطائفة المندائية ..!

*
عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد