| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. حسن السوداني

 

 

 

الأثنين 30 /7/ 2012

 

ثقافة الديمقراطية ورياح التغير العربي
ندوة للتيار الديمقراطي في جنوب السويد

د. حسن السوداني

بتاريخ 3-7-2012 وتحـــت عنـــوان الانماط الانتخابية و الانظمة الديمقراطية" أقام والتيار الديمقراطي في جنوب السويد والجمعية الثقافية العراقية ندوة علمية بالتعاون مع الاكاديمية العربية في الدنمارك بمشاركة الاستاذ الدكتور قوي بوحنية عميد كلية القانون والعلوم السياسية في جامعة قاصدي مرباح ورقلة الجزائرية بالإضافة الى جمع من المثقفين والسياسيين والإعلاميين والفنانين وسيدات المجتمع في المدينة .

أفتتح الندوة الدكتور حسن السوداني المنسق العام للتيار الديمقراطي في جنوب السويد بالتعريف بالضيف والترحيب بالسيدات والسادة الحضور وتبعا لذلك بدأ الدكتور بوحنية مداخلته التي أكد من خلالها على شكره العميق للتيار الديمقراطي ومنظمات المجتمع المدني لاتاحتها هذه الفرصة و فرحته الكبيرة بلقاء جمع من المثقفين العراقيين على أكثر من صعيد. بدات الندوة بأستقراء مفهوم الثورات، ومقاربتها كعملية تفكيكية صعبة، فهي تتطلب أدوات منهجية، ومنهجا ابستمولوجيا، لا يتوقف عند قراءة الحاضر، بل يمارس تجميع الأدوات الإحصائية والمعطيات الاقتصادية والاجتماعية لتشكيل رؤية علمية، لأن الثورة لا تقاس عمليا باللحظة الراهنة وإلا أضحت عملية إجرائية تقيس نشاطا عاديا، وإنما تتطلب مراسا منهجيا يتعامل مع الثورة ـ ومنها الثورات العربية الحديثة في تونس ومصر ـ بمنطلق بناء المؤسسات، وإعادة صياغة الأيدولوجيا، لأن قوة الثورة من قوة بناء المؤسسات، وهذه القوة بدورها تتطلب ثقافة سياسية تنويرية وروح مواطنة عالية يتجاوز الجهويات الضيقة،والمناطقياتالمحدودة. ومن هنا يرتبط فهم الثورات العربية الحديثة في تونس ومصر تحديدا بإدراك الأنساق التالية:

1ـ النسق البنائي: الذي يهتم بعملية البناء (بناء المنظمات والمؤسسات ـ بناء الأحزاب ـ وبناء المجتمع المدني)، وهي عملية ديناميكية تتطلب إعادة هندسة البناء السياسي والاجتماعي للسلطة وأدواتها.

2ـ النسق الأيديولوجي والفكري: فالثورة ترتبط بالديمقراطية والديمقراطية تزداد وتيرتها بترسيخ قيم المواطنة والتكامل بين الصفوة والمجتمع، و إعادة تشكيل أسس التنمية السياسية لإقامة مبادئ الشرعية والمشروعية، وصولا إلي إرساء مبادئ الحكامة الجيدة.

3ـ النسق التفاعلي: ليست الثورة عملية داخلية صرفة، كما أنها ليست عملية ضغط خارجي، إنما عملية يستقيم عودها عندما تتهيأ التربة الداخلية لاستنبات الديمقراطية، كما أنها ديناميكية ومسار يتكيف مع المحيط الخارجي في ظل ثقافة كوكبية ترتبط بمفاهيم التشبيك ومقاربات الاعتماد المتبادل .بهذا الصدد يلاحظ أن الفكر السياسي الأمريكي يؤكد في عمومياته التنظيرية أن الديمقراطيات أسرة واحدة ومنسجمة، وإن أفضل وسيلة لتأمين السلم الدولي هي كسر الاستبداد ونشر الديمقراطية. بيد أن تجربة الأنظمة الديمقراطية الجديدة في أمريكا اللاتينية والدول العربية أثبتت لواشنطن زيف العلاقة الائتلافية العضوية بين "القطب الديمقراطي الأكبر"، والهوامش الديمقراطية الجنوبية الناشئة، التي عادة ما تفضي فيها الإرادة الشعبية إلي صعود القوي الأيديولوجية والسياسية المناوئة لنفوذ وسياسات الولايات المتحدة. فلا عبرة بتكرار تجربتي أوروبا الغربية واليابان في علاقتهما بحليفهما الأمريكي الذي تقاسمتا معه المصالح الجيوسياسية والاقتصادية في سياقات تاريخية معروفة، لقد طرح علي العقل السياسي الأمريكي أسئلة عصية، يتعلق بعضها بمدي قابلية استنبات الديمقراطية في سياقات ثقافية غير ليبرالية، ويتعلق البعض الآخر باتهام الإسلام بالانغلاق والاستبدادية مما يفضي إلي "اغتيال" كل أفق ديمقراطي بأدوات الديمقراطية أي الانتخابات التعددية الحرة.ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية الحالية تراهن في المناخ الثوري الجديد علي بروز تشكيلات إسلامية معتدلة وليبرالية علي غرار حزب "العدالة والتنمية" التركي قادرة علي الدخول في "توافق الحد الأدنى"، (الديمقراطية التعددية دون انهيار التوازنات الاستراتيجية الأساسية في المنطقة).

هناك عدد من العناصر المشتركة بين الثورات العربية، وتلك الثورات الديمقراطية أهمها:
1ـ الطابع الشبابي لتلك الثورات، فكلها بدأت كإنتفاضة شبابية سرعان ما انضم إليها الشعب للتحول إلي ثورة شاملة. ويمكننا أن نقارن بين حركات مثل "شباب 6 إبريل" و"شباب من أجل العدالة والحرية" و"حركة كفاية". في المقابل هناك حركات مشابهة مثل " أوتيور "في صربيا، و"كمارا" في جورجيا، و"بورا" في قيرغزستان.
2ـ الطابع السلمي لتلك الثورات.
3ـ التوسع في استخدام المنتجات التكنولوجية الحديثة، الموبايلات في بدايات القرن، وشبكة التواصل الإجتماعية (الفيس بوك والتويتر) في الحالتين المصرية والتونسية، وأيضا في مولدافيا عام 2009م.
4ـ السيولة التنظيمية وافتقاد الكيان السياسي المتماسك والقيادات ذات الكاريزما.
وبالتالي لم تتكمن تلك الحركات السياسية من تنظيم حزب كبير قوي يعبر عن أهداف الثورة، وكان هذا سببا في ارتباك تلك الثورات، وبالتالي تعثر التحول الديمقراطي.
ولعل من الجدير بالتأمل أن الثورة البرتقالية في أوكرانيا ضد الرئيس "يانكوفيتش" التي ألهمت الجميع، قد انتهت بعودة نفس الرئيس "يانكوفيتش" إلي الحكم نتيجة انتخابات ديمقراطية حرة تمت عام 2010 أي بعد ست سنوات من الثورة الشعبية ضده!. أما حركة "كمارا" أو "كفاية" الجورجية، فقد ذابت في تكتل شمولي أقامه الرئيس الجورجي "سكاشفيلل"، لتعيد إنتاج نفس النظام الشمولي الذي ثارت ضده.
5ـ عدم وجود قطيعة أيديولوجية مع النظام الذي ثارت ضده، نتيجة أنها ثورات ديمقراطية بلا عقائد أيديولوجية مخالفة. وهذا الأمر يختلف كلية عن الثورات التاريخية السابقة، وهو يتطلب إعادة تشكيل رؤية أيديولوجية واضحة.

و قياسا علي التجارب الثورية المشابهة، والإنتفاضات المناظرة يمكن إبراز السيناريوهات التالية:
1ـ يمكن أن تؤدي الانتفاضات الثورية الديمقراطية إلي تغيرات سياسية أساسية، ولكنها لن تؤدي إلي تغيرات اجتماعية أو اقتصادية كبيرة لغياب البعد الأيديولوجي.
2ـ وجود تداخل بين النظامين ما قبل الثورة وما بعدها، واستمرار عدد كبير من الشخصيات السياسية متصدرة الواجهة السياسية. وفي أسوأ الحالات يمكن للثورة إعادة إنتاج النظام السابق بوجوه جديدة.
3ـ إمكانية عودة النظام الذي تم إسقاطه - ديموقراطيا - مع بعض التعديلات الشكلية غالبا.
4ـ لن يمكن للقوي الثورية الآن ولا في المستقبل تنظيم نفسها في كيان سياسي واحد، فأهداف مثل هذه الثورات الديمقراطية هي مجرد إسقاط النظام دون امتلاك رؤية محددة لكيفة بناء نظام جديد، وبالتالي فأهداف الثورة تتحقق بمجرد إسقاط النظام، وسيترك واجب إقامة النظام الجديد للقوي القديمة التي يمكنها النجاة بنفسها من مقصلة الثورة.
5ـ ترجح بعض السيناريوهات نتيجة غياب القيادة المسيطرة علي الحركة الثورية فستكون الفوضي بديلا قائما وبفرص عالية جدا، وكنتيجة استمرار الحالة الثورية بلا نهاية. الآن تظهر ثقافة التغيير عن طريق الحشد والتجييش بحيث يصبحان فنا قائما بذاته، وتختفي وتشحب سلطة القانون والنظام، خاصة في مجتمعات فقيرة حديثة العهد بالحرية، تفتقد التقاليد الثقافية التي تجعل من النظام غريزة جماهيرية (نلاحظ بهذا الصدد التجربة اليمنية والحالة الليبية).
6ـ الثورات القديمة كانت تعرف متي تتوقف لتصبح نظاما نتيجة وجود القيادة الحاكمة، أما الآن فسيكون التثاقل الذاتي وعودة السلطات القديمة وحدهما ما يمكن أن يوقفا الفوضي.
7- ورغم ما سبق فإن الثورات العربية تحمل في طياتها شيئا جديدا تماما وغير مسبوق في الخبرة التاريخية العربية علي الأقل، وبالنظر لجدتها ونتائجها فهي مرحلة جديدة في تاريخ هذه الأمة كذلك. ولعل عناصر هذه الجِدة تبرز علي ثلاث مستويات، الأول: طبيعتها السلمية، بحيث خرجت الملايين في مصر وتونس خاصة، دون عنف. ولولا عنف الدولة ووسائل قمعها لما سقط الشهداء الذين سقطوا. ويكاد الواقع نفسه ينطبق علي المسيرات التي خرجت في الأردن والبحرين واليمن والمغرب والعراق، باستثناء ليبيا وسوريا. والمستوي الثاني، أنها خرجت في منطقة من العالم اعتقد البعض تحت تأثيرات معرفية استشراقية أنها عصية علي الفهم وجامدة عن كل تحول، مما أنتج الاستهانة بشعوبها. والأخير أنها تقدم مداخل جديدة للتيارات والحركات الإصلاحية والتغييرية للعمل بآليات سلمية ولكن فعالة، سواء لمن اختار التغيير من داخل النظام أو لمن اختار التغيير من خارجه.

وفي ختام الندوة قدم الحضور عددا من الاسئلة للضيف مما احدث تفاعلا ايجابيا في مناخ الندوة .
 

 

 

free web counter