|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  7  / 4 / 2016                                د. عبدالحسين شعبان                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مشروع التفكيك الجديد

د. عبد الحسين شعبان 
(موقع الناس)

هل يعتبر مشروع داعش جديداً بخصوص تفكيك دول المنطقة، أم أنه إحدى حلقات التفكيك الجديدة لمشروع قديم، ابتدأ منذ نحو قرن من الزمان؟ فخلال الحرب العالمية الأولى اتفقت بريطانيا وفرنسا على تقسيم المشرق العربي إلى دول وكيانات، وأبرمت في العام 1916 اتفاقية عُرفت باسم اتفاقية سايكس ــ بيكو، لكن ثورة أكتوبر الروسية العام 1917 كشفت هذه الاتفاقية السرّية والدبلوماسية التي تقف خلفها، والتي تسعى إلى فرض الهيمنة على المنطقة، محرجة كل من بريطانيا وفرنسا، وهو ما ظهر في مراسلات الشريف حسين ــ مكماهون.

والسؤال هل استنفد مشروع التفكيك القديم أغراضه؟ أم أن ثمة تغييرات وتطورات جديدة، تستوجب استكمال المشروع القديم أو الاستعاضة عنه بمشروع جديد يحقق الأهداف الاستراتيجية ذاتها؟ جدير بالذكر أن مشروع التفكيك الجديد يأتي مترافقاً مع الموجة الجديدة من الإرهاب الدولي والتطرّف والتعصب التي ضربت المنطقة، والتي ساهمت في زيادة تخلّفها وعزلتها، فضلاً عن ارتفاع منسوب العنف، تحت عناوين الدين والطائفية والإثنية وغيرها.

لقد اقتضت المرحلة الثانية ما بعد اتفاقية سايكس- بيكو إخراج مشروع «إسرائيل» إلى حيّز النور، بعد أن كان في الأدراج والمؤتمرات والكتب، وفي أحسن الأحوال عبر وعد منحه «من لا يملك لمن لا يستحق»، حسب تعبير جمال عبد الناصر، والمقصود بذلك وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا، الذي أعطى بموجبه لليهود حق إقامة دولة لهم في فلسطين العام 1917.

وقد عملت الصهيونية قبل ذلك وبالترافق معه، على احتلال العمل واحتلال السوق واحتلال الأرض لاحقاً، تمهيداً لقضمها بالتدرّج والتوسع منها لاحتلال كامل فلسطين وأجزاء من الأراضي العربية، في عدوان شامل ومستمر واجتياحات وغزو. وهو ما تم وضع خطته من جانب الصهيونية العالمية منذ مؤتمر بال العام 1897.

وحصل الأمر بالفعل، فقد أنشئت دولة «إسرائيل» بقرار من الأمم المتحدة، وبإخراج دولي ساهم فيه الغرب والشرق، بصدور ما سمي بقرار التقسيم رقم 181 العام 1947 وتأسست بالفعل في 15 مايو/‏‏أيار العام 1948. وتوسّعت «إسرائيل»على حساب العرب في إطار عدوان وقضم مستمرين ومشاريع حرب جاهزة، ابتداء من العدوان الثلاثي الانكلو- فرنسي «الإسرائيلي» على مصر العام 1956، وعدوان 5 يونيو (حزيران) العام 1967، وحرب العام 1973، وإن ألحقت هزيمة عسكرية لأول مرة بالجيش «الإسرائيلي»، و«بإسرائيل» وحلفائها اقتصادياً باستخدام سلاح النفط، لكن نتائجها السياسية لم تكن تتوافق مع الانتصار العسكري، وغزو جنوب لبنان العام 1978 واجتياحه واحتلال العاصمة بيروت العام 1982، ثم عدوان العام 2006 ضد لبنان، والعدوان المتكرر على غزة المحاصرة منذ العام 2007.

وكان برنارد لويس الباحث والمستشار الأمريكي الجنسية، البريطاني الأصل، والصهيوني التوجّه، الذي عمل مستشاراً لوزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، قد بلور نظرية أخضعت للدراسة والمناقشة، بهدف بلورتها في إطار ما يُعرف «تروست الأدمغة» في عهد الرئيس جيمي كارتر 1977-1981، وهو المجمّع الفكري- الأكاديمي الإعلامي للعقول، الذي يقدّم خدماته للمجمّع الصناعي - الحربي وللرؤساء تحديداً، والذي ارتفعت مكانته منذ عهد الرئيس جون كينيدي الذي اغتيل في 22 تشرين الثاني/‏‏نوفمبر العام 1963.

وجوهر نظرية لويس يتعلق بتفكيك دول المنطقة، من خلال دفع شعوبها ودولها للاقتتال والاحتراب، ثم تأتي الخطوة اللاحقة لحصد النتائج ورسم الخرائط، من خلال تشطيرها إلى دول ومجاميع وكانتونات ودوقيات، عرقية ودينية ومذهبية وطائفية، وتحديد حدود كل مجموعة إثنية، أو دينية، أو مذهبية، ليتم التفكيك أولاً، وليصار إلى تقسيم المقسّم وهكذا. ولا شك في أن هناك عوامل داخلية تُمكن القوى الخارجية من الاستناد إليها لتنفيذ استراتيجياتها، ونقصد به شحّ الحريات، وعدم إقرار التعددية والتنوّع والاعتراف بحقوق المجموعات الثقافية، وعدم المساواة، فضلاً عن الفقر والأمية والتخلّف.

لا يحتاج المرء إلى كثير من التكهن ليعرف أنه سيتم القضاء على «داعش» إن آجلاً أو عاجلاً، لأنه ضد منطق الحياة، وضد الطبيعة البشرية، وضد التطور، ولكن ماذا بعد «داعش»؟ إنها الخشية الحقيقية إلى وصول مشاريع التفكيك إلى صيغتها التنفيذية، أي القبول بها باعتبارها أسوأ الحلول الممكنة، بعد احترابات دموية وصراعات عنفية وحروب ونزاعات عسكرية إقصائية وإلغائية.

 

 
صحيفة الخليج الاماراتية ، الاربعاء 6/4/2016
 


 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter