| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

د. حسن السوداني

 

 

                                                                                     الأربعاء 6/7/ 2011

 

عيون الميدوزا(2)

الفارس الذي ترجل

د. حسن السوداني

رغم ان موضوعة الحق تكاد تكون من البديهيات ولا يجد المرء صعوبة في بيان خيطها الاسود من الابيض الا انها صارت اليوم من المعضلات التي تجبرك الوقائع والاحداث على التوقف والتأمل بماهية المنظومة المعرفية التي بينت عبر دهور طوال على تلك المفاهيم ومحاولات ليها وتغير مواضعها الطبيعية.ولعل قراءة سريعة للتاريخ ستكشف لنا مئات من موضوعات الحق والتي يرتبط اغلبها باحداث تخص الحاكم والمحكوم لكن اكثرها وضوحا في الحق ومحاولة الباطل تغييره هي حادثة استشهاد الامام الحسين (ع) فقد مثلت معطا متعدد الابعاد وضربت مثلا في الشجاعة خلد صاحبه بكل معنى المفردة ورغم ذلك يخرج علينا بين الحين والاخر من يقرأ ذلك المشهد بطريقة البعير الاعور بل ان البعض ذهب اكثر من ذلك فقد افتى الشيخ عبد العزيز ال شيخ مفتي السعودية الاول ان"بيعة يزيد بيعة شرعية وان الحسين لم يصب" وهو ذات الشيخ الذي اوصى الشعب المصري و التونسي بان لا يخرج عن ولاة الامر حسني مبارك وبن علي لان بيعتهما شرعية "ومنددا بالاحتجاجات المناهضة للحكومات في مصر وتونس وأماكن أخرى ووصفها بأنها مؤامرة من أعداء الاسلام لنشر الفوضى." والبيعة وفقا لمفهوم الرجل تصح حتى لو كان الحاكم فاجرا وفاسقا ورذيلا!! وهو يذكرني بشيخ ليبي كنت قد استأجرت منه منزلا عندما كنت اعمل هناك , فقد طرق عليّ الباب ذات صباح حاملا معه صحن من الباقلاء وقدمه لي مع تهنئة حارة بمناسبة انتصار الخليفة على المرتد الخارجي !! وقد لاحظ الرجل علامات الدهشة في وجهي وبرودة ردي عليه وانا اسأله و"من هذا الخارجي يا شيخي العزيز" اجابني ببلاهة: لا ادري كان ذلك منذ امد بعيد, ولكن اليوم هو العاشر من محرم فكيف ان صادف انتصار الخليفة في هذا اليوم؟ فاجابني فاغرا فاه : وماذا يعني العاشر من محرم غير انه يوم عظيم احيا فيه الله تعالى الموتى على يد عيسى المسيح وشق البحر لموسى لينقذ اليهود ويقتل الخارجي المرتد عن الاسلام!! فاجبته :- حتى لو كان هذا المرتد هو ابن بنت نبي الله وسيد شباب اهل الجنة وابن خليفة المسلمين وامير مؤمنينهم؟ صرخ الرجل هذا محال .. لا ليس هو المقصود وانما مرتد اخر وذهب سريعا مع صحن الباقلاء الذي رفضت اخذه. ولعل ذلك الصحن يرادف قطع الخبز المحلاة التي يوزعها بعض الاردنيون في يوم العاشر من المحرم والذي يطلقون عليه بيوم "الظفر" وهو اليوم الذي ظفر فيه الخليفة بالخارجي المرتد!! واذا كان ريحانة الرسول الاعظم لم يسلم من خبل العامة وعدم توقفهم وترويهم باتباع الحق واصحابه فانه لم يسلم من نخبهم ايضا, فقد كنت مسؤولا ذات يوم عن قاعة امتحانية اشرف على توزيع الاوراق الامتحانية في مادة التاريخ الاسلامي لطلبة قسم التاريخ في كلية الاداب والتربية في جامعة ناصر بليبيا حين سألني طالب يجلس في المقعد الامامي للقاعة الامتحانية عن سؤال في ورقته الامتحانية يجد صعوبة في قراءته وكم كانت الدهشة وانا اقرأ السؤال" تحدث عن خديعة عبدالله بن الزبير للحسين بن علي وارساله للعراق للخروج عن الخليفة الاموي" والدهشة الاخرى ان واضع الاسئلة هو رئيس قسم التاريخ وكان استاذا معارا من الجامعات المصرية وعندما استفسرت من الرجل عن سؤاله.. اجابني وفق منطق مفتي السعودية بصواب بيعة يزيد!!ولعل هذا يفسر كل تلك الضجة العربية على اعدام صدام حسين واقامة العزاء ولطم الخدود ونظم القصائد وتباري فقهاء السلاطين باصدار الفارمانات الدينية بالتكفير الجمعي لكل الذين قتلهم صدام وشرد عوائلهم وانتهك حرماتهم!! واذا كان هؤلاء قد جردهم الربيع العربي من ارديتهم المعفرة بسمن السلاطين ووضعهم في "خانة" القردة فان الامر لم يسلم من نخبة اخرى ترى في الطغاة فرسان قد ترجلوا وان تراب اقدامهم حناء في جباههم التي فقدت اخر قطرات حيائها.. يقول احدهم "لقد انكسر الرمح.. والفارس من فوق المجد ترجل.. ذاك الابهى والاروع والامثل"..... ترى اين منهم عيون الميدوزا؟


 

free web counter