|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الجمعة  26  / 9 / 2014                                د. عبدالحسين شعبان                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

“داعش” والفصل السابع

د. عبد الحسين شعبان

في تطوّر خطر على الصعيدين القانوني والدبلوماسي تبنّى مجلس الأمن الدولي قراراً ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، قضى بموجبه قطع مصادر التمويل عن مقاتلي "داعش" ومنعهم من تجنيد المقاتلين الأجانب . ونصّ القرار رقم 2170 الصادر في 15 أغسطس/آب 2014 الذي تقدّمت به بريطانيا على إدراج 6 أسماء من القيادات الإسلاموية المتطرفة الخاصة بتنظيم "القاعدة"، إضافة إلى الشخصيات المموّلة لتنظيم "جبهة النصرة" في سوريا، على لائحة العقوبات الدولية، وتجميد ممتلكاتها ومنعها من السفر، بمن فيها الناطق باسم تنظيم "داعش" المدعو أبو محمد العدناني .

ويعد القرار رقم 2170 أوسع إجراء تتخذه الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمواجهة مقاتلي "داعش"، بعد أكثر من شهرين على احتلاله للموصل وتمدّده في العراق في محافظات صلاح الدين والأنبار وأجزاء من كركوك وديالى، إضافة إلى مناطق واسعة من سوريا كان آخرها السيطرة على مطار الطبقة وعلى محافظة الرقة بالكامل، واحتلاله نحو 60 قرية في محافظة الحسكة وبالقرب من الحدود التركية، ووضع يده على حقول نفط ومصاف استخدمته لبيع النفط بالسوق السوداء والحصول على تمويل هائل، حتى إن واشنطن تعتبره الآن أغنى منظمة إرهابية في العالم .

وكان القرار 2170 قد صدر بعد هول الأعمال الوحشية ومحاولة محو مجموعات ثقافية ودينية بالكامل على أساس ديانتها ومعتقداتها، كما حصل بالنسبة إلى المسيحيين والإيزيديين والشبك والشيعة والتركمان في تلعفر، فضلاً عمّا لحق بالسنّة الذين يشكلون أغلبية ساحقة في المحافظات المذكورة في إعلاه، إضافة إلى بعض مناطق حزام بغداد، من إساءة حقيقية، حين طالبهم "داعش" بالولاء وبالبيعة، مثلما طالب أتباع الديانات والمذاهب الأخرى بالدخول إلى "إسلامه" أو دفع الجزية أو الرحيل، وإلاّ فإن شبح الموت يخيّم عليهم، ولذلك اضطرّ عشرات، بل مئات الآلاف من السكان من مختلف التكوينات القومية والإثنية إلى الهجرة والنزوح في لحظة انقطاع تاريخية، لم يسبق للعراق أن مرّ بها، فضلاً عن تعرّض المئات إلى القتل العشوائي والإعدامات بالجملة، والنساء إلى العنف الجنسي والاغتصاب وكذلك الأطفال، وإذا أضفنا إليهم من نزح من محافظات الأنبار وصلاح الدين، فقد يصل الرقم إلى مليون و800 ألف نازح خلال أشهر قليلة .

وطلب قرار مجلس الأمن من جميع الدول الأعضاء اتخاذ الإجراءات على الصعيد الوطني لتقييد تدفق مقاتلين إرهابيين أجانب يلتحقون بصفوف "داعش" و"جبهة النصرة"، ودان القرار أي تعامل تجاري مباشر وغير مباشر مع هذين التنظيمين أو الجماعات المرتبطة بهما . وهو ما كان محطّ بحث في مؤتمر باريس للتصدي للإرهاب الدولي .

جدير بالذكر أن الإشارة إلى الفصل السابع الخاص بالعقوبات، وتحديداً في المواد 39-،42 وصولاً إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الخاصة بحق الدفاع عن النفس، تعني اللجوء إلى جميع أشكال العقوبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وصولاً إلى العقوبات العسكرية، أي استخدام القوة بهدف تطبيق القرار ،2170 الأمر الذي قد يدفع تطور الأمور إلى القيام بعمليات عسكرية واسعة، وحتى إن بدأت بعض العمليات حالياً، فإنها ظلّت محدودة، حيث لا يزال "داعش" يسيطر على مناطق واسعة من العراق وسوريا ويتحكم بمنطقة جغرافية كبيرة ومتصلة وتشمل عدداً من المحافظات سورية وعراقية، ويحاول "داعش" القيام بمهمات إدارتها طبقاً لقوانين وأنظمة جديدة وطارئة وضعها بعد هيمنته على هذه المناطق .

لقد كانت قضية التدخل العسكري، ولا تزال تثير جدلاً واسعاً حول "الحق في التدخل الإنساني"، أو لأغراض "إنسانية"، لاسيّما بحدوده ومداه وسلطة اتخاذه، خصوصاً بملابساته ومضاعفاته الخطرة، كما حصل في كوسوفو العام 1999 والعراق العام ،2003 وليبيا العام 2011 وغيرها، وهو الأمر الذي دفع نائب السفير الروسي بيتر ايليتشيف في الأمم المتحدة للقول إن القرار لا يعد موافقة على الشروع بعمل عسكري . وهي المسألة التي بدأت روسيا تتخذ منها موقفاً متشدّداً، لاسيّما بخصوص سوريا، في عهد الرئيس بوتين، بعد التجربة الليبية وقبلها التجربة العراقية .

لكن القرار على أية حال سيشكّل إطار قانونياً دولياً جديداً يضاف إلى قرار مكافحة الإرهاب الدولي، لاسيّما القرار 1368 الصادر في 12 سبتمبر/أيلول 2001 الذي صدر بعد يوم واحد من أحداث 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية الإجرامية التي حصلت في الولايات المتحدة، والقرار 1373 الصادر في 28 سبتبمر/أيلول من العام ذاته، وهو من أخطر القرارات الدولية، حين أعطي الحق باستخدام القوة إذا ما شعرت الدولة بأنها مهددة بخطر إرهابي وشيك الوقوع أو محتمل، والقرار 1390 الصادر في 16 يناير/كانون الثاني 2002 الذي فرض التزامات وعقوبات على الدول للتعاون بصدد مكافحة الإرهاب الدولي، وهو الأمر الذي استغلّه الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش بشأن شن الحرب على العراق، بل التلويح بأن الإرهاب الدولي يمكن أن يشمل 40 بلداً و60 حركة بما فيها أطراف في حركة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال "الإسرائيلي"، وهو ما يُطلق عليه ازدواجية المعايير والتوظيف السياسي لقرارات الأمم المتحدة .

جدير بالذكر أن القرار حدّد أسماء الإسلامويين الستة الذين فرض مجلس الأمن العقوبات عليهم، ولكن لم يكن أبو بكر البغدادي قائد تنظيم "داعش" والخليفة المنصّب من قبلها ضمنهم، بل كانت الفضيحة كبيرة حين تم اكتشاف أن اسمه غير معروف، وليس هناك مادة أرشيفية موثقة عنه، وهو يعني تقاعس الجهد الاستخباري العالمي، لاسيّما للقوى الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة . أما الأسماء الستة فهي :
1- عبدالرحمن محمد ظافر الدبيسي الجهني (مبعوث القاعدة إلى سوريا)، وهو مطلوب في المملكة العربية السعودية والتحق بالقاعدة في سوريا العام 2013 .
2- حجاج بن فهد العجمي وهو أحد مموّلي "جبهة النصرة"، وقد سبق أن أدرج اسمه على لائحة المطلوبين وكان ينتقل بين الكويت وسوريا لجمع الأموال .
3- أبو محمد العدناني، واسمه الحقيقي طه صبحي فلاحة، من مواليد حلب العام 1977(وهو الناطق الرسمي) .
4- سعيد عارف، وقد ولد في الجزائر، وهو من المسؤولين عن تجنيد المقاتلين الأجانب، ولاسيّما من الفرنسيين للقتال في سوريا، وقد سبق أن حوكم في فرنسا وحكم عليه العام 2007 بإدانته بالإرهاب واستطاع الفرار 2012 والتحق بتنظيم "جبهة النصرة" .
5- عبد المحسن عبدالله إبراهيم الشارخ، وهو مدرج على لائحة الإرهاب الدولي .
6- حميد حمد العصي، وهو من المتهمين في "جبهة النصرة" و"داعش" حالياً .

لقد كان سقوط الموصل المفاجئ بيد تنظيم "داعش" الإرهابي وتقدّمه بعد أسابيع باتجاه كردستان وأربيل تحديداً، ناقوس خطر جديد لدول المنطقة، إضافة إلى الولايات المتحدة، وقد سبق لإيران أن أعلنت استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة للتصدي للإرهاب ولتنظيم "داعش"، لكن جون كيري وزير خارجية واشنطن نفى أية عملية تنسيق مع طهران، كما استبعد أي تعاون مع النظام السوري بوجود الرئيس بشار الأسد .

وإذا كانت واشنطن قرّرت عبر الكونغرس استخدام القوة العسكرية، ولاسيّما سلاح الجو الأمريكي، لتوجيه ضربات محددة لمواقع "داعش"، خصوصاً طائرات من غير طيار، فإن الرئيس الأمريكي ينتظر خلال أيام ترؤس جلسة خاصة في مجلس الأمن، ولاسيّما بعد صدور القرار ،2170 مخصصة للبحث في كيفية مواجهة خطر الإرهابيين الأجانب الذين يلتحقون بالتنظيمات الإسلاموية في سوريا والعراق، بعد أن أبدى مرونة عالية حين طلب من تنظيم "الجيش السوري الحر" مقاتلة "داعش"، الذي يواجه الجيش السوري النظامي، كما أكّد دعم المعارضة السورية "المعتدلة" كما أسماها .

وتتنازع واشنطن ستراتيجيتان الأولى: خطة طويلة الأمد في الشرق الأوسط وهو ما صرّح به الرئيس أوباما، والثانية خطة للتعاون الإقليمي وذلك ما جاء على لسان ماري هارف (المتحدثة باسم وزارة الخارجية)، يمكن أن تكون فعّالة على هذا الصعيد، خصوصاً أن الرياض أصدرت قراراً بتجريم وملاحقة "داعش" باعتباره تنظيماً إرهابياً، وجدّدت دعوتها إلى دعم مركز دولي بحثي لمكافحة الإرهاب الدولي، وهو الأمر الذي يجعل موضوع التفاهم الأولي الأمريكي الإيراني بشأن الملف النووي مقدمة لإمكانية حلحلة ملف التفاهم الخليجي الإيراني، وذلك للخطر المشترك، ويمكن للأمم المتحدة أن تكون الإطار الذي تتلاقى فيه المصالح المشتركة، خصوصاً أن خطر الإرهاب الدولي يهدّد الجميع، وعليهم التعاون للقضاء على هذا السرطان قبل أن يستفحل في جسد المجتمع الدولي.


صحيفة الخليج الاماراتية، الاربعاء، 24/9/2014



 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter