| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

 

 

 

الخميس 14/2/ 2008



هل تُصْلِح المرجعيات الطائفية ..الحكمَ إن فسد ..؟!

هادي فريد التكريتي  *

عبود الكرخي ، الشاعر الشعبي الكبير ، شهد كل عصور الظلم والجور التي مرت ببغداد ، عاصر الحكم العثماني ، وجور ولاتهم ومماليكهم ، كما كان شاهدا على جرائم الاحتلال البريطاني للعراق ، وما مارسه المحتلون ، من فضائع بحق العراقيين ، هَدْرٌ لكرامتهم ،واستباحةٌ لمدينتهم العريقة ، بغداد ، كما شهد تنصيبهم لفيصل الأول ملكا على العراق ، مقرونا بزيف وعودهم تارة ، وبالخديعة والتضليل حينا" آخر ، كما واكب عسف وجور الحكومات التي كان يشكلها المندوب السامي وعملاء السفارة البريطانية ، وتحسس ، الكرخي ، بكل جوارحه ومشاعره ، وهو الناقد الساخر، ذو الحس المرهف ، ظلم وفساد أجهزة الحكم الوطني ، وقسوتهم على المواطن المغلوب على أمره ، بتقنين لقمة عيشه ، وبالتضييق على حريته ، وهو الصحفي الحر ، الذي لا يمكنه أن يعيش ويمارس مهنته دون حرية مطلقة في التعبير ، وإدانته لكل عمل يراه مجاف لحرية وكرامة الإنسان ، فلم يكن قادرا على السكوت لضيم ، ألم بمواطن ، محاباة لحاكم من أبناء جلدته ، فكيف إذا كان هذا الحاكم أجنبيا"، جلفا"، مغتصبا" لأرضه ، ناهبا" لخيرات بلده ، حارما الشعب حتى من لقمة عيشه ، المغمسة بالذل والهوان..؟
الفساد قد استشرى على عهد شاعرنا الكرخي ، أيام الإحتلال البريطاني ، كما هو مستشرٍ اليوم ، فلا فرق ، فإن كان الاحتلال بريطانيا" أيام الكرخي ، فهو في أيامنا هذه مزدوج ، أمريكي ـ بريطاني ، إلا أ ن ما يميز عصر الكرخي ، عن واقعنا الطائفي المعاش ، عصره كان عصر وحدة وطنية طاغية ، ولدت جرأة في النقد ، ليس فقط للاحتلال وإدارته، وإنما لأعلى سلطة في البلد ، فقصة الكرخي وحواره مع بائع السمك ، خير دليل على تعرية الفساد ، والقائمين عليه ، بلغ ذروته ، ابتداء من رأس الدولة ، ورأس السلطة الموالية للأجنبي وكل من فيها حولهما ،في مفاصل مؤسسات الدولة ، ولسلطة الاحتلال الإنكليزي وإدارته السياسية ، فالكرخي عندما بدأ بشم ذيل السمكة ، لمعرفة مقدار الجيفة وأين وصلت ، ومساحة حجم الفساد ، نَهَرَهُ البائع قائلا : " عمي الناس تشم من الراس مو من الذيل..! " أجابه الكرخي بهدوء الواثق ، وثقة العارف : " آني أدري، وأعرف الراس جايف ، بس دا أريد أعرف وصلت الجيفة للذيل لو بعد ... ؟ " وهذا أقسى نقد يوجه لرأس الدولة ، الذي هو الملك آنذاك، ولكل السلطة التنفيذية .. والمجتمع البغدادي تداول هذا النقد ، شفاها وتحريرا ...واليوم هل يجرؤ أيٌ كان على مثل هذا ، دون أن يدفع حياته ثمنا لكلمة حق يؤمن بها، وما أكثر الصحفيين والكتاب الذين دفعوا الثمن غاليا ،تحت علم ومرأى وتدبير أيضا ، من سلطة المحاصصة الطائفية ومليشياتها ، لكلمة كتبوها أو قالوها ، عن العراق وعن الحكم الطائفي ـ العنصري ..
كل مسؤولي الحكم عندنا ، من حكام المحاصصة ، بدءً من رئيس الوزراء ،ونوابه كافة، ووزرائه على اختلاف انتماءاتهم ، وبقية المسؤولين والمستشارين ، والناطقين باسمه ، في مكتبه ، وليس انتهاء بمسؤول الأمن الوطني ، كل هؤلاء ، يقرون ويعترفون ، علنا ، أن أجهزتهم فاسدة ، (إلا إنهم ، طبعا ، غير فاسدين بل معصومين) وأن فساد الدولة وأجهزة الحكم بلغ مبلغا ، فاق كل ما كان حاصلا ، من عند الأولين والآخرين ، من خرق للدستور، وانتهاك مواده ، وتجاوز على حرية وحقوق المواطنين ، وقتل المئات بل آلاف الأبرياء، من النساء والرجال ، ..إلا إنهم جميعا ، يهرولون نحو المرجعية ، طلبا للمغفرة وحسن الثواب ..

رئيس الجمهورية ، الذي كفل له الدستور مقاما ساميا" في مادته 56 : " رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ، ويمثل سيادة البلاد ، يسهر على ضمان الالتزام بالدستور والمحافظة على استقلال العراق ، وسيادة وحدته وسلامة أراضيه ، وفقا لأحكام الدستور ." ليس هناك أكبر منه مقاما ، ومنزلة ورتبة ، والسؤال هو : هل هناك من رئيس للدولة عندنا ، غير رئيس الجمهورية . ؟ يمثل سيادة البلاد ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور..؟ فإذا كانت المرجعية الطائفية هي من يلوذ بها كافة المسؤولين ، في الدولة ، للأخذ بالحلول والمقترحات التي ترتئيها المرجعية ، ألا يعني هذا أن دولتنا هي دولة الإمام الفقيه ، غير المعلنة رسميا ، والمتفق عليها بين قوى الائتلاف الطائفي ، والتي تمثل الأكثرية في مجلس النواب ، بدليل أن رئيس الجمهورية الطلباني ، ساكت عن هذا الواقع ، بالرغم من المسؤولية التي يتحملها ، باعتبار ما أقلره الدستور ، من أنه يحتل أعلى وأهم منصب قيادي فيالدولة و المجتمع ، إلا أنه هرع إليها ـ إلى المرجعية ـ كغيره ، متوسلا بها لحل ما يعترض سبيل دولته ، وحكومة الإقليم ، من مشاكل ، مع حلفائه ، وإلا كيف سيوفق بين موقفه هذا ، وما ينص عليه الدستور بحقه ، وفق المادة الآنفة الذكر.

كيف يسهر الرئيس على ضمان الالتزام بالدستور،و الدستور يخرق في كل ساعة ويوم ، من قبل كافة هيئات وأعضاء سلطات الدولة، التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وهو غير قادر ليس على مصارحة الشعب بما يحدث ، وإنما غير قادر أيضا ، على الطلب من الجهات المسؤولة ، لمحاسبة المقصرين ومساءلتهم ، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بردعهم ..! كيف يمكن أن يعالج الالتزام بالدستور ، وهو يرى ويسمع شكاوى هيئة، وهي ممنوعة من مزاولة عملها ، وغير مسموح لها من متابعة فضائح أزكمت رائحتها أنوف الشعب العراقي ، وليس ، فقط ساكني المنطقة الخضراء بل وحتى ساكني القصور الرئاسية من الأمريكان والإنكليز ..!هذه الهيئة التي أقرها الدستور لمعالجة الفساد ، غير مسموح لها من متابعة عملها ، للتحقيق في أبسط قضايا الفساد ، في دوائر الدولة الطائفية ، فرئيس الوزراء ، خرق ،ويخرق الدستور ، عندما منعها ، ولا زال يمنعها ، من ولوج أية وزارة من وزاراته ، للتحقق مما يرد إليها من شكاوى فساد موثقة ، بالصوت والصورة ..! وكيف يمكن معالجة الفساد والنهب لثروات البلاد وخزينتها ، ووزير المالية ، المهندس بيان جبر ، باقر صولاغ الزبيدي ، يضع يده على المليارات من الدولارات ، دون أن يدخلها خزينة الدولة ، ودون أن يضمنها بنود الميزانية ، كما لم يفصح عن الجهة التي ستؤول إليها هذه المبالغ لاحقا ، ولم يكتف بعدم موافقته على دخول هيئة النزاهة لوزارته ، للتحقيق فيما ورد إليها من قضايا فساد ، الذمة والضمير، والاختلاسات الحاصلة في وزارته ، إنما طالب بحلها ، لأن أجور ومخصصات العاملين فيها ، كما يقول ، ترهق ميزانية الدولة ، (هكذا) أما السرقات بالمليارات ، (فهي حق جدهم) ، يتصرفون بالدولة وبثرواتها على هواهم ، فليس هناك من مسؤول في الدولة ، أو مواطن عادي لم يعلم بما يحدث ويدور ، فمن يعالج الفساد وكيف ..؟ إن لم تكن هناك مرجعية للحساب والمساءلة ...ألم يعتبروا بما جرى لصدام ونظامه ..
كيف يمكن للرئيس التحقق من عدم خرق القوانين ، ووزراء كتل الائتلاف، وغيرهم من كتل محاصصة الأحزاب الدينية ـ الطائفية والقومية ـ العنصرية ، تعرقل إقرار ميزانية الدولة ، التي تتوقف عليها حياة الشعب المعاشية ،وكل المشاريع الخدمية والصحية والاقتصادية ، التي تضمنها برنامج الحكومة لهذا العام ، دون أن يكون هناك تشخيص للمتسبب في هذا التخريب ..؟

سئل يوما ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية ، عن الفساد في حكومته ، فقال الفساد موجود في ظروف الحرب ، ويمكن معالجته لاحقا ، ولا خوف على الدولة طالما الفساد لم يصل لمؤسساتنا التعليمية والقانونية ، فإن لحق بهاتين المؤسستين ، حل الخراب ، وسقطت الدولة ...وعندنا هل أفسدت سلطة المحاصصة الطائفية ـ العنصرية هاتين المؤسستين ؟ وهل وصل لسمع السيد الرئيس ما يجري في المدارس والمعاهد والجامعات ، من فساد قيم وأخلاق ، وبيع وشراء شهادات عليا ، ولكل الاختصاصات ..؟ فمن يحمي الشعب والوطن وثرواته ، إن لم نكن قادرين على حماية الدستور، وخاتمة القول : حكام فاسدون ، ونظام حكم فاسد ، ومرجعياته الطائفية غير قادرة على إصلاحه ..!!

14‏شباط‏‏ ‏08‏20
 

* عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد

 

Counters