|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الجمعة 7/12/ 2012                                 عبدالحسين شعبان                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

كلمة الدكتور عبد الحسين شعبان في الاحتفال التكريمي للشهيد منصور الكيخيا
 

حكمة الضوء وشهادة التاريخ

عبد الحسين شعبان *


أيّتها السيّدات أيّها السّادة
عائلة الشهيد
الدكتور محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني الليبي
دولة رئيس الوزراء الأستاذ علي زيدان
أصحاب المعالي والسعادة


أيّها الحفل الكريم

ها نحن نلتقي اليوم في احتفال تكريمي مهيب في حضرة منصور الكيخيا وفي طرابلس، لنعلن أنه رحل شهيداً بعد التأكد من وجوده الفعلي بفضل نجاح ثورة 17 فبراير (شباط) 2011 وبعد العثور على جثته وإجراء الفحص المختبري للحمض النووي.

لعلّ سؤالاً ملحّاً ظلّ يراود أذهان الكثيرين كل سنوات اختفائه القسري التسعة عشر ألا وهو: لماذا تستبدل الدولة مهمّاتها بمهمّات قاطع طريق، فتخطف تحت جنح الظلام مواطناً أعزلاً أو مثقفاً مسالماً، في حين أنها مدجّجة بالسلاح والمال والمخبرين والسجون .

وعلى الرغم من معرفتها أن الشبهات تحوم حولها، بل تلاحقها الاّ أنها كانت تراهن على الصمت وضعف الذاكرة والنسيان. ولعلّ أخشى ما كانت تخشاه هو حكمة الضوء التي تكشف المستور، وتظهر الحقيقة ساطعة، وتفضح أصحاب "الصناديق السوداء" وغلاظ القلوب ومعهم الزّيف المعتّق والخداع المزمن والسّريّة المقيتة.

إن هدف هذا الإستذكار هو كشف الحقيقة وإدانة المرتكبين ومساءلتهم وتعويض الضحايا وعوائلهم معنوياً وماديّاً ومجتمعيّاً وإنسانيّاً، وجبر الضرر، ووضع حد لهذه الجرائم كي لا تتكرّر، وذلك بإصلاح الأنظمة القانونيّة والقضائيّة والأمنيّة.

إن الغاية من هذه الإستعادة الإنسانيّة لا تستهدف الإنتقام أو الثّأر أو الكيديّة أو التحريض بقدر بحثها عن العدالة الغائبة أو المفقودة، وبلا أدنى شك الحوار حول أفضل السبل للعدالة المنتظرة والموعودة .

كان المشروع الفكري التنويري لمنصور الكيخيا يقوم على العقلانية والديمقراطية والمدنية كثلاثية لا انفصال بينها لإنجاز التغيير المنشود ولتفكيك بُنية الإستبداد، خصوصاً باعتماد وسائل سلمية وحضارية، وبممارسة مختلف الضغوط المشروعة لفتح ثغرة في جدار التسّلط والإستئثار والفردية .

وأعتقد أن القذافي كان يدرك جدية وفاعلية مثل هذا التوجّه اللاعنفي الإنساني والحقوقي، ولاسيما التعبير عن الرأي، وكان يخاف من اتساع دائرة الضوء لأنه حريص على إخفاء الحقيقة، أو تشويهها مثلما هو حريص على الصمت والنسيان.

ولهذه الأسباب أيضاً إستهدف شخصياً ورمزياً منصور الكيخيا، لأنه شعر بخطورة دور المثقفين والحقوقيين الليبيين، مثلما استهدف المثقفين والحقوقيين العرب، خصوصاً وأن منصور الكيخيا عضو مؤسّس وفاعل في المنظمه العربيه لحقوق الانسان، وممثل اتحاد الحقوقيين العرب في الأمم المتحدة في جنيف (ونيويورك)، وله دور مهم في اتحاد المحامين العرب.

كان منصور الكيخيا المثقف والحقوقي أكثر من يعرف قسوة النظام السابق، ولكن لم يعدم وسيلةً إلاّ واستخدمها لثنيه عن توجهه بما فيها الحوار معه، مع علمه المسبق بوعورة الطريق والعقبات التي تعترضه، لاسيما وأن النظام يرفض أيّ مساحة للإعتراض أو أية حواشي للإختلاف أو أيّه مسافة للتمايز، حيث كان شعاره الذي لا يتهاون فيه ( من تحزّب خان)، ولكن منصور الكيخيا كرجل حوار وسلام وكمثقف لا عنفي وصاحب مشروع تنويري للتغيير الديمقراطي، لا بدّ أن يواصل جهوده السلمية المدنية الحضارية باتجاه التحوّل والتغيير، منطلقاً من ثقته بنفسه وبمشروعه ودوره الريادي .

رحل منصور الكيخيا منتصراً على جلاّده الذي ظلّ يخاف من إسمه وهو يتردد في المحافل والأروقة الدولية كرمز لحقوق الإنسان ولجميع المختفين قسرياً في ليبيا والعالم أجمع .

وإذا كان إسم الكيخيا يرتفع اليوم عالياً في سماء ليبيا مثل نجمة فضية مشعّة وهادية، فإن إسم خاطفيه الذين حاولوا اخفاء كل أثر له لا يُذكر إلاً وهم مجلّلون بالعار والشنار والإشمئزاز والإزدراء، وتلكم هي حكمة الضوء وشهادة التاريخ.

لعلّ فضل منصور الكيخيا استمرّ حتى بعد رحيله، فقد منحنا اليوم هذا الشرف لنجتمع في رحابه ونودعه إلى مثواه الأخير بكل الحب والإعتزاز والعرفان بالجميل، ولنمجّد مجدداً حكمة الضوء وسلطة الحقيقة المنوّرة.

لا نقول وداعاً لمنصور الكيخيا، بل نقول له اشتياقاً
يوم الشهيد تحيةٌ وسلامُ
بكَ والنضالُ تؤرّخ الأعوامُ
مرّة أخرى منصور الكيخيا اشتياقاً ..
منصور الكيخيا ... سلاماً!


طرابلس(ليبيا) 2/12/2012
 


* كاتب ومفكر عراقي وأستاذ القانون الدولي وفلسفة اللاعنف في جامعة أونور - بيروت

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter