موقع الناس http://al-nnas.com/
المأزق العراقي ..والحل في قراءة للتاريخ ..!
هادي فريد التكريتي
الثلاثاء 14 /3/ 2006
ربما هي الفترة الأطول في تاريخ
تشكيل الحكومات العراقية ، تمر على العراق دون تشكيل حكومة ، بعد انتهاء الانتخابات
وإعلان النتائج ، نتيجة سببين ، الأول ، عدم تمتع مرشح قائمة الائتلاف ، رئيس
الوزراء المنتهية ولايته ، إبراهيم الجعفري ، بثقة القوائم الأخرى ، وخصوصا القائمة
الكوردية ، حليفته في الحكم ، إضافة للقوائم الفائزة الأخرى . ، والأمر الثاني ،
عجز القائمة الأكبر عن تشكيل حكومة لعدم تمتعها بأغلبية ثلثي مقاعد البرلمان الجديد
.
كل طرف معارض لترشيح الجعفري له وعنده أسبابه للمعارضة ، وهذا مبدأ ديموقراطي لا
ينفي التوافق ، كما لا يعرقل الاستحقاقات الانتخابية للبدء بدعوة البرلمان وتشكيل
الحكومة ، فاستمرار الخلاف بين كل الأطراف الممثلة في المجلس النيابي الجديد قبل
انعقاده ، هو ضرب من المماطلة لتأخير الاستحقاقات الدستورية ، وافتعال لخلاف هي
قادرة على تجاوزه وحله إن حسنت النيات ، وكل تأخير يحملها مسؤولية التدهور الحاصل ،
فعدم التوصل إلى اتفاق ينهي أسباب أزمة الحكم ، بحجة الحرص على مصالح العراق العليا
، يضع القوى السياسية بكل تلاوينها في دائرة عدم مصداقيتها في توجهاتها للحل ، كما
يعرضها لتهمة التفريط بمصلحة الشعب العراقي ، فالتستر وراء المصلحة الوطنية ، هو
مجرد هراء كاذب وضحك على ذقون البسطا! ء من الموالين لهذه القوى .
تتمترس كافة القوى السياسية المتحاورة ، خلف دعاوى لتحقيق مصالح عامة للشعب ،
طائفية ، وقومية ـ عنصرية ، كلها دعاوى كاذبة ، والحق الذي لا يقال هو أنهم يلهثون
خلف مصالح شخصية بحته . ولا علاقة لهم بالمرة بما يدعون من تمسكهم بالمصلحة الوطنية
العليا للشعب العراقي ، إن كان هناك من يصدقهم من الأعوان والمريدين ، فالواقع
يكذبهم ، أين المصلحة من دوامة إرهاب يشمل العراق كله ، وهو ينزف دما ويفقد يوميا
العشرات من خيرة أبنائه وبناته أرواحهم ، وتتعرض مصادر رزقهم للتلف ، وتتعطل مصالح
الناس أجمعين ؟ وما علاقة المصلحة بربطها بشخص واحد بعينه يراد فرضه دون مبرر؟ أليس
مثل هذا الموقف تزكية لمواقف الدكتاتورية المقبورة ، عندما ربطت مصلحة البلد بحاكم
فرد ، ألا يدلل هذا الموقف على بداية المسير باتجاه فاشية جديدة يراد فرضها على
العراق ؟ هل عقمت ولادات العراق ، وما عاد هناك من هو قادر على تحمل المسؤولية غير
شخص بعينه ، و! من تنظيم بعينه ؟ وأين الديموقراطية ، التي يتمسح بها الجميع ،
عندما ترفض أكثرية الكتل ، حجما وعددا ، مرشح تجربته تقول أنها فاشلة في إدارة
الحكم في العراق . لماذا لا تعطى الثقة لشخصية وطنية محايدة تقود الحكم ، بغض النظر
عن دينه وقوميته أو طائفته ، من خارج الكتل البرلمانية ؟ إن كانت حقيقة دعواهم
وخلافهم هو على المصلحة الوطنية ، فليفعلوا ما فيه فعلا المصلحة الوطنية العليا
للمجتمع ، وليست مصالحهم ؟ وإلا فلينِفذوا مقترح الصديق الدكتور عبد الخالق
حسين.الوارد في مقاله ( المأزق العراقي وكيفية الخروج منه ، المنشور على الصحافة
الألكترونية ليوم 12/3 ) الذي ارتأى في بعض ما اقترح ' الأخذ باقتراح الكاتب
الأمريكي توماس فريمان ، لتجميع كل القيادات العراقية المنتخبة لمؤتمر المصالحة
العراقية خارج بغداد ، وحبسهم في غرفة وعدم السماح لهم بالخروج إلى أن يتوصلوا إلى
حكومة وحدة وطنية ..' .
هذا المقترح الذي اقترحه الكاتب الأمريكي عملي جدا ، وهو مقتبس من تاريخ العرب
والإسلام ، ولم يكن أمريكيا ( للمصابين بالحساسية الأمريكية ) أو من عندياته أو من
مخيلته ، إنما استله ، كاملا دون تحريف أو تغيير في كلماته من صفحات مطوية ، وهو
يقرأ وقائع عن بدايات الخلافات السياسية في التاريخ الإسلامي ، ربما هذه الوقائع
غاب استذكارها أو حضورها ، عن أذهان قادة الإسلام السياسي الجدد في العراق ، إن كان
قد قرءوا تاريخهم من قبل ، أيام دراستهم الابتدائية . ولا بأس أن أسرد على القارئ
بعض أحداث هذه الصفحة ، لما فيها من عضة وعبرة ، ومماثلة لما جرى قبل أكثر من 1440
عام ، مع ما يجري عندنا .
المولى ( العبد ) أبو لؤلؤة الفارسي ، توعد الخليفة عمر بن الخطاب، عندما طلب منه
الخليفة عمر أن يصنع له رحى طحين لأهل بيته ، فرد عليه ' لأصنعن لك رحى تتحدث عنها
العرب والعجم ' ، وقد فهم عمر الرسالة ، عندما قال توعدني العبد ، ولم يمهل أبو
لؤلؤة عمرا طويلا ، حيث عالجه بطعنة من خنجره وهو قائم لصلاة الفجر ، شعر عمر أن
الطعنة قاتلة ، وفي الحال أمر بتشكيل مجلس شورى لاختيار خليفة للمسلمين من بعده ،
من بين رموز تمت تسميتهم ، وتحديدهم بسبعة أشخاص ستة لهم الحق في الترشيح والإختيار
وهم كل من : ـ علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وطلحة بن الزبير
وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ، والسابع ابنه عبد الله ، له حق الإختيار
وليس له حق الترشيح ، منوط به حماية المجتمعين في بيت لا يخرج أحد منه ولا يدخل أحد
فيه من الخارج ، حتى يتم اتفاقهم على واحد منهم ! ، ومن يعلن عن رأي معارض ، أو
يبشر برأي مخالف ، بعد الإتفاق ، يضرب رأسه بالسيف ، وهكذا حلت مشكلة كانت في غاية
الأهمية والصعوبة ، قاطعا دابر الخلاف والفرقة ، كما هو الحال اليوم .
وربما هذا ما يفعله مجلس بابوات روما عند انتخاب بابا جديد لهم ، مع تغيير بسيط ،
فإشارة الإتفاق تصاعد دخان أبيض ، دون أن تكون حاجة للسيف إن بشر أحدهم برأي مخالف
.
ليت قادة العراق يصنعون ما صنع الأسلاف ، وليتهم يتخذون من حوادث تاريخهم عبرا ،
وليتهم يصنعون ما صنع الكاتب الأمريكي ' توماس فريمان ' بتقليب صفحات التاريخ ،
ليقدموا لنا حلولا لخلافاتهم ، وتسامحا في معتقداتهم ، فالوقت ليس في صالح أحد ،
أيا كان ، وبعكسه ، إن لم يحصل اتفاق ، فقد أشار الكاتب الأمريكي إلى حل فيه تهديد
مبطن ، ' إن الوقت قد حان للإستعداد للرحيل ' فالحليم تكفيه الإشارة ، فليس ما
يعنيه رحيل القوات الأمريكية ، فهي جاءت لتبقى ، وإنما الرحيل للقوى التي جاءت بها
هذه القوات ، وظنت هي من أسقط النظام الفاشي ..ورحم الله اُمرؤا عر ف قدر نفسه !