|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأربعاء 26/12/ 2012                                 عبدالحسين شعبان                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

شيء عن الدبلوماسية “الإسلامية”

عبد الحسين شعبان *

كانت ردود الفعل الغاضبة والمنفعلة إزاء الفيلم المسيء إلى الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) الذي أنتجه متطرفون أقباط في أمريكا، وبثته شبكات الإنترنت لمدة 13 دقيقة، مثار نقد شديد، خصوصاً ما نتج عنها من أعمال عنف، ولاسيما اغتيال السفير الأمريكي جون كريستوفر ستيفنز في بنغازي ومهاجمة السفارة الأمريكية في مصر وعدد من البلدان العربية . ولعل هذه ليست المرّة الأولى التي يتم فيها استفزاز مشاعر العرب والمسلمين، فقد سبق ذلك ببضع سنوات نشر صور كاريكاتورية تسخر من مقام الرسول وتسيء إلى الإسلام، وغيرها من الأعمال المقصودة والمغرضة التي حدثت في الدنمارك وهولندا والعديد من البلدان الأوروبية .

وإذا كان ينبغي صيانة حرية التعبير باعتبارها جزءاً من الحقوق الأساسية للإنسان، مثل حق الاعتقاد وحق التنظيم وحق المشاركة، وبالطبع بعد حق الحياة المقدس، فالمسألة لا علاقة لها بذلك، خصوصاً في ظل الازدواجية والانتقائية في المعايير، وبقدر ما يتعلّق الأمر بمعاداة السامية أو التشكيك حتى بالأرقام المتعلقة بمحرقة “الهولوكوست” من جانب مفكرين وباحثين جادين، مثل روجيه غارودي مثلاً، فهنا تتراجع حرية التعبير للعديد من الأوساط الغربية وتعد تشهيراً حتى وإن كان مثل هذا التشكيك لا ينصبّ على حقيقة وقوع المحرقة الفعلي بحق اليهود .

إن حرّية التعبير التي ينبغي احترامها وصيانتها والدفاع عنها ليست مقتصرة على مسألة معاداة السامية، وإنما ينبغي أن تشمل حقوق جميع الأديان، فالإساءة إلى الإسلام وازدرائه والتطاول على الرموز الدينية وبأي شكل من الأشكال، يلحق ضرراً بالعلاقات السلمية بين الأديان والثقافات والحضارات المختلفة، فضلاً عن الإساءة إلى حرية التعبير ذاتها، وهو الأمر الذي يطرح سؤالاً مهماً عن حدود حرية التعبير في الغرب وسقفها والمشمولين فيها! وإذا كانت معاداة السامية تستحق إصدار تشريعات خاصة، فينبغي أن تشمل هذه التشريعات والقوانين معاداة الأديان الأخرى بما فيها الإسلام، وهكذا يفترض وضع حرية التعبير عن الرأي والمعتقد في إطار لا يؤدي إلى نشر ثقافة الكراهية والحقد وازدراء الآخر، لأنها ستقود إلى ردود فعل متعصّبة ومتطرّفة وعنفية، في حين أن هدف حرية التعبير هو نشر ثقافة السلام والتسامح والتواصل الإنساني بين الأمم والقوميات والأديان على أساس المشتركات، والعمل على حلّ المنازعات بينها بما يحفظ أمنها وحريتها ورفاهها وليس العكس .

حين كان القرار الأممي 3379 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1975 بخصوص دمغ الصهيونية بالعنصرية واعتبارها شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري سارياً، ارتفع الكثير من الأصوات في الغرب لتعلن معارضتها له وتعدّه معادياً للسامية، لكن هذه الأوساط ذاتها بما فيها بعض الحقوقيين تسكت عن محاولات الإساءة إلى الإسلام .

فهل نقد ممارسات “إسرائيل” ودمغها بالعنصرية إساءة إلى اليهود، في حين أن الإساءة إلى الإسلام وازدراء نبيّه والسخرية منه، لا تعد إساءة إلى الشعوب العربية والإسلامية، وهو الأمر الذي يستحق الإدانة من باب أولى؟ في حين أن ممارسات “إسرائيل” بحق شعب فلسطين تجاوزت كامل منظومة القانون الدولي وانتهكت على نحو سافر الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وجميع المعايير والقيم الدولية، ومن المفارقة أن الدول الغربية التي عملت على تحشيد الرأي العام العالمي لإلغاء هذا القرار ،3379 وحصل لها ما أرادت بعد اختلال ميزان القوى العالمي في العام ،1991 ولاسيما بعد انهيار الكتلة الاشتراكية، هي نفسها اليوم تسكت أو تغضّ النظر عن الإساءة إلى الإسلام والمسلمين .

وبالطبع فإن الطريق إلى إصدار تشريع دولي لمكافحة العنصرية والتعصب، ولاسيما ضد الأديان، لم يكن سهلاً، واستناداً إلى جهد عربي وإسلامي ودعوات إلى حوار الحضارات وتفاعل الثقافات، صدر في العام 2011 قرار من مجلس حقوق الإنسان في جنيف برقم 16/18 أكد ضرورة “مكافحة التعصب والقولبة النمطية السلبية والتمييز والتحريض على العنف وممارسته ضد البشر بسبب دينهم أو معتقدهم” .

ولعلّ هذا القرار استند إلى ما سبقه من قرارات وإعلانات واتفاقيات دولية، مثل قرارات مؤتمر ديربن، إضافة إلى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ولاسيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1966 والداخل حيّز التنفيذ العام ،1976 وخصوصاً المادتين 19 و20 اللتين تنصان قانوناً على حظر الدعاية للحرب وللكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، تلك التي تقوم على التمييز والعداوة أو العنف .

إن مثل هذه القواعد العامة، إضافة الى ميثاق الأمم المتحدة، تحتاج إلى جهود عربية وإسلامية من أجل تفعيلها ووضعها ضمن برنامج وخطط راهنة ومستقبلية، فإضافة إليها هناك العديد من القرارات الدولية التي تصب في هذا الاتجاه مثل:

1- إعلان مبادئ التسامح الصادر عن اليونيسكو، العام 1995 .

2- إعلان ثقافة السلام وبرنامج العمل الخاص به الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، العام 1990 .

3- القرار المتعلق بالترويج لثقافة السلام واللاعنف الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في العام 2002

4- القرار المتعلق بالترويج للتفاهم والوئام والتعاون الديني والحضاري الصادر العام 2003 .

5- القرار المتعلق بالقضاء على كل أشكال التعصب وعدم التسامح الديني الصادر في العام 2009 .

6- القرار المتعلق بالترويج لحوار الأديان والحضارات والتفاهم والتعاون من أجل السلام الصادر في العام 2009 .

7- القرار المتعلق بأسبوع الوئام العالمي بين الأديان الصادر في العام 2011 .

ولعلّ هذه القرارات جميعها تؤكد الحاجة إلى أهمية نشر الثقافة المتسامحة ووضع قواعد تنفيذية وتشريعات دولية ووطنية، خاصة على صعيد كل بلد وعلى الصعيد العالمي لوضعها موضع التطبيق .

إن بعض مظاهر الجحود والإنكار لبعض حقوقنا لا يعني نفي صفة الديمقراطية عن العديد من الدول الغربية، إلاّ أنها لا تكترث كثيراً بما يخص الإسلام، ويعود ذلك في جزء منه إلى وسائل الدعاية السوداء ضدنا وتضارب المصالح، فضلاً عن الصورة السيئة التي يقدمها بعض المتأسلمين عن الإسلام، لكن ذلك لا يبرر مواقفها التي تبدو وكأنها غير معنية بما يحصل من إساءة إلى مقدسات المسلمين، وهو أمر سيدخلها في خانة التواطؤ في كل ما يتعلق بحقوقنا، بما فيها دعواتنا حوار الحضارات واحترام المقدسات الدينية، المسكوت عنها سواء بالصمت أو السكوت أو بالتنديد على نحو خافت وبعد حين، وكل ذلك حسب القوانين يعدّ تهرّباً من المسؤولية، في حين قامت بصبّ جام غضبها ضد بعض ردود الفعل المتطرفة، والتي هي وجه آخر للتطرف الغربي، وربما بسببه، وعانت منه الدول العربية والإسلامية قبل غيرها .

آن الأوان للمجتمع الدولي لإصدار تشريع دولي يحرّم الإساءة إلى الأديان والمعتقدات الدينية، وهو أمرٌ ضروري من ضرورات السياسة الدولية الراهنة، لا سيما إذا كان الهدف يقوم على تنقية الأجواء الدولية من الكراهية والعنصرية . ومثلما يذهب الغرب إلى نقد كل ما له عداء للسامية، فلا بدّ أن تكون المسألة على كفة ميزان واحد في ما يتعلق بالأديان الأخرى أيضاً، ولاسيما الإسلام .


صحيفة الخليج الاماراتية ، الاربعاء 26/12/2012


* كاتب ومفكر عراقي وأستاذ القانون الدولي وفلسفة اللاعنف في جامعة أونور - بيروت

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter