موقع الناس     http://al-nnas.com/

غلطة الشاطر قاصمة ..!

 

هادي فريد التكريتي

الجمعة 3 /3/ 2006

وصف تقرير إخباري زيارة ، رئيس الوزراء الجعفري ، الأخيرة إلى تركيا ، بأنها ' القشة التي قصمت ظهر البعير ' وعلى الرغم من أني لا أعرف على أية حال كانت صحة ذلك البعير ، البائس ، الذي قصمت ظهره قشة ، ربما كان خلي الظهر أهزله المرض ، وربما كان صحيحا ، إلا أن ظهره قد ناء بحمل أثقل من الجندل أو الحديد ؟ بحيث كانت القشة المضافة قاصمة قاتلة ؟ لو كان ذلك الحيوان ، ناطقا لاشتكى من ثقل حمله ، ونجى ! وإن كان الصبر بعض صفاته ، وهي صفة قاتلة ، أيضا ، في أحيان كثيرة . ربما أحد كان يعرف ، سر القشة ، وكتمها عنا ، وربما كذلك لا أحد يعرف ! أقول لو كان الجمل في وقتنا هذا لتم عرضه على بيطري ، ولعرفنا حقيقة الأمر والنتيجة ، كما يحصل لأنفلونزا الطيور حاليا ، إلا أن الجمل مات مع ما حمل ، وأخذ السر الذي قتله معه .فزيارة الجعفري لم تكن قشة ، بل مهمة وسرا وهو لها ، كما أن الجعفري لم يكن بعيرا ، بل زعيم حزب ، ورئيس وزراء عن قائمة الائتلاف الشيعي ، وإن كانت الأمثال تضرب! للدلالة والاعتبار فلماذا تشبيهه بهذا المثل ؟.

قانون إدارة الدولة ، قانون بريمر طيب الذكر ، لا يزال ساري المفعول ، وحتى انعقاد الدورة الجديدة للمجلس النيابي الجديد ، ينص في بابه الخامس ' السلطة التنفيذية الانتقالية ، المادة الخامسة والثلاثون ، تتكون السلطة التنفيذية في المرحلة الانتقالية من مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء ورئيسه ' وبموجب هذا النص الدستوري ، لا يحق لرئيس الوزراء أن يغادر إلى دولة ما لغرض رسمي ، لقاء دولي أو عقد مباحثات مع أطراف خارجية، من دون معرفة وموافقة مجلس الرئاسة على المهمة ، المراد المشاركة فيها، وبما أن رئيس الجمهورية من ضمن مجلس الرئاسة ، فكان من الواجب أن يتم الاتفاق مسبقا على هذه الزيارة ، والتباحث بشأنها قبل أن يقرر السفر ويحط رحاله في تركيا ، فالزيارة من حيث المبدأ تمثل خرقا للدستور ، كما تمثل إحراجا للدولة العراقية ومؤسساتها ، من حيث قيام رئيس الحكومة بزيارة دولة دون علم رئيس الدولة ، ومن دون أن تكون هناك أسباب وأهداف معلنة لهذه الزيارة المفاجئة ، فبيان رئاسة الجمهورية قال ' ليس له ـ أي للجعفري ـ أي حق في الدخول في محادثات أو مناقشات مع الدول الأخرى ..' .فما صدر من رئاسة الجمهورية بهذا الخصوص هو بحد ذاته دليل على عدم ثقة وعدم اطمئنان ، ليس بين طرفين من أطراف السلطة التنفيذية ، رئاسة الدولة ورئيس الحكومة ، وإنما بين طرفين حليفين يتقاسمان الحكم ، وإعلان بيان الرئاسة بحد ذاته فضيحة حكم ، تتم في ظرف دقيق وحرج يمر به الشعب العراقي ، فالحكومة لازالت غير مشكلة ، والعنف يضرب أطنابه بالبلد ، والمواطن ينتظر انفراجا للوضع المتوتر الذي هو فيه ، بعد جريمة تفجير المراقد ، وأن ُيسِرع الأطراف المتحاورون على الإتفاق فيما بينهم لتشكيل الحكومة ، إلا أن هذه الزيارة جاءت دليلا قاطعا على أن الحكومة ومن تمثلهم سياسيا لا يهمهم أمر الشعب ، ولا ما هو فيه الآن من محن ومآسي ، بقدر ما يهمهم توتير الأجواء السياسية لتضييع الفرصة على تشكيل حكومة وحدة وطنية فاعلة ، .الظرف العراقي غير عادي ، وحتى لو كان ما يمر به العراق وضعا طبيعيا ، والحكومة وضعها طبيعي كذلك ، وليست حكومة تصريف أعمال ، ! لما جاز لرئيس الوزراء القيام بأية مهمة خارج العراق قبل أن يتم الإتفاق على تشكيل الحكومة ، وهو مرشح لها ، فلم العجلة ؟

لا أعتقد أن الزيارة جاءت من دون موافقة الأطراف التي يمثلهم في قائمة الائتلاف الشيعي ، رغم أن لا أحد يعرف الغاية منها سوى من خطط لها ، على عجل دون الأخذ بالاعتبار الحالة السيئة التي يمر بها البلد ، ولما كانت هذه الزيارة تثير رئاسة الجمهورية ، والطرف الكردي ، وأطراف دولية ، عليها لو تمت وفق إعلان رسمي لها وعن أسبابها ، واستصحب رئيس الوزراء معه أصحاب العلاقة المسؤولين ، ربما كان من بينهم وزير الخارجية ، إن كانت تتعلق بأمور سياسية وديبلوماسية ، أو وزير الداخلية إن كانت لمعالجة ملفات أمنية ، على سبيل المثال . الزيارة المستعجلة تدلل على أن أمرا' طارئا قد حدث أو أوشك على الحدوث ، ولا مجال لآن يناقشه حتى مع أقرب المستشارين المختصين والقريبين إليه في وزارته ، إلا أن هذا لم يحدث ! السيد رئيس الوزراء المنتهية ولايته ، قام بهذه الزيارة وهو يعرف أن صلاحياته قد انتهت منذ بدء الانتخابات ، وانتهاء الصلاحية تعني كل إجراء خارجي يعتبر باطلا ، ولا حق له في إبرامه  أو عقده ، وهذا ما يؤكد عليه السيد المالكي الشخصية الثانية في حزب الجعفري ، يقول ' الزيارة خاطفة ، ولن تتضمن عقد اتفاقيات ..وهي حكومة تصريف أعمال ، وكونها زيارة عادية وفق هذه المهمة ' على الرغم من اعترافه بأن الزيارة لن تتضمن عقد اتفاقيات ، وإن الحكومة حكومة تصريف أعمال ، إلا أنه لم يفصح عن سبب هذه الزيارة الخاطفة ، كما لم يوضح عن ماهية ' المهمة ' التي تتم وفق هذه الزيارة العادية . وفي مكان آخر يصرح ' إن بعض الشركاء في تشكيل الحكومة لا يريد لها أن تتشكل ويحاول اختلاق الحجج لتأخيرها أو يريدها بناء على رغبته وأغراضه الخاصة ..' وهذا بعض إيضاح ، مغلف ، من أن الزيارة لها علاقة بالكورد وكوردستان وكركوك . وحتى اللحظة الأخيرة من مغادرة الجعفري أنقرة إلى بغداد لم يرشح عن أسباب الزيارة سوى ما صرح به في مطار أنقرة ' قمت بزيارة شرعية مطابقة للقانون إلى تركيا وأنا مرتاح لنتائجها ، علاقتنا الثنائية أصبحت اليوم أكثر متانة ..' لن يجد السيد الجعفري صعوبة في تفسير ' زيارة شرعية مطابقة للقانون ..' فالقانون ' يعزف عليه الكثيرون وكل حسب ' المقام ' الذي يؤديه ، إلا أن الزيارة ، هل كانت شرعية! ؟ ولماذا لم يعلن السيد رئيس الوزراء عنها ، ولم كانت ، وما هي أسبابها؟