خطوط حمر ...تصبح بِيضَا" ..!!
هادي فريد التكريتي
بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات ، حصلت قائمة الائتلاف
الشيعي ، على أغلب مقاعد المجلس النيابي الجديد ، الذي يؤهلها تشكيل الحكومة
الجديدة ، وبعد حسم تسمية رئيس الوزراء الجديد ، المتنافس عليها بين أطراف قائمة
الائتلاف ، كثرت تصريحاتهم ، وخصوصا السيد عزيز الحكيم والجعفري ومن قيادي المجلس
وحزب الدعوة ، عن الخطوط الحمراء التي يضعونها على الكتل أو الشخصيات النيابية ، في
حالة الإقدام على تشكيل حكومة وحدة وطنية ، وقد تركزت هذه الخطوط وُشِدَدت ضد
القائمة الوطنية العراقية ، بقيادة الدكتور أياد علاوي ، والتي تتألف من تنظيمات
وطنية ديموقراطية وشيوعية ، كانت ترتبط مع القوى الاسلامية ـ الطائفية ( من المجلس
والدعوة ) بتحالفات فيما بينها قبل سقوط النظام ، وبعده كذلك في مجلس الحكم .
الموقف الجديد ، وخطوطه الحمراء ، لقائمة الائتلاف الطائفي ، لا يحظى بمواقف مؤيدة
من عموم القوى السياسية العراقية ، فيما يخص تشكيل حكومة وحدة وطنية ، وخصوصا
القائمة الكوردستانية ، التي ترى في الائتلاف الشيعي ، شريك حكم غير موثوق به ، من
منطلق التجربة السابقة في الحكم ، فحكومة الجعفري ، التي يمثل وزراءها الأكثرية من
قائمة الائتلاف ، قد همشت الوزراء الكورد وتجاوزت على صلاحياتهم ، كما تجاهلت نص
الفقرة ج من المادة 58 من قانون إدارة الدولة ، فيما يخص قضية كركوك وحلها ،
وبالمجمل لم ينفذ رئيس الحكومة ، على مدار فترة الحكم السابقة ، الإتفاق المبرم بين
الشريكين ، بغض النظر عن المسؤولية التي يتحملها الكورد في الحكم لعموم العراق ،
حيث اتسم موقفهم ـ الكورد ـ بالضعف والمهادنة طيلة حكم سنة من التحالف ، نتيجة
لتجاهل دورهم ، أولا ، كشريك عراقي ، فاعل ومسؤول ، وثانيا ، إستئثار وهيمنة حكومة
الائتلاف على ما تراه من شأنها في حكم العراق العربي ، بتنفيذ سياسة طائفية ، ضد كل
مكونات الشعب العراقي ، من القوى السياسية الوطنية والديموقراطية ، وبقية الطوائف ،
كل هذه ، انسحبت نتائجها السلبية على مصداقيـتهم ـ الكورد ـ وشراكتهم الوطنية ، في
وطن موحد وواحد.
بعد إعلان النتائج الانتخابية ، تغيرت الخريطة ، واختلفت المواقع للقوى السياسية ،
فالقوى القومية والسنية ، إضافة للقائمة الوطنية العراقية ، إذا ما ائتلفت وتوحدت
في برنامج سياسي ، أصبحت تشغل المرتبة الثانية في سلم القوائم بعد ائتلاف القوى
الطائفية ـ الشيعية ، مما أفسح في المجال للقائمة الكوردستانية أن تناور ، لتحقيق
مطالب أكثر ، وتهدد حليفها السابق في الحكم ، فيما إذا تمسك بخطوطه الحمراء ، خصوصا
على القائمة الوطنية العراقية ، لهذا كان الرئيس جلال الطلباني صريحا وواضحا في
معارضته لهذه الخطوط ، التي يضعها الائتلاف على القائمة الوطنية العراقية ، معتبرا
" وجود خطوط حمراء على القائمة العراقية ، يعني خطوطا حمراء على التحالف
الكوردستاني .." وهذا يعني أن خيارات أخرى مطروحة أمام الكورد للتحالف مع غير
الائتلاف الشيعي ، في تشكيل الحكومة القادمة ، مما أدى إلى تراجع سريع ، ومسح كل
الخطوط مهما كان لونها ، ومن أي كان مصدرها ، على لسان رئيس الوزراء المنتهية
ولايته ، الجعفري ، حيث أعلن " لا خطوط حمر بالسياسة وإنما قناعات ، وتدرس حسب
الاستحقاق الدستوري ، كل من في البرلمان له حق المساهمة في الحكومة ، ولا فيتو على
أحد .." أما السيد الحكيم عبد العزيز فليس إعلان تراجعه بأقل سرعة من الجعفري ، حيث
اعتبر " الخط الأحمر هو قضية الدستور واجتثاث البعث والموقف من الإرهاب والحرية
والمساواة .." ولا أحد يدري من انتهك الدستور والحرية والمساواة ؟ أما اجتثاث البعث
، فحتى الآن لم تصدر فتوى بحق الجابري ، فهل كانت " الفضيلة " بعثية ، أم أنها
تأسلمت وفق الظرف والحاجة ..!.
حكومة الوحدة الوطنية ، إن تحققت بكل مكونات المجلس النيابي القادم ، يضع الائتلاف
الشيعي أما مفترق طرق ، فالجابري ، رئيس حزب الفضيلة ، ( وهو من العناصر البعثية
الموالية للنظام السابق ، له تنظيرات وآراء في تطوير حكم وقيادة صدام ) يرى أن حزبه
" سيكون خارج تأييد حكومة الجعفري في حالة عدم تطبيق مشروع الإنقاذ الوطني الذي
طرحه حزبه أثناء فترة ترشيحه لرئاسة الوزراء ، المتضمن معالجته للاحتقان الطائفي ،
وإشراك مكونات الشعب العراقي في الحكومة القادمة " ، في حين يرى مقتدى الصدر أنه لا
يعطي ثقته لحكومة تساهم فيها القائمة الوطنية العراقية ، هذه المواقف المتباينة من
مكونات الائتلاف الشيعي تهدد بتصدعه ، والإطاحة به ، فعدم الاتفاق على تسمية مرشح
رئيس وزراء للقائمة ، كادت أن تحدث شرخا بين مكونات الائتلاف ، المنسجم داخليا في
مواقفه وتوجهاته السياسية ، وكاد أن يعصف به لولا التنازلات الباهضة التي قدمها حزب
الدعوة ثمنا لترشحه لمنصب رئاسة الوزراء ، فكيف الحال إذا ما شكلت الحكومة من قوى
لم توافق عليها مكونات البعض منه عليها ؟ خصوصا وأن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ،
تعني عدم تنفيذ البرنامج السياسي الخاص بالائتلاف ، وإنما يتضمن تعديل الدستور ،
وعدم تنفيذ الفيدراليات الحلم الذي لم يتحقق . قال السيد عزيز الحكيم في وقت سابق ،
" انفراد الائتلاف بالحكم فرصة لم تتكرر ولا يمكن تعويضها ، فعلينا أن نستغلها
لتحقيق مطالبنا وأهدافنا " ضاعت الفرصة ، وما كان يخشاه قد تحقق ، فمن يتحمل
مسؤولية الفشل .؟
وإذا ما رفض الائتلاف الطائفي ـ الشيعي ، من تشكيل حكومة وحدة وطنية ، تشارك فيها
قائمة أياد علاوي ، فلن تنال ثقة المجلس الجديد ، وسيتحقق تحالف جديد بين القائمة
الكوردستانية والقوى القومية والطائفية ـ السنية ـ إضافة للقائمة الوطنية العراقية
، وربما قوى أخرى من قوى الأئتلاف الشيعي نفسه ، تكون أكثريته النيابية من 143
نائبا ، قادرة على تشكيل أكثرية برلمانية ، تضع الائتلاف في موقف صعب ، أمام
خياراته وبرنامجه المعد للتنفيذ .
حكومة المشاركة بين الائتلاف الطائفي ـ العنصري أَخلًت كثيرا بالوحدة الوطنية ، ولم
تستطع أن تحقق للعراقيين الأمن والاستقرار واستحقاقاتهم الحياتية ، حتى الضرورية
منها ، كما أنها لم تحقق للكورد ما تم الإتفاق عليه بينهما . وهي من ألحقت أضرارا
جسيمة بالوحدة الوطنية ، من خلال إطلاق العنان لإرهاب المليشيات الحزبية ، وقيامها
بتصفيات سياسية للقوى القومية والوطنية المعارضة للنهج الطائفي ، كما أنها خربت
اقتصاد البلد بسياسات غير مدروسة ، أبرزها السياسة النفطية وزيادة الأسعار ،
والفساد يضرب أطنابه في عمق مؤسسات الدولة دون معالجات ، ودون الرجوع إلى الجمعية
الوطنية ، وحتى اللحظة ، هي لم تقدم حسابا لما أقدمت عليه من عقد صفقاتها التجارية
، واتفاقاتها السياسية مع إيران خصوصا . فهل سيتكرر السيناريو ، أم أن حقبة جديدة
قد بدأت ، وما عادت ظروف الأمس هي من يحكم غدا ..
15 شباط 2006
موقع الناس http://al-nnas.com/