نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

 

 

 

 

الأحد 26/2/ 2006

 

 

 

أين الحقيقة ...يا حكومة !!

 

هادي فريد التكريتي

هناك إجماع شعبي ووطني ، كامل من قبل كل القوى السياسية الوطنية العراقية في بياناتها ، على إدانة للتفجير الذي أستهدف مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري ، ولكل الجهات التي تقف ورائه ، على الرغم من عدم إعلان أية جهة عن مسؤولتها لهذه الجريمة ، وهذا بحد ذاته أمر مريب ، إلا أن البيانات الصادرة من قوى الإسلام السياسي ـ الطائفي ومرجعياته ، بشقيه ، الشيعي والسني ، قد تفاوتت في توجهاتها ، ولم تكن بمستوى واحد من الدعوة لضبط النفس وتفويت الفرصة على المجرمين ، من عدم تمكينهم من تحقيق ما يهدفون إليه من زعزعة للأمن ، وإشعال نار حرب طائفية ، بعد أن فشلت كل المساعي والجرائم المرتكبة سابقا من قبلهم لتحقيقها . هذه الجريمة تأتي نسفاا لكل الجهود وما تحقق من نجاح بين مختلف الأطراف العراقية وتوجهاتها السياسية ، وهي على وشك أن تحقق اتفاقا لتشكيل حكومة منتخبة ، قبل جريمة تفجير المرقدين في سامراء بأيام .
وبحجة تفشي الإرهاب وعدم قدرة الحكومة على ضبط الأمن ، ( الغريب أن هذا حاصل منذ أمد طويل فلم التهديد ؟) هددت بعض المرجعيات الدينية على إنزال ميليشيات من " المؤمنين " لحفظ الأمن والأماكن المقدسة ، في حال عجز الحكومة عن منع أعمال العنف التي يقوم بها السنة. الشعب كله كان يجأر بالشكوى ، من هذا الوضع المتدهور ، فقد حذر منه الكثير من المثقفين والكتاب العراقيين وغير العراقيين ، كما اقترحوا حلولا ومعالجات لما يحصل ، إلا أن الحكومة ومؤسساتها الأمنية ، وحتى المرجعيات ، كانت منشغلة بأمور أخرى بعيدة عن مصالح الشعب اليومية وهمومه ، وما ينبض به الشارع والوطني من شكاوى أمنية وغيرها ، ولم تعر كل هذه الجهات اهتماما لما يجري وكأن الأمر مخطط له أن يتفجر في سامراء ، وفي مرقد الإمامين الذي أثار حفيظة الشيعة ضد السنة. لا أبالية المواقف وتساهل الحكومة في إجراءاتها الأمنية المتخذة ، قبل تنفيذ الجريمة لا يخلو من موقف ملتبس ، كما أن قوى الإرهاب الطائفي ـ السني والسلفي ، المتحالفة مع القوى البعثية الصدامية ، ربما هي قد شاركت فعلا ، في ارتكاب الجريمة من خلال اختراق عناصرها لمواقع مسؤولة في أجهزة الشرطة ، التي سبق وأن أعلن عنها السيد وزير الداخلية ، قد سهلت أو تسترت ، على تفعيل هذا العمل الجبان ، كما لا يمكن استبعاد أجهزة أمن وميليشيات حزبية طائفية لوحدها ، أو متعاونة مع استخبارات دولية ، وربما الأخيرة تعمل مستقلة أيضا ، وكل طرف يسعى لتحقيق غاياته وأهدافه من وراء تنفيذ هذه الجريمة . أغلب لأطراف الشيعية ، قيادية في الحكم وخارجه ، ألقت بمسؤولية تردي الأوضاع الداخلية على تدخل السفير الأمريكي ، زلماي زاد ، في الشأن العراقي ، واعتبار محاولاته المبذولة لتشكيل حكومة وطنية ، يصب في مصلحة السنة بشكل خاص .
ربما يعتقد البعض أن ، احتمال ، إقدام ميليشيات القوى الطائفية ، بنوعيها ، على تفجير المراقد المقدسة عمل مستبعد ! ربما ، ولكن علينا هنا أن نفرق بين أخلاقيات السياسة وأخلاقيات المبادئ ، فالمليشيات ، بأنواعها وإن اختلفت تسمياتها والجهات التي تنتسب إليها ، ترتكب يوميا أبشع الجرائم ، وأبشع هذه الجرائم هي قتل الإنسان ، الذي حرم الله قتله والتمثيل بجسده ، فهل انتهت هذه القوى الملثمة والمسخرة لتطبيق الدين وتنفيذ أوامره ، عن ارتكاب جرائمها وهي تعرف هذه الحقيقة ؟ كما أن المليشيات بكل أشكالها وأنواعها تنفذ رغبة سياسية ، وعندما تصطدم هذه الرغبة بمقاومة من معارضة ما ، فالأمر يقتضي إزالة هذه المعارضة عن الطريق ، مهما كان الثمن ، ولا يهم شكل ونوع العمل الذي يستخدم لإزاحتها ، لو نظرنا إلى الواقع العراقي والمشاريع التي يراد تنفيذها طائفيا ، والصعوبات التي تقف أمام هذه المشاريع لا يمكن تجاوزها دون انفراد بالسلطة ، أو دون استبعاد الطرف المعارض أو المناهض ، بأي شكل كان ، وهناك الكثير من الأمثلة التاريخية التي قامت بها في عالمنا الراهن ، قوى قومية ودينية وطائفية للوصول إلى أهدافها وتحقيقها ، ولولاها لما استطاعت أن تحقق ما هي تحلم به من مشاريع ، فعلى سبيل المثال ، ألمانيا والحزب النازي ، ألم تحرق فرق الحزب النازي الرايخشتاغ وُيتهم هتلر الشيوعيين بحرقه ليقيم سلطته الفاشية.؟ والصهيونية ألم تفجر أماكن عبادة اليهود في دول كثيرة لتجبر اليهود على الهجرة إلى فلسطين ؟ وألم تفجر فندق الملك داود في القدس وفيه مناصروهم ومؤيدوهم من القادة الإنكليز ؟ ومن فجر مقر حزب جمهوري إسلامي الإيراني ؟ وفيه 72 شخصية من أبناء الثورة حيث كان المستهدف آيت الله بهشتي ، لقمع أية معارضة وإرهابها ، لتسيطر فئة الملالي المتشددة على كل مفاصل الدولة ! وعندنا من فجر الصحن الحيدري في كربلاء الذي استهدف شهيد المحراب وصحبه ، آية الله محمد باقر الحكيم ، لدق إسفين بين طوائف الشعب العراقي ، والجريمة لا زالت مجهولة الفاعل ، وإن كل العراقيين يعرفون منفذها !، إلا إنه لم يتم الإعلان عن الجاني ، ونتيجة التحقيق حتى الآن مجهولة ، وربما قد طواها النسيان ؟
عدم تشكيل الحكومة حتى الآن ، من قبل أكبر القوائم ، أوقعها في مأزق دستوري ، لا تستطيع تجاوزه ، دون معجزة تنقذها من هذا الواقع ، بعد أن اقترب موعد افتتاح البرلمان ، وهي تعلم عدم حصولها على النسبة التي تؤهلها أن تتجاوز بها نتائج تصويت البرلمان عليها ، من دون مساهمة شريك لها ، وهذا الشريك المرغوب فيه ، هو الطرف الكوردي ، الذي يرغب في تشكيل حكومة وحدة وطنية ، تضم كل أطراف القوائم الفائزة . هناك من يعارض هذا التوجه ، فالصقور " المتطرفة " من مليشيات بدر ، إيرانية المنشأ والتدريب والتجهيز وتنفيذ الأهداف ، التابعة لقائمة الائتلاف الشيعي ، في البرلمان وفي وزارة الداخلية ، والمتهمة في ارتكاب جرائم قتل واغتيالات للكثير من المعارضين ، سنة وعلمانيين ، لا مانع لديها من تنفيذ جرائم أبشع من تفجير المراقد ، فكل السبل عندهم مشروعة ، إن كانت تحقق لهم أهدافهم الطائفية والسياسية ، أو تحول دون مساهمة أو عرقلة مشاريع الخصوم ، وهذا الواقع ينطبق ، بنفس الدرجة ، على القوى الطائفية السنية ، من البعثيين ـ الصداميين ، والجماعات التكفيرية المتحالفة مع هذه القوى ، فلا شيء مقدس ، ولا شيء يحول ، مهما عظم ، دون الوصول إلى الغرض الذي من أجله ارتكبوا جرائمهم السابقة ولازالوا يرتكبونها ، قبل وبعد نتائج الانتخابات . فالمعارضة الشديدة لإقامة حكومة من كل القوائم الفائزة ، وفشل محاولة تشكيلها دون مساهمة الفائزين ، أفرزت واقعا حله يتطلب إجراء عملية قيصرية ، إلا أنها مطروقة من قبل ، ولا يمكن تجاهل التاريخ أو تجاوز حوادثه وكوارثه ، وهذا ما حصل .
بيان وزارة الداخلية الذي أصدرته بخصوص تفجير المرقد ، منشور على موقع رئاسة الجمهورية ـ المكتب الصحفي في 22 شباط والموضوع على موقع " صوت العراق " الألكتروني ليوم 25 شباط ، يقول :" في كل يوم يبرهن الطائفيون والتكفيريون والإرهابيون ومن يقف وراءهم بأنهم أعداء الله والإنسانية فقد قامت مجموعة إرهابية مساء الثلاثاء 21 / شباط في الساعة السابعة وخمسين دقيقة أحدهم يرتدي ملابس عسكرية مرقطة وثلاث يرتدون بدلات سوداء وسيطروا على ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام وقاموا بوضع عبوات ناسفة داخل الضريحين المقدسين . وفي الساعة السادسة و40 دقيقة صباح هذا اليوم 22 / شباط تم تفجير العبوتين مما أدى إلى هدم القبة بشكل كامل وجزء من الجدار الشمالي للضريح وعلى الفور تحرك لواء المغاوير في سامراء إلى محل الحادث وتمت السيطرة على الموقف . وتود وزارة الداخلية أن تبين أن قوة حماية الضريح تبلغ 35 عنصر من قوة حماية المنشآإننا في الوقت FBS ت الذي نستنكر فيه مثل هذا العمل الجبان الذي استهدف مقدسات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ندعو الجميع إلى توخي الحذر في تصرفات هؤلاء الطائفيين التكفيريين الذين يحاولون الإساءة إلى العراقيين الشرفاء والنيل من الوحدة الوطنية وعلى الفور شكلنا لجنة تحقيقة للوقوف على مجريات الحادث وسيتم إشعاركم بالإجراءات "
بغض النظر عن رداءة أسلوب وصياغة البيان ، إلا أنه يورد معاومات دقيقة ومهمة ، دون أن يشير إلى مصدرها ، ولا أحد يستطيع أن يدلي بمثل هذه المعلومات دون أن يكون مساهما في التنفيذ أو التخطيط ، أو مخبرا شاهد عيان ، إلا أن البيان يتجاهل الكثير من التساؤلات ، ولم يوضح البيان أيضا إن كان هناك منفذون تم إلقاء القبض عليهم أم لا ؟
فإذا كان شاهد عيان ، فلماذا تأخر بإخباره السلطات حتى ما بعد التنفيذ ؟ هل هو من الجماعة المنفذة ، وإذا كان كذلك لماذا لم ُتعلن هويته ومن معه ؟ الأمر الآخر ، أن الفرق بين السيطرة على المرقد ووضع العبوات الناسفة وتفجيرها ، استغرق 11 ساعة ، وهذا الوقت ، هي الفترة الزمنية التي استغرقها تحضير وتجهيز المواد وإعدادها ، وحتى لحظة التفجير .! الوزارة تذكر في بيانها أن 35 عنصرا هم قوة الحماية ، إلا أن معلومات أخرى قالت أن 3 عناصر فقط هم من كان في الموقع ، وعلى الرغم من هذا الفرق ، كيف جرى التعامل مع القوة المنفذة للعمل وقوة الحماية البالغة 35 عنصرا ؟ العمل استغرق كل الليل وأطراف من النهار في موقع الجريمة ، وموقعها وسط المدينة ؟ هل كان المنفذون يستخدمون الكهرباء لإنارة عملهم الذي يقتضي الدقة والنور الجيد ، ـ لأنه يتم عن طريق ربط أسلاك بحشوات لمواد شديدة الإنفجار ـ ، استخدام الكهرباء أو الضوء ألا يجلب اهتمام المواطنين ؟ ـ الذين يعيشون في ظلام منذ زمن طويل ـ أوقوى الأمن على الأقل ؟ هذا العمل أدى إلى تدمير سطح المرقد بالكامل ، معناه أن المجرمين المنفذين عملوا على السطح مكشوفين للمارة ، ومن مسافة بعيدة . العمل استغرق كل هذا الوقت ، وعدد المنفذين ربما جاوز العشرة عناصر ، ألم يثر شبهة لدى لواء المغاوير المرابط في سامراء ؟ ألم تكن هناك دوريات لهذا اللواء ؟ كيف يحفظ الأمن في المدن العراقية ، من قبل المغاوير ياسيادة الوزير؟ إن كانت مثل هذه الجريمة تقع وسط المدينة ولمرقد مقدس ، المفروض فيه أن تكون قد وضعت عليه وتحته عشرات الخطوط الحمر ، فكيف "بمراقد " المواطنين البؤساء المنسيين في وطنهم ، هل تتذكرونهم وهل ستحميهم مغاويركم ؟ أم أن مغاويركم لحماية القتلة والتستر على المجرمين ؟ في مؤتمركم الصحفي يوم السبت 25 شباط أعلنتم عن اعتقال ستة من المجرمين المنفذين ، نتمنى أن نرى ونسمع نتائج تحقيقاتكم ، وهل ستكون نتائجها كنتيجة التحقيق مع شريككم في الائتلاف الحاكم قائد جيش المهدي ، مقتدى الصدر ، عندما ارتكب جريمة قتل الخوئي ، أو كما آلت إليه نتيجة التحقيق عند تفجير موكب شهيد المحراب ، محمد باقر الحكيم ، وهل هناك من لا يزال يطالبكم شخصيا بمصير التحقيق ونتائج سجن الجادرية السري ؟ أنتم مطالبون بالإعلان عن النتائج وإلا أنتم من نفذ ، تخلصا من استحقاقات حكم شعب ووطن ، أنتم غير قادرون على تنفيذها مع شركاء لكم يخالفونكم في توجهاتهم الوطنية ! والشعب سيحاسبكم عليها إن سنحت له الفرصة يوما !

26 شباط 2006