موقع الناس http://al-nnas.com/
عدوى الديموقراطية ..وعمرو موسى..!
هادي فريد التكريتي
الأربعاء 29/3/ 2006
الديموقراطية ، في دول الديموقراطيات العريقة بممارستها ، تحترم
ليست فقط تلك النصوص المكتوبة التي يشتمل عليها الدستور ، وإنما تلك الأعراف
المرشدة ، والقواعد المؤشرة على النهج الديموقراطي للحكم ، والديموقراطية لا
تعني المساواة فقط بين مكونات المجتمع ، من رجال ونساء ، وطوائف أثنية وقومية ،
وتمتعهم بحقوق متساوية أمام القانون ، إنما تعني كذلك احترام إرادة المجتمع
الذي أرسى قواعد وتقاليد صياغة الدستور ومواده ، وآليات وقواعد أخرى التي مورست
وقت صياغته ، ربما تكون مكتوبة ، وربما لا تكون ، إلا إنه يجري التعامل بها
ومعها كضوابط مستقبلية ، وكنصوص في مواده ، لا يمكن الإخلال بها أو تجاهلها ،
وحتى لايجوزتعديلها ، مهما كانت الظروف والأحوال ، وحتى في الظروف القاهرة جدا
، إن تم تعديل بعض نص في مادة ما ، نتيجة لحروب أو لكوارث طبيعية ، فليس قبل أن
يتم الشرح والتوضيح للمجتمع ، عن الأسباب والدوافع التي تطلبت هذا الأجراء ،
وإن كان من النادر الإقدام على تعديل ما لصالح فرد ، لتمديد رئاسة مثلا ، فمثل
هذا ُيعتبر مؤشر لنهج دكتاتوري يغتصب حقوق الأفراد ، ويستهين بقدراته! م ،
فالشعب عندهم دائما ، معين غير ناضب من قدرات المواطنين الخلاقة والمبدعة ، وهو
من يرفد المجتمع بالقادة والمبدعين ، ذوي مؤهلات إبداع وتطور ، في كل مجالات
الحياة وليس هناك من مجال ، لاكتشاف قدرات المواطنيين سوى الممارسة العملية في
مؤسسات المجتمع التي يكفلها الدستور للمواطن .
هذا الواقع لم نعرفه أو نراه في مجتمعاتنا العربية أو الإسلامية ، فلا قدسية
لدستور وضعي ، يختاره المجتمع لتنظيم حياته ، ولممارسة المواطنين لحقوقهم
وضمانتها ، نتيجة لفهم خاطئ للحياة عندنا ، يمزج قسرا بين الدين والدنيا ،
بالرغم من أن الأديان قاطبة ، بغض النظر عن اختلاف في التفاصيل ، تهدف سعادة
الإنسان وإعلاء قيمه ، وأعطته الحق لتنظيم حياته ، ' أنتم أعلم بأمور دنياكم '
وفق تطور سنن الحياة وقوانينها الموضوعية . الوسائل التي حققت للغرب ، بشكل عام
، تطوره وتقدمه هي الأساليب الديموقراطية في الحكم ، وهذا ما يتنادى له
المصلحون الاجتماعيون ، والقادة السياسيون ، ورجالات الحكم ، عندنا ، على الرغم
من أن البعض من رجال الحكم ورجال السياسة لا يؤمنون بهذه المبادئ ، إلا أنهم لا
يجدون فتيلا من الت! ماهي مع ضغوط المطالبين بها ، ولو لفترة من الزمن ، حتى
يجدوا الحجة والس بيل للنكوص عنها ، لذا نراهم لم يعدموا الوسيلة ، وهم يحاولون
الإلتفاف على مبادئها ونهجها ، وافراغها من محتواها ، واتباع أساليب تزيف
جوهرها ومحتواها ، فالكثير من الحكام ' المنتخبون ' وفق مبدأ 99’99% من رؤساء
الجمهوريات عندنا ، تنص دساتيرهم الوطنية و' الدموقراطية '، على فترة زمنية
لتوليهم رآسة الدولة ' الجمهورية' ، إلا أنهم يخرقون الدستور ، لأكثر من مرة ،
بتعديلات غير دستورية ، من أجل البقاء على دست الحكم ، دون مبرر أخلاقي أو
قانوني ، حتى تحولوا إلى ملوك يورثون رئاسة ' الجمهورية ' لأولادهم ، وربما
لأحفادهم ، ورغم هذا نجدهم يتحدثون عن الديموقراطية والإصلاح الديموقراطي بصوت
عالي ، دون خجل أو حياء ، حيث حولوا مجتمعاتهم إلى مزرعة خاصة ، أو مجتمع '
خصيان ' لا يجود المجتمع بفحل من سواهم ، أو غير قادر على إنجاب من هو مؤهل
لتولي أمر العباد أو الرعية من بعدهم ، إنها المأساة التي تعيشها شعوبنا بحكم
هؤلاء الحكام ، ولو كانوا قد أنجزوا منجزا حضاريا ، أو أسسوا نهجا يعود على
الملايين المعدمة بلقمة عيش شريفة ، لهان الأمر ، ولاستخلفنا أمر ربنا فيهم ،
إلا أنهم جرونا ، ويج! روننا من جريمة لأخرى أبشع منها ، ومن هزيمة لأخرى أشنع
من سابقتها ، وأوقعوا شعوبنا ومجتمعاتنا في خذلان وفرقة ليس في التاريخ لها
مثيلا ، والأكثر من كل هذا ، وبعد كل هذه الهزائم ، يخرجون علينا بأنهم حققوا
مكاسب وانتصارات لشعوبهم ، ليس هذا ما حصل في العراق فقط ، وما ارتكبه من جرائم
بحق العراقيين والعرب ، القائد 'المهزوم أبو الهزائم ' ، فهناك الكثير منه في '
بلاد العرب أوطاني ' منهم من مضى على تسنمهم الحكم أكثر من ثلاثين عاما ، ولا
زالت تعاني شعوبهم ، من فقر وتخلف وفساد نتيجة حكمهم ، ما عانى الشعب العراقي ،
ولكن دون الإتعاظ بما حصل للعراق ولشعبه ..
العدوى ، عدوى تمسك الحكام بالنهج ' الديموقراطي ' وفق مواصفات ومقاسات الحكام
، انتقلت إلى الجامعة العربية ، فالجامعة ، هي نسخة طبق الأصل من واقع الحكام
العرب ، وفشلهم في قيادة شعوبهم نحو واقع أفضل ، أو تحسن في أداء تعاملهم مع
شعوبهم ومنظمات المجتمع المدني ، فالجامعة العربية أسوة بمن ُتمثل من الأنظمة ،
لم تحقق للعرب أيا من طموحاتهم ، لا سوقا عربية ، ولا وحدة اقتصادية ، ولا أمنا
إقليميا ، ولا محكمة عربية ، ولا مسعى ، ( على عينك ! يا تاجر ) من أجل حرمة
واحترام للمواطن ، أو تمتعه بحقوق آدمية ، تضمن ال حد الأدنى من حقوق الإنسان
في العالم ، ولم يبد رئيس الجامعة ، حتى مجرد مشورة ، ولو بالسر يبديها للحكام
العرب ، من ضرورة الإلتزام بنصوص ومواد دساتيرهم ، واحترام تواقيعهم التي
حملتها تلك الدساتير ، المغرقة بتفاصيل مختلفة عن حرية المواطن وحقوقه ، دون
تطبيق أو ممارسة لها . بعد كل هذا الفشل الذي تحقق ، لعمرو موسى ، في قيادة
الجامعة العربية ، يستأثر بخرق دستورها ، ويسعى ، بل سعى وانتهى الأمر ، إلى
تعديله ، لتعاد تسميته لولاية جديدة ، لرآسة الجامعة العربية .هل هي عدوى
الحكام والقادة الفاشلين ؟ ما هو التقييم الذي جرى لفترتي قيادته للجامعة ؟ وهل
هي مكافأة للفشل في عدم تحقيق أدنى طموح لشعوب الدول العربية ؟ ما هي المؤهلات
التي يحظى بها السيد عمرو موسى ، ويفتقد لها الآخرون ؟ الدول العربية نفوسها
تربو على ثلاثمائة مليون ، أليس فيهم من هو أهل لشغل هذا المنصب غيره ؟
والخبراء والعلماء والسياسيون من الدول العربية ، تضج بهم مؤسسات ودوائر الدول
الرأسمالية والديموقراطية ، وكلهم يتمتعون بكفاءة عالية في مجالات علمهم وعملهم
!! والسؤال المهم ، لماذا تبقى قيادة الجامعة مرهونة بمصر ، وخاضعة لتوج! هات
حكمها ؟ ولماذا لم تعارض وزارة الخارجية العراقية هذا النهج ؟ وهذا ما يجب أن
تناضل دونه وتسقطه القوى الديموقراطية في مختلف البلدان العربية .
على القوى الديموقراطية العراقية ، بكل أحزابها ، وتوجهاتها الفكرية والتنظيمية
، أن تضغط باتجاه عدم جواز تعديل الدستور ' مطلقا ' فيما يخص رآسة الدولة
العراقية لأكثر من دورتين متتاليتين ، وحبذا لو أقدمت الأحزاب العراقية ، على
النص في أنظمتها الداخلية بعدم جواز إعادة انتخاب ، رئيس الحزب أو سكرتيره أو
أمينه العام ، لأكثر من دورتين كذلك ، وفي هذا المنحى تتجدد القيادات وتتفاعل
مع كل جديد ، كما تترسخ المبادئ الديموقراطية في نهج هذه الأحزاب ، وتحول دون
تعميق نرجسية القادة ، بعدم وجود البديل القادر على إدارة الدفة من بعدهم
..وبذا يمكن الحيلولة دون انتقال عدوى الديموقراطية المزيفة ، في مؤسسات
المجتمع ..!