نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

 

 

 

 

الأثنين 10/4/ 2006

 

 

 

الدستور هو المشكلة ..!!
 


هادي فريد التكريتي

ما يعانيه العراقيون من سفك دماء بالجملة ، ليس فقط من قبل قوى الإرهاب القادمة من خارج الحدود ، كما هو ليس فقط من قبل أتباع النظام الساقط ، و قوى الاحتلال ، إنما تساهم في هذه المجازر أيضا ، قوى سياسية عراقية ، بعضها الآن في السلطة ، كانت معارضة للنظام الفاشي ، ومتحالفة مع بعضها قبل سقوط النظام ، وحتى بعده ، فقدت الثقة ببعضها ، أثناء حكم بريمر ومجلس الحكم ، نتيجة لممارسات قومية وطائفية خاطئة ، استهدفت أن تحقق لها مكاسب وهي في الحكم ، على حساب حقوق لفئات وقوى أخرى من المجتمع ، لم يحصل عليها اتفاق مسبق ، كما أنها لم تجسد مشروع حكم وطني وديموقراطي حقيقي لكل قطاعات الشعب ، وهذا ما ظهر جليا في الدستور ، الذي تمت ولادته ، دون أن تكتمل له المقومات الوطنية والشروط الأساسية ، لأن يكون القاسم المشترك للمجتمع العراقي بكل قومياته وأديانه وطوائفه ، فإقراره المتسرع والمتعثر والمليء بالنواقص ، أودى بهذا الواقع المزري الذي يعاني منه حاليا الشعب العراقي ، وحال دون قدرة القوى السياسية مجتمعة ، على تشكيل حكومة وطنية تمثل الشعب العراقي ، بعد مرور أربعة اشهر من انتهاء الانتخابات ، مما أوجد فراغا دستوريا للدولة ، بسبب إصرار من بعض القوى السياسية العراقية بأكثريتها البرلمانية ، القومية ، من عرب وكورد ، والدينية ، من سنة وشيعة ، على تحقيق أهداف مختلف عليها ، تكون قنابل موقوتة لتفجير نزاعات عرقية وطائفية ، لم يسلم منها مستقبلا من يعتقد أنه آمن منها في الظرف الراهن . ظروف البلد الصعبة التي أوجدتها سياسة الاحتلال ، والنشاط المدمر لميليشيات الأحزاب ، وقوى الإرهاب المتعددة الأسماء ، التي تغذيها دول الجوار ، وحرية نشاط مخابرات الدول المختلفة ، التي تريد دولها عراقا ضعيفا ومنقسما على نفسه ، هذه كلها حالت دون الخروج من المأزق الذي تتنازعه إرادات أغلبها غير وطنية ، تنهج نهجا غير وطني وغير ديموقراطي ، في تشكيل الحكومة وفق منظور لا يمثل المصلحة الوطنية ، ولا تشاركه فيه الرأي أكثرية القوى ، مستغلا الظروف غير الطبيعية التي يجتازها العراق ، معرقلا أي مسعى ! للحل ، محاولا فرض مفاهيم غير وطنية ، تنسجم مع توجهاته ، تحقق في محتواها مبادئ المحاصصة العنصرية والطائفية ،على الرغم من أن الدستور ـ الجديد ـ ينحو منحى ديموقراطيا في تشكيل الحكومة ، بكل هيئاتها ، بغض النظر عن القومية أو الدين أو الطائفة ، وهذا تسبب في إستعصاء دستوري لتشكيل الحكومة حتى اللحظة .

تم افتتاح مجلس النواب ، بالتحايل على مبادئ الدستور ، ولكن دون أن يتم الالتزام بالسياق الدستوري المحددة لتشكيل الحكومة ، وهذا الخرق لا زال مستمرا متسببا في الأزمة التي تحول دون تشكيل الحكومة ، والدستور لم ينص على كيفية تجاوز الأزمة ، مما يؤشر على خرقه لاحقا مرة ومرات ، نتيجة الإستعجال في إقراره ..

السلطات الثلاث ، التشريعية والتنفيذية والقضائية ، مسارها الرسمي والفعلي دستوريا ، يبدأ باجتماع مجلس النواب لانتخاب رئيس له ، حيث نصت المادة 52 على مايلي ' يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للإنعقاد بمرسوم جمهوري ، خلال خمسة عشر يوما من تاريخ المصادقة على نتائج الإنتخابات العامة ، وتعقد الجلسة برئاسة أكبر الأعضاء سنا لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه ، ولا يجوز التمديد لأكثر من المدة الذكورة آنفا . وبما أن هذا المجلس في اجتماعه المشار إليه في المادة 52 لم يطبق سوى ما يتعلق بانعقاد المجلس برئاسة أكبر الأعضاء سنا ، وتم تجاهل انتخاب رئيس دائم ونائبيه الذي لم يتم وفق منطوق المادة 52 المشارة إليها آنفا ، وهذا خرق واضح للنص الدستوري يمارسه المجلس النيابي ، كما تجاهل المجلس النيابي الجديد ، تعليق عمله دون تحديد وقت ، وحتى اللحظة دون مبرر ودون نص دستوري ، وهذا ما أدى إلى مخالفة العمل بنص المادة 53 من الدستورالتي قالت :ـ' ينتخب مجلس النواب في أول جلسة له رئيسا ، ثم نائبا أول ونائبا ثانيا بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس بالإنتخاب السري المباشر ' فعدم تفعيل هذه المادة شكل خرقا صريحا للدستور ، وهو في بداية تطبيقه ، وارُتهن الدستور لرغبة قوى وضعت نفسها فوق الدستور ومصالح الوطن ، مشترطة أن يتم الإتفاق على صفقة قبل الذهاب إلى البرلمان لتسمية المراكز الثلاثة ، رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء ، وهذا الأمر مناقض للمبادئ الدستورية والديموقراطية التي تعطي الحق لمجلس النواب الحق في تسمية هذه المناصب وفق آلية الترشح والتصويت ، ولا يحول هذا دون أن تتم تسويات ومساومات قبل الذهاب إلى المجلس النيابي ، وهذا الأمر يجب أن لا يعطل عمل المجلس النيابي وممارسته لصلاحياته ، ولا يحول دون تفعيل الدستور والخضوع للتراتبية التي حددتها المواد الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة ، فالمادة 67 ، من الدستور نصت على :ـ' أولا ، ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيسا للجمهورية ! بأغلبية ثلثي عدد الأعضاء . ثانيا إذا لم يحصل أي من المرشحين على الأغلبية المطلوبة فيتم التنافس بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات ويعلن رئيسا من يحصل على أكثرية الأصوات في الاقتراع الثاني ' فانتخاب رئيس للجمهورية مرهون بترشح أكثر من طرف للمنصب ، للتنافس عليه ، وهذا المبدأ لم ُيفعَل ، وإنما يراد له أن يكون محصورا بالكورد ، وفي هذه الحالة تكون المحاصصة هي المبدأ السائد ، وهذا تجاوز للمبادئ الديموقراطية ، ويشكل خرقا لنص صريح في المادة الدستورية المذكورة ، التي جعلت الإنتخاب من بين ' المرشحين ' وليس عن طريق التخصيص .

أما ما يتعلق برئيس الوزراء فقد نصت المادة :ـ 73 ' أولا : يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية ثانيا يتولى رئيس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما من تاريخ التكليف . ثالثا : يكلف رئيس الجمهورية مرشحا جديدا لرئاسة مجلس الوزراء خلال خمسة عشرا يوما عند إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة خلال المدة المنصوص عليها في البند ثانيا من هذه المادة . رابعا : يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف أسماء أعضاء وزارته ، والمنهاج الوزاري على مجلس النواب ، ويعد حائزا ثقته عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري بالأغلبية المطلقة . خامسا : يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح آخر لتأليف الوزارة خلال خمسة عشر يوما في حالة عدم نيل الوزارة الثقة.' إذا كانت هذه المادة صريحة في تشكيل الوزارة ،  كما هي المواد المتعلقة بانعقاد المجلس النيابي فلماذا لم تتم حتى اللحظة دعوة المجلس النيابي ، لتتم الخطوات الأخرى اللاحقة ، إن كان هناك خلل داخل القائمة الكبيرة ، فلماذا تغلب مصلحة هذه القائمة على مصلحة الشعب العراقي ، ولماذا لا يكون هناك تنافس بين القوائم والتكتلات البرلمانية ، على اشغال المناصب الثلاثة بمعزل عن المحاصصة ، التي هي ليست من الديموقراطية والوطنية ومبادئهما في شيء ، بل تجسد الطائفية والتقسيم ، التي لم تكن في يوم من الأيام منذ تشكيل الدولة العراقية ، نهجا للقوى السياسية الوطنية القومية والديموقراطية . مسؤولية خرق الدستور والسكوت عن هذه الخروقات تقع على عاتق قوى الإسلام الطائفي والقومي العنصري ، بما فيهم العرب والكورد ، هذه القوى تحاول أن لا تذهب إلى المجلس النيابي قبل أن تفرض أجندتها السياسية الخاصة ، وتحقق مصالحها التي لا يجمعها جامع مع الوطنية ووحدة العراق .فالديموقراطية التي يحاول البعض التمسح بها والتمترس خلفها ، يتم تصويرها وكأنها فقط حكم الأكثرية ، بغض النظر عن رأي البرلمان في تشكيلة الحكم ، والبرنامج الذي يطرح في معالجة المشاكل التي يعاني منها الشعب العراقي ، فالتمسك بتشكيلة سياسية فاشلة ، على المستوى الأمني والخدمي ولقمة عيش المواطنيين ، تتعارض والمصالح الوطنية للشعب العراقي ، فالحكومة الحالية ، مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تردي مجمل أوضاع العراقيين ، وبغض النظر عن كون الحكومة هي حكومة تصريف أعمال ، إلا أن السيد الجعفري وقائمة الائتلاف تحاول عرقلة تشكيل الحكومة ، وإطالة أمد العذاب الذي يعاني منه العراقيون ، والقوائم الأخرى تساهم في إطالة أمد المعاناة ، عن قصد أو دونه ، عندما تتجاهل تطبيق نص الدستور وخرق أحكامه ، أو الإحتكام إلى المجلس النيابي ، في حالة الخصومة على أمر يعتقده البعض حقا لهم ، وينازعهم عليه آخرون . المشكلة هي في الدستور ، كما هي مسؤولية القضاء والمؤسسات المنوط بها مراقبة تطبيقه . الغموض يكتنف الكثير من مواد الدستور ، ولم تتوضح مواقفه من القوى التي تتعمد تعطيله وخرقه ، وهذا هو المأزق الحقيقي للحكم ، وللقوى السياسية العراقية بكل تلاوينها ..!