| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

 

 

 

الأثنين 29/10/ 2007



عراق لكل العراقيين ...!

هادي فريد التكريتي  *

حشدت الحكومة التركية مئات الآلاف من جنودها المدعومين بالدبابات وسلاح الجو ، وما يقتضيها من عتاد ومؤنة ، على الحدود العراقية الشمالية من اقليم كوردستان ، بحجة مكافحة إرهاب متمردي حزب العمال الكوردستاني التركي ، بعد أن رفضت تركيا كل مقترحات الحكومة العراقية بصدد حل المشكلة سلميا ،الموقف التركي المتعنت يستغل ما يعانيه العراق من وضع داخلي متمزق ، فالحكومة المركزية غارقة في خلافاتها مع الفصائل السياسية المكونة لها ، وهي غير قادرة على اتخاذ قرار موحد بصدد أية قضية مهما كانت ،وكل وزارة تنفذ ما يراه وزيرها وفق رؤية الفصيل الذي يمثله ، وهذا شأن البرلمان أيضا ، كما هو شان الرئاسة ومكتبها ، فكل أعضاء هذه المؤسسات ، يزورون مختلف البلدان ، الإقليمية والأوربية والأمريكية منفردين ،أو ضمن وفود ، وكل يدلي بتصريحات متناقضة ومتضاربة ، عن الوضع العراقي وكيفما اتفق ، وكأن أمر هذا البلد لا يعنيهم بالمرة ، أو ربما اعتقده البعض منهم ملكية خاصة به ، فرئيس الوزراء المالكي يزور العديد من دول الجوار دون أن يقدم تقريرا عن زيارته أمام مجلس النواب ، وكأن الأمر شأن من شؤون طائفته ، وليس باعتباره رئيسا لحكومة العراق، وكذا رئيس الجمهورية وأعضاء مكتب الرئاسة ، كل منهم يعتقد أنه ممثلا لانتمائه العرقي والطائفي ، وليس كونهم مكتبا رئاسيا للجمهورية العراقية ، وكذلك شأن المجلس التشريعي وهيئته الرئاسية ، وليس الحال بأفضل من هذا الواقع، فيما يخص العلاقة القائمة بين الحكومة المركزية وإقليم كوردستان ، فالتنسيق معدوم بينهما، كما هو الحال بين المجلسين التشريعيين في المركز والإقليم ، وهذا ما جعل البعض يعتقد أن الأقليم الكوردي وحكومته غير معنيين بسياسة الحكومة المركزية ، إلا ما يترتب بذمة الحكومة المركزية من التزامات مادية تجاه الإقليم ، وكذا المركز لا يهمه ما يجري في إقليم كوردستان ،حتى وإن تعرض الإقليم لمخاطر جدية من جيرانه ، نتيجة لنشاطات عسكرية لحزب العمال الكوردستاني ، ضد الحكومة التركية ، على الرغم من أنها نشاطات غير مرغوب فيها من على الأرض العراقية ، ولم تكن وفق رغبة كوردية عراقية ، حتى وإن كان بعض القوميين من الكورد ممن يدعمون سرا هذه النشاطات ، دون علم أو دعم من حكومة الإقليم ، كما إنها غير خاضعة لسيطرتها ، مع الجزم بأن هذه النشاطات لم تكن وليدة الساعة .
الحكومة التركية على علم بهذه الحركة المسلحة منذ سنين طويلة ، وهي غير قادرة على القضاء عليها عسكريا ،كأي حركة مقاومة قومية ـ وطنية ، تجد ملاذا لها بين أحضان شعبها المجزء ـ بين تركيا والعراق وإيران وسوريا ـ الذي يشاركها أهدافها ومنطلقاتها، في الحرية والتحرر من الاضطهاد القومي والشوفيني الواقع عليها ، كما ترى، هذه الحركة الغير معترف بها ، في الديموقراطية والحوار السلمي أسلوبا لحل صراعها مع الحكومة التركية ، فالحل لن يكون إلا سياسيا أولا وأخيرا ، وهذا ما ترفضه الحكومة التركية ، أما حمل السلاح والمقاومة فما هو إلا مظهر من مظاهر الضغط على الحكومة التركية ، وعلى القوى الديموقراطية في العالم ، للإقرار بالحقوق السياسية للكورد المجزء وطنه وشعبه .
الاحتلال الأمريكي وتواجد القوات الأجنبية على أرضه ، تسبب في ضعف العراق حكومة ومؤسسات أمنية ودفاعية ، كما تسبب في احتراب مكوناته الطائفية والقومية فيما بينها ، واصبح العراق هو المكان المناسب و الظرف المناسب لحل كل تناقضات وخلافات بعض دول الجوار مع الولايات المتحدة الأمريكية ، فالعراق غدا ساحة نزال لتحقيق أهداف لا يمكن أن تحققها دول الجوار في ظرف آخر، إن تعافى الوضع العراقي وتمكنت حكومته من فرض سيطرتها وسيادتها على كل جزء من العراق .
فسوريا تغازل تركيا ، وتعطيها الحق في دخول العراق للقضاء على المقاومة الكوردية التي يقودها حزب العمال الكوردستاني ـ التركي ، ليس حبا بتركيا ، بل كرها بالكورد ، وإمعانا في توسيع شقة الخلاف التركي ـ الأمريكي ، في الموقف الأمريكي من تحميل تركيا مسؤولية ذبح الأرمن ، ومحاولة جر تركيا لأن تقف موقفا مؤيدا لها في نزاعها مع أمريكا ، في الموقف من إسرائيل والمحكمة الدولية ـ اللبنانية ،ومسؤوليتها عن التفجير الذي أودى بالحريري وركبه ، كما تبحث عن مؤيد لها يبرؤها من تهمة دعم ومساعدة الإرهابيين في العراق .
و إيران الحليف لسوريا ، تعضد وتدعم الموقف التركي في جهوده للقضاء على حزب العمال الكوردستاني وغزوه للعراق، فالمشكلة الكوردية في إيران هي بعينها ما تعاني منه تركيا ، وكلنا يتذكر حكومة مهاباد ، أول حكومة كوردية قامت في أربعينيات القرن الماضي في إيران ، لذا فالمصيبة قادمة حتما ، بعد أن تحقق بعض النصر للكورد في العراق ، وإذا ماتحقق لاحقا في تركيا ، لابد من أن يتحقق غدا في إيران ، فالقضية قضية وقت ليس إلا ، وإيران في نزاع مع أمريكا منذ سقوط الشاه في العام 1979وسيطرة الملالي على الحكم ، وهي أيضا متهمة بدعم ومساندة الإرهاب في العراق ،عن طرق ميليشيات عراقية ، قوات بدر ، وجيش القدس الإيراني ، وبالأمس قامت ميليشيات "جيش المهدي " باختطاف شيوخ ديالى ، وهذا ما كان له أن يكون دون إيعاز من الحكومة الإيرانية ودعمها ، كما تحاول إيران جر تركيا إلى موقف داعمة لها في نزاعها مع أمريكا، بصدد موقفها من تهديد بإبادة إسرائيل ، ومحاولة امتلاك السلاح النووي ، والعقوبات التي تسعى أمريكا ودول أخرى فرضها على إيران ، .
وتركيا شريك موثوق به ، وحليف تاريخي يعتمد عليه لأمريكا في المنطقة ، وأمريكا لا يمكنها الإستغناء عن تلك الشراكة ، ولا يمكن أن تعرض تحالفها مع تركيا للإنهيار، أو تسمح لها بالذهاب ـ زعلانة ـ إلى التحالف الروسي الإيراني مع بقية الدول الواقعة على بحر قزوين ، وبذا تخسر أمريكا ، الطاس والحمام، كما يقول المثل ، فالخبراء العسكريون ، الأمريكان ، ومعهم وزيرة خارجيتهم ، قادمون إلى أنقرة لتنفيذ كل ما تطالب به من تعويضات عن حشدها العسكري الحالي على الحدود العراقية ، وما تحتاجه تركيا من مطالب وضمانات ليس أولها رفع الإدانة ومسؤوليتها عن مذابح الأرمن ، وليس آخرها الضغط على العراق وحكومته المركزية ، وحكومة إقليم كوردستان، لطرد حزب العمال الكوردستاني من المنطقة العراقية ، بل و تقديم الضمانات لها ، لتعديل الدستور العراقي بموجب المادة 142، الذي لا يمكن الركون لأي اتفاق سياسي أو اقتصادي ، أو تشريع أي قانون و نفاذه ،أو حل أي من المشاكل العراقية ، دون تعديل المواد المختلف عليها ، فالفيدرالية وحل قضية كركوك ، تعتبرها تركيا ، من القضايا التي تهدد أمنها وأمن المنطقة إن لم تنسجم مع الأهداف التركية ، وهذا ما ستنصاع له الدولة العراقية طالما هي غير قادرة على تحقيق وحدة وطنية عراقية ، و عراق لكل العراقيين ..!

29 تشرين أول 2007

 * عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد
 

Counters