| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

 

 

 

 

السبت 17/3/ 2007

 

 

سفاراتنا بين الأمس واليوم .. وطموحاتنا الوطنية ..!


هادي فريد التكريتي  *

سفارات العراق حولها النظام البعثي الساقط ، في مختلف بلدان العالم ، إلى أوكار حزبية ، ومراكز أمنية ، وأقبية تعذيب ، يمارس فيها المخبرون البعثيون، وضباط الأمن والمخابرات ، اختطاف واعتقال المواطنين وتعذيبهم ، والتحقيق معهم ، والتجسس على الطلبة والمعارضين ، الهاربين من ظلم النظام وإرهابه ، وبذا فقدت السفارات وظيفتها وصفتها ، كونها جزء من الوطن ، ولخدمة الشعب ، يلوذ بها كل طالب ومغترب ، وظلت طيلة عقود حكم البعث ، مكانا مشبوها ، ملوثا للسمعة ، يبقى الداخل إليها مكرها ـ لإنجاز معاملة تخصه ، كتجديد أو تمديد جواز سفر ، أو تسجيل عقد زواج أو ما شابه ذلك ـ والخارج منها حذرا ، متلفتا يمنة ويسرة خشية من عراقي ، أو فضولي يراه ، فتلوكه الألسن وتدور حوله الشائعات ، وهذه بعض أسباب مقاطعة العراقيين لسفاراتهم ، على الرغم من الحاجة الماسة والضرورية لمراجعتها ، مما ألحق بالعراقيين اضطهاد وأذى ، انتعش جراءها سوق تزوير الوثائق وبيعها بأسعار فاحشة ، عبر سماسرة السفارة ، من بعثيين ووسطاء .
وبدلا من أن ينشغل السفير وكوادر سفارته ، بأمور البلد ومصالحه الدبلوماسية والسياسية ، وإظهار الوجه الحقيقي لحضارة وتاريخ وثقافة وادي الرافدين ، والمستوى الفعلي لحياة الشعب ورفاهيته ، انصرف البعض ، بما فيهم السفير ، لمهام حزبية ومخابراتية ، وانشغل البعض الآخر في بيع الوثائق وتزويرها ، وتهريب العملة ، وإقامة حفلات ماجنة ، " للبعث الصامد " بوجه شعبه ، واختلاق مناسبات ترضي نرجسية القائد "الضرورة "، وتؤرخ لبطولاته في قادسيات بائسة ومهزومة ، والتغني بأمجاد " عروبة " منتصرة ، على فرس مجوس ، وتحرير فلسطين من اليهود ، ورمي آخر مستوطن منهم في البحر ، عبر " تحرير" الكويت ، القضاء السليب ، و" عودة الجزء إلى الكل " ، هذه الأمور كانت كل مهام سفاراتنا ، وشغلها الشاغل ، كيف ملاحقة المعارضين، وكيفية إعداد تقارير مزورة عنهم ، أما السفير فلا يحتاج لمؤهلات ، لإشغاله هذا المنصب سوى الإيمان بالمبادئ القومية ـ الفاشية للحزب القائد و"الردح " بعبقرية القائد ، لذا كانت السفارات خاوية ، إلا من كوادرها ذوي الوجوه الكالحة والمكروهة .
بعد سقوط النظام ، واحتلال أمريكا للعراق ، استبشر كل العراقيين ، على مختلف انتماءاتهم ، خيرا ، بسقوطه وعودة السفارات لممارسة وظائفها وواجباتها المعتادة تجاه الوطن والشعب ، فغصت مباني السفارات العراقية ، في مختلف البلدان بالمئات بل بآلاف المواطنين ، كل يبغي قضاء حاجته ، التي حالت دون تحقيقها ظروف الحكم الفاشي ، وحتى البعض راح يراجع السفارة ، لا لأمر معين ، متباهيا بأن له سفارة يلجأ إليها وقتما شاء ، أسوة بخلق الله الذين لهم سفارات تخدمهم ، وتحرص على رعاية شؤونهم في بلدان الاغتراب .
لحظات السعادة في حياة المقهورين ، سرعان ما تتبدد وتزول ، وهذا ما حصل للمواطن العراقي في سفارته ، بعد أن احتل السفارات ممثلو الطوائف ـ الدينية والقومية ـ العنصرية ، وفق كوتا المحاصصة ، سيئة الصيت ، بعيدا عن مبادئ المواطنة والكفاءة والمؤهلات ، التي أقرها الدستور لنيل الوظائف العامة ، وكما كان الحال في عهد البعث ، طبقت نفس المعايير لشاغلي مناصب الدولة ، ومنها السفارات ، وعادت حليمة لعادتها القديمة ، فالسفير هو من يجيد " الردح " للطائفية ، أو يتغنى بالمثل " القومية ـ العنصرية " وكذا كل الكوادر العاملة ، بما فيهم الكتبة والمستخدمين المحليين ، فتدنت كفاءة السفارة، في كل كوادرها ،لانعدام ، أو بساطة ، المؤهل العلمي والمهني ، رافق هذا انعدام الرقابة والمحاسبة للمقصرين فشاع التزوير وكثر الفساد ، فتلاشت من جديد القيم الوطنية للسفارات ولعملها الدبلوماسي ، وما عادت تمثل الشعب العراقي ، بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية ، ولا تمثل الوطن الموحد من شماله لجنوبه ، إنما أصبحت السفارة ملكا لسفيرها ، يوجهها حيث شاء ، ويختلق لها مناسبة الاحتفال وفق طقوسه القومية والمذهبية ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، أقامت السفارة العراقية في بلغاريا احتفالا طائفيا بمناسبة أربعينية الشهيد الحسين ، وأصرت السفارة إلا أن تطبق الفلكلور الطائفي ـ الشعبي بتقبل العزاء جلوسا " متربعين على الأرض " كما قدمت كذلك الهريسة والزردة بالحليب أما الضيوف على الأرض ، والسفارة فيها ما يكفي من الأثاث الفاخر من الموبيليا الحديثة ، التي لم يوافق أن يدخلها السيد السفير دون أن تؤثث سفارته وفق مودة العصر ، وليس العصر الذي استشهد فيها الإمام الحسين ، كما أن السيد السفير أبى إلا أن يوثق هذه المناسبة الطائفية، بالصوت والصورة ، للضيوف وهم يتناولون "الهريسة " لتنقلها الكثير من المواقع الألكترونية ، متباهيا سيادته بأنه طائفي "للكشر" ويا ويلك يا المعترض ، ناسيا سيادته أن السفارة هي مركز دبلوماسي يمثل الدولة ، وليست حسينية ، أو خيمة في حارة شعبية ، يقام فيها العزاء وتقدم الهريسة ، وكل هذا النشاط الطائفي لم يرض رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب ، الشيخ همام حمودي ، حيث صرح أثناء زيارته الأخيرة إلى لندن على رأس وفد من النواب العراقيين " النشامى" قال عاتبا لا فض فوه ، على الدبلوماسية العراقية ( يعني على وزير وزارة الخارجية ) :" هناك نوع من العتب على الدبلوماسية العراقية في بعض المناطق ، قصورا أو تقصيرا في أداء المهام لإكمال تجهيز السفارات ...). آمل أن لا ينصرف ذهن القارئ إلى معالجة القصور والتقصير ، أن هناك سفراء من نوع الملالي لا يليق بهم مقام السفير وإدارة السفارة ، ربما لعدم الكفاءة أو المؤهل ، لا هذا لم ولن يرد على خاطر " الملا " رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب ، الشيخ همام حمودي ، إنما الرسالة التي أراد إيصالها للسيد وزير خارجية العراق " هوشيار الزيباري " هو عتبه على عدم تجهيز السفارات الواقعة تحت قبضة " الملالي " بالسواطير والقامات والزناجيل ، وعدم التحشيد " الجماهيري " طائفيا ، والتوجيه رسميا بنزول السفارة وأعضائها ليلة " الطبك " إلى شوارع العواصم التي هم فيها للتطبير ، ليلة عاشوراء وفي الأربعينية ، أن إقامة الإحتفال دبلوماسي " طائفي " في السفارة بتقديم " الهريسة" وفق الفلكلور غير كاف ، ويعتبر تقصيرا وقصورا وفق منظور "الملا" الشيخ همام ، فهل بهذه العقلية سيتقدم العراق..؟ وهل هذا هو الطموح ..؟ وهل من عبرة اكتسبتها فصائل الحكم الحالي ، من حكم الطاغية صدام ..؟

17 آذار 2007

* عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد