|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الجمعة  24  / 10 / 2014                                د. عبدالحسين شعبان                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

تونس والطريق الوعر إلى الانتخابات

د. عبد الحسين شعبان

انطلقت الحملة الانتخابية في تونس للانتخابات البرلمانية يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول ،2014 ومن المقرّر أن تتم الانتخابات يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول، أما الانتخابات الرئاسية فستجري يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 .

الانتخابات البرلمانية الحالية هي الثانية منذ أن أضرم النار في جسده بائع الخضار محمد بوعزيزي في مدينة سيدي بوزيد في ديسمبر /كانون الأول العام ،2010 حيث انطلقت شرارة الانتفاضة من هناك لتعمّ عدداً من المدن التونسية وصولاً إلى العاصمة تونس، التي اضطر الرئيس السابق زين العابدين بن علي مغادرتها، بترجيح من الجيش .

وإذا كانت الانتفاضة التونسية قد ألهمت العديد من الحركات الشعبية، فقد كان لاتحاد العوامل الموضوعية مع العوامل الذاتية دور أساسي في نضوج اللحظة الثورية، كما حصل في بلدان مثل مصر وليبيا واليمن وغيرها، وفي الوقت نفسه اشتعلت المنطقة كلّها بحروب وثورات وثورات مضادة ونزاعات مسلحة وانفلاتات أمنية وأعمال إرهاب وعنف زادت حدّة بعد احتلال "داعش" محافظة الموصل في العراق ووضع يده على محافظة صلاح الدين وجزء كبير من الأنبار بعد السيطرة على مدينة هيت، وأجزاء من محافظتي كركوك وديالى، وكذلك محافظات الرقة ودير الزور ومطار الطبقة في سوريا، ومحاولة الهيمنة على مدينة عين العرب "كوباني" التي لا تزال محاصرة منذ أكثر من أربعة أسابيع!

وإذا كان "حزب النهضة" قد تحلّى بالعقلانية أو اضطّر إلى ركوب مركبها بعد الإطاحة بحكم الإخوان في مصر، إلاّ أن ما يسجّل له أنه اعتمد ذلك في إطار سياسة براغماتية وتكتيكات حيوية من شأنها تعطيل حدوث الانفجار أو استيعابه، خصوصاً عندما استطاع قراءة المتغيّرات السياسية الداخلية والإقليمية على نحو صحيح جنّب نفسه والبلاد الفوضى والاحتراب . وعلى الرغم من أنه وصل إلى السلطة عن طريق صندوق الاقتراع، لكن ذلك وحده ليس كافياً للتمسك بها بسبب أخطاء كبيرة ارتكبت خلال فترة حكمه الأولى، إضافة إلى تصاعد حالات رفض شعبي كان لا بدّ من مراعاتها .

السؤال الآن: هل ستأتي الانتخابات الحالية بالنتائج ذاتها أم أن هناك تغييرات كبيرة في الخريطة السياسية ستحدث؟ والأمر له علاقة بالوضع الداخلي، ولاسيّما الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة، وكذلك بالوضع الإقليمي، وخصوصاً بعد الحرب الأهلية الليبية، وبعد إزاحة حكم الإخوان في مصر، وبعد الوجود الكثيف لمنظمات الإرهاب وخطرها على سوريا والعراق، وذهب العالم اليوم جميعه تقريباً باستثناء روسيا وإيران، للقاء والتعاون في إطار تحالف دولي للقضاء على الإرهاب وعلى منظمة "داعش" و"جبهة النصرة" الإرهابيتين، وذلك أيضاً في إطار قرار أصدره مجلس الأمن الدولي برقم 2170 في 15 أغسطس/آب 2014 .

مازال طريق الانتخابات العربية وعراً، وحتى التجارب التي تمت بعد موجة "الربيع العربي"، فلم تكن مشجعة في الكثير من الأحيان، بل تركت مشاكل ومتعلقات واحترابات كما حصل في ليبيا، ناهيكم عن لغة السلاح التي تأخذ الصدارة في اليمن، حيث يسيطر الحوثيون على العاصمة، أما في العراق فقد كانت مفاجأة تنظيم "داعش" والاستيلاء على نحو ثلث مساحة العراق هي الشغل الشاغل بعد تشكيل الوزارة الجديدة برئاسة حيدر العبادي .

إذا كان لنا من توصيف للوضع التونسي الذي تابعناه من بداية الانتفاضة وقمنا بزيارات ميدانية عديدة له، فيمكننا القول إنه مرّ بأربعة تحوّلات: الأولى بدأت مباشرة بعد تغيير النظام وإطاحة ابن علي، حيث جاءت حكومات انتقالية وأجريت انتخابات تشريعية (أكتوبر/تشرين الأول 2011) . أما الفترة الثانية فكانت قد بدأت عند تشريع البرلمان المنتخب دستوراً حيث تألفت حكومة ائتلافية على رأسها حزب النهضة الإسلامي، مع حزبين يساريين . وقد ارتفعت موجة العنف التي ضربت البلاد على يد جماعات سلفية، خصوصاً اغتيال شكري بلعيد ومحمد براهمي العام 2013/ إضافة إلى مهاجمة مقار ومبان حكومية وخصوصاً في الأطراف .

أما المرحلة الثالثة فهي التي ابتدأت منذ أواسط العام 2013 وحتى مطلع العام ،2014 عندما انفجرت الأزمة في البلاد، وساهم في إدارة الحوار الوطني، لجميع القوى السياسية، ثلاث جهات ذات صدقية هي: اتحاد الشغل التونسي والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ونقابة المحامين التونسيين، وتمخّض الحوار عن اعتماد دستور طال انتظاره وموافقة حكومة حزب النهضة على التنحي وقيام حكومة ائتلافية تضم كفاءات تكنوقراطية . وهكذا تخلى علي العريّض وحلّ محلّه مهدي جمعة .

ويمكن تأشير المرحلة الرابعة المستمرة حتى الآن بقيام حكومة د . مهدي جمعة وتنتهي بالانتخابات النيابية 26 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، والانتخابات الرئاسية 23 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل . وقد قامت حكومة جمعة بعدد من الإجراءات التي تحسب لها مثل اعتماد قانون انتخابات، كما ساهمت في التصدي للإرهاب وانخفضت وتيرة العنف في البلاد . وتبقى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس فضلاً عن اختيار طريق التنمية لتشكل جوهر المرحلة القادمة ومحتواها سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وقانونياً، فالتنمية المستدامة هي المدماك الأساسي الذي لو تحقق لاستطعنا اعتبار النموذج التونسي للربيع العربي قد سار في طريق تحقيق أهدافه، حتى وإن واجهته صعوبات داخلية غير قليلة، وأخرى تتعلق بدول الجوار مثلاً، لاسيّما انفلات الوضع الأمني في ليبيا، والتوترات مع الجزائر وصعود حركات إسلامية وإرهابية جديدة في المنطقة مثلما هو الأمر في الجزائر وليبيا وموريتانيا وحتى المغرب .

والحفاظ على الأمن والقضاء على الإرهاب يتطلبان عملاً طويلاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتربوياً ودينياً توعوياً وكذلك إجراءات قانونية وعسكرية وأمنية واستخبارية لتجفيف منابع الإرهاب وتفكيك البنية الأيديولوجية والاقتصادية التي يقوم عليها . ولعلّ ذلك مرتبط إلى درجة كبيرة بتلبية الحقوق والحريات وتأكيد مبادئ المساواة والعدالة وكل ذلك من خلال عملية تنمية اجتماعية مستدامة ومتعددة الأهداف .

المقاعد التي يتنافس عليها اللاعبون السياسيون يبلغ عددها 217 مقعداً في البرلمان، وهناك 27 مرشحاً يطمحون بأن يحتلوا موقع رئيس الجمهورية، وأهم اللاعبين هم حزب النهضة، وحزب نداء تونس الذي تشكل من مجموعات من التكنوقراط بعضها كانت مشاركة في الحكومات السابقة وبعضها الآخر من معارضين ليبراليين ويساريين، وهو حزب قوي ومنافس مهم لحزب النهضة، وهناك الجبهة الشعبية وهي تيار اشتراكي يضم عشرة أحزاب علمانية تقول إنها ضد الإسلاميين وضد حكم الترويكا، كما أن هناك حزب المؤتمر برئاسة منصف المرزوقي (الرئيس الحالي) وحزب التكتل برئاسة مصطفى بن جعفر (رئيس البرلمان الحالي) وأحزاب علمانية وليبرالية أخرى .

المعركة ستكون حامية الوطيس ويواجهها سؤال كبير هل ستستطيع تونس تقديم تجربة جديدة باتجاه الديمقراطية؟ وإذا نجحت في ذلك فإن الأمر سينعكس على مجمل دول ما يسمى "الربيع العربي" وعموم دول المنطقة، أما إذا فشلت فإن تأثيراته السلبية هي الأخرى ستنعكس على دول المنطقة .



جريدة الخليج الاماراتية، الاربعاء 22/10/2014



 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter