| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

 

 

 

 

الثلاثاء 22/8/ 2006

 


 

الأنفال مجزرة الحقد العنصري ..!

 

هادي فريد التكريتي *

' الأنفال ' أسم سورة قرآنية ، وكلمة ' الأنفال ' الواردة في الآية الأولى من هذه السورة ، تعني الغنائم التي يتم الحصول عليها في الحرب ، وكيفية تقاسم هذه الغنائم بين المسلمين المساهمين في الحرب ضد قريش ، والمنتصرين عليها ، ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين )
لقد اتخذ النظام الفاشي ، وقيادته البعثية ، هذا الإسم ، ' الأنفال ' عنوانا لجريمة العصر المرتكبة في ربيع العام 1988 ، بحق الشعب الكوردي ، ولم أجد رابطا يربط بين اسم هذه الجريمة ، ' الأنفال ' ، وتقسيم الغنائم ، فهي لم تسفر عن غنائم ، إلا بالمفهوم المجازي ' للغنائم ' ، حيث أسفرت عن قتل أكثر من 100ألف مواطن عراقي ـ كوردي ، وُدفن آخرون أحياء في مقابر جماعية ، توزعت على مناطق مختلفة من العراق ، لم يسلم منها حتى الطفل الرضيع ،كما صاحبت هذه الجريمة المروعة ، استباحة لحرمة شرف الكثيرمن النساء الكورديات، وُعزل الأطفال عن أمهاتهم ، والرجال عن عائلا تهم ، مع تدمير آلاف القرى ا! لكوردية ، وتهجير آلاف المواطنين من مناطق سكناهم إلى مناطق صحراوية متاخمة للحدود الأردنية والسعودية ، وهذا السبي هو النتيجة المنطقية لمفهوم ' الأنفال ' الفاشي والعنصري ، باركها كل القوميون والعنصريون العرب ، والكثير من المشايخ و' العلماء ' المسلمين ، الذين أنزلوا صدام الفاشي ، آنذاك ، منزلة الأنبياء وأضفوا عليه هالة النبوة والقداسة ، وكل ما احتوته سورة ' الأنفال ' من صفات أودعها الله في نبيه ، ألصقوها زورا بصدام الفاشي .

إضفاء الطابع الديني والقومي ، على هذه الجريمة النكراء ، محاولة لم تنطلِ على الشعب العراقي ، الذي يعيش مأساة الحكم الفاشي آنذاك ، منذ إعلان الحرب على إيران ، إن لم يكن قبل هذا الوقت ، إلا أنها جازت على الكثير من الشعوب العربية والإسلامية ، نتيجة لتضليل ديني ، وإثارة لمشاعر قومية ـ عربية ـ عنصرية ، فلا رأس النظام هو البديل عن النبي محمد ، ولا الكورد هم المشركون المناوئون للدعوة الإسلامية ، إنما هي محاولة لتزييف الأسباب والدوافع الكامنة وراء ارتكاب الجريمة ، وأن ُيظهروها بمظهر الحرص على الإسلام ووحدة أراضي العراق ، المحكومة بنظام قومي ـ فاشي ، وهذا الأمر! لم يخلُ من فبركة مستشاريه ، القوميين والإسلاميين ، الطامعين بالمال وا لجاه ، المحيطين بهذا النظام ، من أجل كسب عطف وتعاطف القوى القومية والإسلامية ، دولا ومنظمات وأفردا ، في شتى بقاع الأرض ، وهذا ما حصل ، نتيجته ، سكوت مطبق على هذه الجريمة ، ليس على عدم إدانتها عربيا ودوليا فقط ، وإنما عاونتها دول ومنظمات دولية ، للحيلولة دون طرحها على مؤتمرات المنظمات الدولية ، وهيئة الأمم المتحدة ، وهذا الواقع لم يكن بعيدا عن مساهمة الدول العربية وجامعتها المؤيدة للنظام الفاشي ،والدول الغربية ، وأمريكا ، التي كانت داعمة النظام في حربه ضد إيران ، وأمدته بكل أنواع الأسلحة ، حتى المحرمة دوليا ، التي استخدمت في هذه المجزرة .

