| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

 

 

 

السبت 23/2/ 2008



المثقف .. والوطن ..والسلطة ..!!

هادي فريد التكريتي *

لست بصدد تعريف أو إيجاد تعريف للمثقف ، بقدر تبيان ما له ، من أهمية ودور يلعبه في حياة المجتمع ، فهو الدليل والهادي لبناء غد أفضل للمجتمع ، على كافة الصعد ، ولا يتقدم عليه في أهميته الفكرية والعلمية أي شخص آخر مهما علت منزلته السياسية ، أو الاجتماعية . فالمثقفون ، وعلى اختلاف درجاتهم ومستوياتهم ، هم حجر الزاوية في بناء المجتمع، تطويره وتقدمه وازدهاره ، ومجتمعنا العراقي اليوم ، بأمس الحاجة لهم لإعادة بنائه ، وكافة مؤسسات الدولة ، الذي خربته الفاشية ونظامها البعثي قبلا ، ولاحقا أكملت خرابه ، قوات الاحتلال وقوى حكم المحاصصة الدينية / الطائفية والقومية / العنصرية، ولكن أي نوع من هؤلاء المثقفين ، العراق بحاجة لهم ..؟

في كل وقت وزمان ، هناك مثقفون ، برسم الإيجار وتحت الطلب ، ولمن يدفع أكثر ، وفي العراق من هؤلاء تواجد الكثيرون منهم ، في الماضي والحاضر ،وأطلق عليهم اسم "مثقفي السلطة "،لأن ما يهمهم هو بقاء الحاكم في سلطته ، أطول فترة ممكنة ، باذلين الجهد على ترسيخ نظامه بشتى الوسائل والأساليب المتاحة لهم ، تحقيقا لطموحاته الشخصية ، المتناقضة في أغلب الأحيان ، مع تطلعات وأهداف الشعب ، فهم غير معنيين بمصلحة الشعب ولا حرية الوطن ، بقدر ما يعنيهم نفوذ زائف ، متساوقا مع توجهات الحاكم ونظام حكمه ، يحققون من ورائه كسبا ماديا ، وعيشا رغيدا ، على حساب لقمة عيش المواطن وحريته ..

الشعب العراقي ، يعيش في وطن محتل ، متعدد القوميات والأديان والطوائف ، فهو، يحتاج إلى مثقفين وطنيين وأحرار، يكرهون الاحتلال ويحاربونه ، وينبذون الطائفية والعنصرية ، بعيدين عن السلطة وتأثيرها ، يتمتعون بحرية الفكر والتفكير، والقدرة على المعالجة ، لا رقيب عليهم سوى ضمائرهم ووطنيتهم ، ولا خوف عليهم من مساءلة حاكم أو رقيب ، فيما يطرحون من معالجات جادة وصائبة ، لأوضاع البلد السائدة ،أمنية ، سياسية ، اقتصادية ، اجتماعية، وغيرها من المشاكل ، التي تتطلب حلولا عاجلة ومؤثرة في نتائجها على حياة الشعب ، ووحدة أراضيه، كما تتطلب جرأة في النقد الصريح للفاسد ، بغية علاجه ، بغض النظر عمن تسبب بهذا الفساد..

البعض من المثقفين العراقيين ،وخصوصا مِمَنْ كانوا مِنْ ذوي أصول فكرية ماركسية وشيوعية ، انقلبوا على أفكارهم وعقائدهم ، لـ " صحوة فكرية " (لوثة فكرية) أصابتهم باتجاهات بائسة ، طائفية وعنصرية محضة ، فما عاد يعجبهم النقد الذي يوجهه بعض الكتاب والمثقفين ، من وطنيين وديموقراطيين وتقدميين ، في الوقت الحاضر، لقوات الاحتلال " المتعددة الجنسية " ولسلطة المحاصصة الطائفية والعنصرية ، الشريك الفعلي ، لقوات الاحتلال ، لما أحدثته طرق ووسائل حكمهم الفاشلة ، من خراب ودمار في البلد ، وطيلة خمسة أعوام من حكمهم ، والمواطن العراقي ، يئن من ثقل البلوى التي فرضها هذا الحكم ، عن طريق ميليشياته المتعددة الأسماء والانتماءات ، والتي عاثت فسادا في كل شبر من الوطن ، أبسطها التهجير وقتل الأبرياء ،رجالا" ونساء" ، انشغلت عنهم كل الحكومة ووزرائها ، والمجلس النيابي ، وهيئاته ، بنهب ثروات لبلد ، وتقاسم مغانم الحكم ، دون حسيب أو رقيب ، مع تعطيل شبه كامل لعمل مؤسسات الدولة ..من يتحمل مسؤولية هذا الواقع العراقي المزري ، والخراب الذي شمل كل بيت وحارة ، ومن هو المسؤول عن معالجة هذا الهشيم الذي لم يبقِِ زاوية في هذا الوطن إلا وطالها اللهب ، منذ أن دخل الاحتلال وحلفاؤه ، الذين تقاسموا أدوار الخراب لوطنهم ؟
مثقفو السلطة ، من المرتدين عن هويتهم الوطنية ، إلى طوائفهم وعنصريتهم ، يستغلون اسم شهاداتهم الطويل ، وسمعة الدولة التي منحتهم إياها ، للتضليل والخداع ، لأنهم ارتدوا عن أفكار ومبادئ الحزب الشيوعي ، التي اعتنقوها ، يوما ما ، واليوم أصبحوا دعاة طائفية قذرة ، وعنصرية حاقدة ، موظفين قدراتهم العلمية والفكرية ، للدفاع عن نهج حكم لتحالفات فشلت ، حتى اللحظة ، في تحقيق الأمن ولقمة العيش للمواطن ،ويحاولون كم الأفواه ولجم الأقلام ، عن أية إشارة نقد لفشل السلطة في تنفيذ برنامجها المعلن ، بتحجيم نفوذ المليشيات ، وسحب أسلحتها ، وتدخلها غير المشروع ، في مؤسسات الدولة ، وهم أيضا يحاولون إخفاء النتائج السلبية لممارسات قوات الاحتلال ، ودورها في تخريب الوطن ، ببناء ميليشيات جديدة ، تأتمر بإمرة مخابراته ، لتنفيذ مخططاتها الإجرامية ، في حالة عدم تحقيق أهدافه كاملة ، عندما تبدأ المفاوضات الثنائية لعقد اتفاقات طويلة الأمد ، يُعَيُرنا هؤلاء المثقفين ، بنكران جميل هذا المحتل ، وحلفائه في الحكم ،لأنهم كما يقولون ، هم من أنقذوا العراق وشعبه، من حكم فاشي بغيض ، ولولاهم لما تحققت " الديموقراطية " ولا " الحرية " للشعب العراقي ، ديموقراطية القتل والتفجير ، وحرية النهب لثروات وتراث الوطن ، ..الوطنيون العراقيون ، وكل الشعب العراقي ، يعترف بأن أمريكا وجيشها ، هي من أسقطت النظام ، والحلفاء لها ، هم القابضون على الحكم القائم منذ العام 2003 ، وكل من إدارة الاحتلال ، والقوى العراقية المتعاونة معهم ، ساهمت في التدمير والخراب والحسم لأموال الدولة ونهبها ،أموالا وأسلحة ومكائن ثقيلة ، وأحدثت خرابا للقصور والمتاحف ، فلم يبق للعراق لا مال ولا ثروات ولا تراث ، والأهم من كل هذا ، التدمير الذي لحق بنفسية المواطن ، جراء إشعال نيران الطائفية والعنصرية، بين مكونات الشعب ، وتأجيج لهبها ..كل هذه حقائق لا يمكن إنكارها ، ومن الضروري الإقرار والاعتراف بها من قبل الجميع ،والحديث عنها علانية ، أيضا من قبل مثقفي السلطة ، فالقوى العراقية ، من العرب والكورد ، قوميين وعنصريين ، والأحزاب والقوى الإسلامية الطائفية ، التي تعاونت مع المحتل ، الكل يتحمل مسؤولية ما جرى ويجري في العراق ، بغض النظر عن تسمية للحكومات، والمراحل التي شكلت فيها ، وللتذكير فإن سقوط بغداد على يد المغول ، لا زال يدمغ العلقمي وحاشيته بالخيانة ، والتواطؤ مع التتار ، ولم تُبِرئ ساحته ، أو تخليه من المسؤولية ، وجود حاكم غاشم ،مثل المستنصر الخليفة العباسي ، ضعيف وسيئ الخُلق ، ما كان يهمه من أمر السلطة سوى جمع ألوان الذهب ، وهذا ما أودى بدولته للسقوط ، يشاركه بهذا الولع وهذا المصير ، رئيس النظام الفاشي صدام حسين ، فبناء القصور ، وتزيينها بالذهب ، وكتابة اسمه عليها ، تدلل على عنجهية مبتذلة وسوء خلق ، ونرجسية تافهة ، محاطا بمداحين ، من " مثقفي السلطة "، اكتشفت فيه داء العظمة ، فغذت فيه شهوة الحكم والخلود ، وهذا مالا نريده أن يتكرر أيضا ، في عراق اليوم ، لامن قبل الحاكم ،أيا كان ، ولا نحبذه عند المثقفين حوله ..
ما يحتاجه العراق اليوم ، مثقفين وطنيين أحرار يشكلون " السلطة الرابعة" ،يتمتعون بحرية التعبير المطلق ، لإيجاد حلول على أسس وطنية ، لمشاكل المجتمع، الطائفية والعنصرية ، والكشف عن الفساد والمفسدين، وسارقي الثروات، في أجهزة الدولة ، ومعالجة ملفاتهم، ومراقبة كل سلطات الحكم ومؤسساته، وعلاقتها الحالية والمستقبلية مع الإدارة الأمريكية ، وقواتها المتواجدة على أرض الوطن العراقي ..

* عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد



 


 

Counters