| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

 

 

 

 

الجمعة 30 /12/ 2005

 

 

 

الديموقراطية والاستحقاق الانتخابي ..!!

 

هادي فريد التكريتي

حتى اللحظة لم تعلن النتائج النهائية للانتخابات كاملة ، وقد مضى عليها أسبوعان ، والسبب في ذلك الطعون الموجهة لسير العملية الانتخابية ونزاهتها ، وما رافقها من دعاوى تزوير وتزييف لإرادة الناخب العراقي ، حيث اعترفت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بحصول خروقات في مناطق مختلفة من العراق ، فالقائمة الكوردستانية وقائمة الائتلاف الشيعية ، وجهت اتهامات للمفوضية لكنها تراجعت عنها ، كما أعلن السيد حسين الهنداوي ، على قاعدة ( ضربني وبكى ، وسبقني واشتكى ) وهذا باعتقادي يصب في خانة استباق الأحداث ، وتجيير هذه الاتهامات لصالحهم ، فيما إذا حققت القوائم المنافسة لهم أية نتائج غير مقبولة منهم ، تمهيدا للطعن بالعملية الانتخابية من قبلهم ، وربما استباق الطعن ، كلمة ' سر ' للمشرفين على صناديق الاقتراع من مؤيديهم ، للبدء بعملية التزوير وفق الخطة المعدة سلفا ، وعندما تحقق لهم المطلوب ، تراجعت هذه القوائم عن اتهام المفوضية بالخروقات ، من يدري! فالتزوير أشكال وفنون ، خصوصا إذا كانت الحكومة هي نفسها المتنافسة على الفوز ..

المفوضية اعترفت بحصول تزوير وخروقات ، حيث قالت على لسان السيد حسين الهنداوي ' ..بعد تدقيق صناديق الاقتراع والشكاوى المقدمة ضد الانتخابات في بعض المناطق فإنها وجدت خروقات متفرقة وليس عمليات تزوير واسعة ..' ، نعم ال ' خروقات ' تعني عمليات تزوير حسبما ، اعترف به السيد الهنداوي ، إلا أنها غير واسعة .. فمهما كانت واسعة أو ضيقة ، فهي في نهاية المطاف تغليب جهة على جهة أخرى ، دون وجه حق ـ عمل يعاقب عليه القانون ـ ، ويعطي فوزا لطرف ما لا يستحقه ، وبالتالي هو تأثير يمارس على حرية الناخب بطرق مختلفة ، وغير مشروعة لتزييف إرادته ..فالقتل مثلا أو التهديد به ، وحرق المقرات ، وملء الصناديق باستمارات مزورة ، كل هذا يعني ' خروقات ' وممارسة لإرهاب الناخب ، لصالح الجهة القائمة بهذا العمل ؟ إن استخدام لفظة مخففة ك ' خروقات ' لا يغير من واقع الحال شيئا ، فهذا يعني أن هناك تلاعبا وتزويرا في الصناديق ، وهناك أمورا أخرى ليس من مصلحة المفوضية أن تعلن عنها ، لأنها منحازة أصلا لج! هة معينة ، فوجود 920 صندوق مشكوك في محتوياتها ، كما اعترفت بها المفوضية ، أمر خطير جدا ، إذا ما علمنا أن القياس لكل صندوق هو 600 استمارة ناخب ، وإذا ما صح أن التزوير فقط في العدد الذي أعلنت عنه المفوضية ، فهذا يعني أن 18 نائبا قد أوصلتهم هذه الصناديق إلى المجلس النيابي دون وجه حق .

وما تفرضه الهيئة من عقاب على التزوير الحاصل في هذه الصناديق هو إلغاء محتوياتها ، حسبما صرح السيد عادل اللامي مدير المفوضية ' إلغاء الأصوات في الصناديق التي يثبت التلاعب فيها هو العقاب الذي ستواجهه ' باعتقادي هذا أسلوب (قره قوشي ) يساوي بين الجاني والمجني عليه ، وحكم جائر يلحق بالقوائم التي طعنت بالانتخابات ، وهو مكافأة للقائمة أو للقوائم الفائزة ، فلا يجوز أن يعامل المزور والنزيه بنفس الحكم ، العقاب يجب أن يقع فقط على من ثبت عليه التزوير والتلاعب ، والعدالة تقتضي احتساب محتويات الصناديق ' المشكوك ' في محتوياتها للقوائم أو للقائمة المعترضة ، وليس إلغاء محتويات هذه الصناديق ..

بغض النظر عما ستسفر عنه النتائج النهائية للانتخابات ، والطعون الموجهة إلى العملية الانتخابية ، وحياد المفوضية من عدمه ، فالقائمة الفائزة بأكثرية المقاعد عليها أن تحزم أمرها لتشكيل الحكومة ، هذا حق انتخابي ، وعدم إضاعة الوقت بمباحثات مع قوى خارج الاستحقاق ، بحجة تشكيل حكومة ' ائتلاف وطني ' أو حكومة ' وحدة وطنية ' ، فحكومة من هذا النوع ستكون ضعيفة وغير قادرة على حلول جذرية تتطلبها مواجهة الواقع العراقي في الظرف الراهن ، فالمحاصصة الطائفية والقومية ـ العنصرية ، ( التي يسميها السيد رئيس الوزراء الجعفري حكومة وحدة وطنية ) أثبتت فشلها ولا نريد لها أن تتكرر مرة أخرى ، أو أن تستمر ، لما فيها من ضرر كبير للعراق وللشعب العراقي ، ولكل القوى السياسية الوطنية ، الحل الصحيح والأمثل هو تشكيل حكومة قوية تتمتع بأغلبية برلمانية ، وتنفيذ البرنامج السياسي للحزب أو للإتلاف الفائز ، ليتحمل نتائجه ، نجاحا أو فشلا أمام الشعب ، والأكثرية في المجلس النيابي الجديد هي من تقر ما تراه صائبا ومنطبقا وفق منظورها ، لصالح الشعب العراقي ، مع ضمان كامل حقوق وحرية الأقلية النيابية المعارضة ، وبدون هذا نسير باتجاه خلط الوراق وإلقاء تبعات الفشل في حل ما استعصى على الآخرين ، فتجربة الكورد مع الائتلاف الشيعي لا زالت قائمة ، وهما من يتحمل فشل حل المعضلات الأساسية التي يعاني منها الشعب العراقي ، كما لازال الفشل يخيم على القضايا التي سبق أن تقرر حلها وفق ما هو متفق عليه بينهما ، وعلى الرغم من الاتفاق الموثق بين الطرفين ، إلا أنها لازالت تراوح مكانها ، فلا الكورد جادون بتحقيق وتنفيذ ما توصلوا إليه من حلول متفق عليها ، ولا قائمة الائتلاف مؤمنة بما اتفقت عليه معهم ، فعلى سبيل المثال ، إقليم كوردستان ، ككيان وفق المنظور الكوردي ، لا يقر الائتلاف تفاصيله بالكامل ، من منطلق إسلامي ' لا فضل لعربي على أعجمي ...' وستبقى العراقيل قائمة أمام الكورد في التسليم بالحدود لهذا الكيان ، وقضية كركوك ، قانون إدارة الدولة قد وضع الخطوط العريضة لحلها ، وفق المادة 58 ، وسمى اللجنة التي ستتخذ الخطوات اللازمة للحل ، إلا أنها ما زالت دون حراك ، تتجاذبها الشعارات السياسية ، فالكورد يلقون باللوم على ال! ائتلاف لعدم الحل ، بوضعهم العراقيل أمام حسم هويتها ، وضرورة عودة المهج رين ، من كل الأجناس ، إلى مواقعهم ، كما يعتبرونها امتدادا جغرافيا وتاريخيا لكوردستان ، متهمين الائتلاف بعدم قناعتهم بما اتفقوا عليه فيما يخص هذه القضية ، وكثيرا ما توترت العلاقة بين الطرفين ، رغم أنهما شريكان في الحكم ويتحملان المسؤولية فيما حصل ويحصل في العراق كله ، إلا أن رئيس الائتلاف ، السيد عبد العزيز الحكيم ، يلقي بالمسؤولية بعدم تنفيذ ما اتفق عليه بصدد كركوك على الكورد ، وبالذات على مجلس الرئاسة المتكون من الرئيس العراقي ، الكوردي ( جلال الطلباني )، ورئيس الحكومة ( الجعفري ) ورئيس الجمعية الوطنية ( حاجم الحسني ) كما جاء في خطابه أمام البرلمان الكوردستاني قبل يومين وفق مانشرته صفحة صوت كوردستان على الأنترنت ..

فإذا كان الشريكان في الحكم ، الائتلاف الشيعي والائتلاف الكوردستاني ، أصحاب العلاقة لحل هذه القضية ، المتفق عليها بينهما ، عند تشكيل الحكومة السابقة ، لم يتوصلا لحل قضية تخص الشريك الأوحد والقوي ، فكيف بالكثير من القضايا العراقية الشائكة ، وعلى عاتق من سنلقي مسؤولية الخراب والفساد الحاصل ، إن كان هناك أكثر من شريك في الحكم ؟ هل يمكن أن تتشكل حكومة من قوى سياسية غير! متجانسة ، في طروحاتها ، وتتعارض حلولها ، مع ما يطرحه الائتلاف الشيعي ؟ فأن حصل هذا وفشلت التجربة ، كما هو حاصل الآن من ائتلافين ، فعلى من سنعلق الفشل ..؟

تشكيل حكومة عراقية قوية ، ينطلق من واقع القوى التي تمثل الأغلبية في البرلمان ، مهما كانت رؤاها ، وفق برنامجها السياسي ، هو الطريق الصائبه والصحيحة ، وكل محاولة لتشكيلها ، من كل أو ، بعض ، القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي الجديد ، ستأتي بحكومة ضعيفة ، غير متجانسة ومتعارضة في الحلول المقترحة ، فما تراه القوى الوطنية والعلمانية ، مناقض لما تقره وتعمل له القوى الطائفية ، وإقرار أية قرارات لاحقة وفق موافقة الأكثرية ، أو وفق التوافق ، التلاقي في منتصف الطريق ، هو خلط للأوراق وتمييع للمواقف ، وبالتالي في حالة الفشل ، تعليقه على حكومة الوحدة الوطنية ، أو حكومة الوفاق الوطني .

 إن أردنا حكومة وحدة وطنية حقيقة ، علينا أن نلغي كل ما له علاقة بالمظاهر الطائفية السائدة ، في الواقع السياسي والاجتماعي ، وتقييم هذا الواقع على أسس وطنية ، فالمصلحة الوطنية تتعارض مع المصلحة الطائفية ..وإلا فالديموقراطية مع الاستحقاق الانتخابي وما صوتت له الأكثرية ...!