القوة والعسف والإرهاب ، لن تجِدي ِ نفعا في غمط حقوق الشعوب المناضلة من أجل حريتها واستقلالها ، فوسائل القهر والبطش والتضليل ، ربما تؤخر بعض الوقت من الإنتصار ، إلا أن النتيجة المحققة ، في نهاية المطاف ، ظفر الشعوب بما ناضلت من اجله .
فمن بين ركام الحرائق والخراب ، والقتل الذي شمل آلاف الضحايا ، مجهولين ومعلومين ، ولما تمض بعد على مجزرة الأنفال بضع سنين ، تحققت للشعب الكوردي بعض أهداف نضاله ، بقيام سلطة وطنية كوردية في العام 1992، ! والنظام الفاشي لم يزل قائما ، وهو يشاهد اندحاره في معركته العنصرية ، على الرغم من جبروت آلته العسكرية ، وما تسببت فيه من جرائم ، راح ضحيتها آلاف الأبرياء والشهداء من الشعب الكوردي .
مسيرة الشعب الكوردي ، تتعمق يوما بعد آخر ، ولازالت تغذ السير باتجاه تطوير أساليب عملها ، لتجذير ممارساتها الديموقراطية التي حصلت عليها ، فتقديم الأفضل مرتبط بوعي الجماهير وتطويره ، واستجابة نظام الحكم لمطالبها مرتبط بالفهم الحقيقي لحاجات هذه الجماهير ، والنهج الذي تنتهجه وتمارسه القوى القومية الكوردية التي قادت ، وتقود حاليا ، نضاله السياسي ، مرتبط ، أيضا، بتجاوز أخطائها المرتكبة في الماضي والحاضر ، بحق القوى السياسية القومية الوطنية والديموقراطية العراقية وفي كوردستان ، سواء أكان هذا بالتضييق على الحريات العامة ، وخاصة حرية رأي الكتاب والمثقفين الكورد ، أو باتخاذ مواقف شوفينية من القوى القومية الأخرى ، فبدون إطلاق حرية المواطنين ، صاحبة المصلحة في التطوير والتقدم ، لم تتعزز انتصارات هذا الشعب ، كما ، ودون تفعيل مبادئ التضامن والكفاح المشترك مع القوى الوطنية والديموقراطية العربية العراقية ، ! الذي آلت نتائجه لما نراه اليوم من واقع لازدهار كوردستان العراق ، تبقى انتصارات الشعب الكوردي مهددة بالإرتداد وبالسقوط ، إذا ما تسلمت الحكم قوى قومية ، أو إسلامية ، تنزع نهجا غير وطني وغير ديموقراطي ، فالنضال المشترك الذي خاضته القوى الوطنية والديموقراطية العراقية بشكل عام ، والحزب الشيوعي العراقي بشكل خاص ، إلى جانب هذا الشعب ، ومساندته لكفاحه ونضاله ، منذ أقدم عهود الحكم الوطني ، كان ولا يزال ضمانة حقيقة لتقدم وازدهار فدرالية كوردستان ، وتمتع شعبها بالحرية والأمن والسلام ، فظرفنا الراهن ، والعراق يمر بمفترق طرق ، يفرض على القوى الكوردية ، بمختلف فصائلها ، وعلى القوى الوطنية والديموقراطية العربية ، وقوى الإسلام السياسي المعتدلة ، التعاون فيما بينها ، والتضامن مع بعضها ، من أجل إحلال السلم الأهلي بين الطوائف الدينية ، شيعية وسنية ، والقوميات والأديان ، التي تتعرض للتصفيات ، من قبل غلاة الإرهابيين والمتطرفين التكفيريين الإسلاميين ، وميليشياتهم التي تلاقي الدعم والتأييد من دول الجوار ، ودول أخرى كثيرة داعمة للإرهاب ، لها مصلحة حقيقية في بقاء الوضع الراهن العراقي ساحة للقتل والدمار ، وهذا الواقع لن يجعل كوردستان ـ العراق وشعبه الكوردي بمنجى ، عما ! تخطط له الدوائر الإقليمية والدولية ، من إعادة الوضع الكوردستاني إلى سابق عهده ، فتجارب الحركة الكوردية ، في الماضي ، كثيرة وغزيرة ، حيث تمت التضحية بنضال الشعب الكوردي ، نتيجة لتوافق المصالح الأجنبية ، مع ضرورة حفاظ الدول الإقليمية على أمنها ,وتركيبتها السكانية ، التي ُتَشِكل القومية الكوردية مساحة وكثرة ، أكثر مما هو في العراق عددا ومساحة ، وبعبارة أخرى ، تلاحم نضال القوى الوطنية والديموقراطية العراقية ، بكل إثنياتها الدينية والطائفية والقومية ، وتعاونها الدؤوب ، في البرلمان وخارجه ضرورة وطنية ، وصمام أمان ، في عدم عودة فاشية جديدة ، قومية أو دينية لحكم العراق .

الفكر والعقيدة القومية ، بغض النظر عن المنشأ والعنصر ، على مختلف العهود ، هي السبب في المجازر التي حدثت للشعوب ، في مختلف المراحل التي مر بها تاريخ هذه الشعوب ، وهي أيضا ، العقيدة القومية ، التي تسببت في مجزرة الأنفال بحق الكورد ، وحلبجة والقبور الجماعية ، والمجازر الأخرى التي ارتكبها النظام الفاشي العراقي ، بحق الشعب العراقي ، بمختلف قومياته وطوائفه ، فلا تجب إدانتها فقط ، لعدم تكرارها مستقبلا من حاكم أو حك! ومة ، وإنما الضرورة تستوجب تثقيف الشعب العراقي وأجياله القادمة ، بهذه المجازر ، أسبابها ومسبباتها ، والنتائج التي تمخضت عنها ، وتدريسها في كل المراحل الدراسية ، وإدخالها في كل مناهج مراحل المدارس العراقية ، وحتى أعلاها شأنا ، بوضع جوائز تقديرية لتشجيع البحوث المتميزة ، ولشهادات الدكتوراه التي تعالج عنصرية الفكر القومي وجرائمه ، ولما أصاب الكورد أكثر من غيرهم من هذه جرائم هذا الفكر ، ولأنهم يشغلون مواقع متميزة في الحكم ، واتخاذ القرار ، فعليهم تقع هذه المسؤولية ،التي تتناول معالجة هذا الفكر المنتج لهذه الجرائم ..على الأجيال أن تتذكر جريمة العصر ، ' الأنفال '...!


22 آب 2006

* عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد