|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 السبت  1  / 2 / 2014                                د. عبدالحسين شعبان                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

جنيف 2 واستعصاء الحل!

د. عبد الحسين شعبان *

عندما انطلقت الثورة السورية في 15 آذار (مارس)2011، كانت سلمية مدنية، ورفعت شعارات عامة تدعو إلى توسيع دائرة الحريات، وإلغاء نظام الحزب الواحد، وتعديل الدستور، واحترام الكرامة الإنسانية والمواطنة المتساوية، والإقرار بالتعددية والتنوّع وتحقيق العدالة الاجتماعية، لكنها بعد نحو ستة أشهر، وبسبب القمع وعدم التوصل إلى حلول عقلانية ومبدئية لتلبية مطالبها، ودخول عوامل أخرى إقليمية ودولية على ملف الأزمة، دفع فريق منها إلى اللجوء إلى العمل المسلح، سواء دفاعاً عن النفس أو باعتباره خياراً مناسباً.

وتحوّلت المسألة السورية مع مرور الأيام، إلى مصارعة على الطريقة الرومانية، التي لا تنتهي إلا بإعياء الطرفين ووصولهما إلى حافة الموت، وهكذا تطوّرت إلى صراع ماراثوني دخلت عليه عوامل جديدة ومختلفة أحياناً عن أهداف الثورة، خلال السنوات الثلاث الماضية.

لا أظن أن هناك معجزة ستحصل ، بتوصل الطرفين إلى تسوية جوهرية
وقبل تفاقم الأحداث وانتقالها إلى الصدام المسلّح، لم يستجب النظام السوري للمبادرات والعروض والطلبات التي قدّمت له من جهات مختلفة؛ لفتح حوار مع المعارضة، ولكنه اضطرّ بعد خسارة نحو 150 ألف ضحية و37 عاماً من التنمية ووصول سوريا إلى المركز قبل الأخير للمؤشرات التنموية على مستوى دول المنطقة، حسب تقرير أخير صدر عن منظمة الأسكو ا التابعة للأمم المتحدة، وبعد نحو 6-8 ملايين من النازحين في الداخل واللاجئين في الخارج، وتدمير المرافق الحيوية والهياكل الارتكازية والمنشآت الاقتصادية، إلى قبول حوار في إطار تدخل دولي له أجنداته الخاصة، وذلك بعد مرور أكثر من عام ونصف على جنيف1.

وإذا كان همّ المعارضة الأساسي من حضور جنيف2، يتركّز حول تشكيل هيئة (حكومة) انتقالية لها كامل الصلاحيات، مع محاولة استبعاد الرئيس الأسد، فإن الحكومة السورية ظلّت تراهن على تشتت المعارضة، وإحراز بعض النجاحات العسكرية على الأرض، إضافة إلى إظهار أن المشكلة هي مكافحة الإرهاب وليس التغيير المنشود، كما تسعى إليه المعارضة، وكما تريده العديد من الدول الداعمة لسوريا، بمن فيهم مجموعة أصدقاء سوريا.

ومع هذين الموقفين المتعارضين، كثر الحديث عن لقاء المعارضة السورية مع الوفد الرسمي في قاعة واحدة، بحضور الضيوف وممثلي الدول الآخرين، أو عن لقاء الوفدين مباشرة في غرفة واحدة، وأخذ تعهدات أولية بعدم انسحاب أي منهما، وحتى وإن بدا الأمر تقدّماً، لكنه سيبقى شكلياً، إنْ لم يتم التوصّل إلى حل حقيقي للمسألة السورية، وهي تتعلق بمستقبل سوريا.

لا أظن أن هناك معجزة ستحصل، بتوصل الطرفين إلى تسوية جوهرية، وحتى لو افترضنا استمرار المفاوضات وتواصلها بصورة مباشرة أو غير مباشرة أو بوجود طرف ثالث، فإنها قد تستغرق أعواماً، بفعل المشكلات المتعلقة وتداخلاتها، وعلينا أن نتصوّر أن الحوار الوطني في اليمن وبعد المبادرة الخليجية، التي حالت دون اندلاع القتال أو الحرب الأهلية، فإنه استغرق نحو عامين، إلى أن تكلّل بالنجاح بدعم من الأمم المتحدة وجهودها، إضافة إلى تأييد غربي ممثلاً بدور أمريكي وأوروبي، ناهيكم عن دور خليجي، ولا سيما سعودي ناشط وضامن، وقد انبثق عن المؤتمر وثيقة "لدولة اتحادية" منشودة لا تزال تثير ردود فعل بين مؤيد ومعارض.

ولعلّ دولة كسوريا كثيرة التعقيد، فهي مجاورة لإسرائيل وأرضها مغتصبة (الجولان) إضافة إلى تعلّقها التاريخي بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب العربي الفلسطيني، لا سيّما حقه في تقرير مصيره، ناهيكم عن أن علاقاتها المتشابكة مع إيران وحزب الله، ورود الفعل الغربية والعربية والداخلية إزاء ذلك، وكذلك فإن وجود مسألة كردية، قد عاظم من المشكلة السورية، وخصوصاً بالتداخل مع حزب العمّال الكردستاني التركي المهيمن في مناطق شمال سورية، لا سيّما في القامشلي وعفرين وغيرها، وما تفرّع عن ذلك، المطالبات بكيانية كردية لحكم ذاتي على غرار الفيدرالية العراقية، وهناك مشكلات جديدة صاحبت حركة الاحتجاج، وذلك باستهداف المسيحيين والدروز والعديد من الطوائف المتعايشة في سوريا، أما موضوع العلويين ومحاولات الثأر أو الانتقام، فقد زاد من المشكلة الطائفية التي اتسعت هوّتها، بتفشي الجماعات الارهابية والتكفيرية.

وإذا كانت المعارضة ولا سيّما المسلحة، تسيطر على مناطق ريفية، فإن وجود آبار النفط فيها يجعل منها مناطق مهمة، سواءً على صعيد حل المشكلة أو تعقيدها في المدى المنظور أو المستقبلي، خصوصاً بما له علاقة بتصدير النفط عبر تركيا أو الأردن، وإذا كانت الحكومة والمعارضة ضعيفتان فإن الأولى لا تزال أقوى الضعفاء، فهي تمسك بدمشق العاصمة والمناطق المتصلة بها وتحظى بدعم دولي وإقليمي روسي- إيراني ، إضافة إلى وجود مجموعات شيعية مقاتلة معها من: (إيران، لبنان، العراق) ، كما أن المنافذ البحرية بيدها وكذلك الثروة الغازية.

ولهذا، فإن أفق الحل يبدو مشكوكاً به، خصوصاً وإن إصراراً دولياً من جانب مجموعة أصدقاء سوريا ودول الخليج وتركيا على رحيل النظام، الأمر الذي سيضطر فيه القتال دفاعاً عن نفسه حتى اللحظة الأخيرة، وهذا يعني استعصاء الحل السياسي دون نضوج عوامله دولياً وإقليمياً. وسيكون أقصى ما يمكن التوصّل إليه هو وقف مؤقت لإطلاق النار؛ لتعيد الأطراف المتصارعة انتشار قواتها وإعادة تنظيمها على أمل إعداد نفسها لجولات قادمة.

ولعلّ الحل يحتاج إلى نضوج عوامل موضوعية وذاتية لتوافق دولي أمريكي وأوروبي - روسي، وإقليمي إيراني - خليجي - تركي، ولا أعتقد أن بالإمكان تحقيق ذلك ضمن الظروف والعوامل القائمة، الأمر الذي يرجّح استمرار الصراع المفتوح والحرب الأهلية التي قد تطول، فإطالة أمد الصراع ستشجع على تفقيس المزيد من بيض المتأسلمين الإرهابيين، سواءً بأسماء داعش أو غيرها.


صحيفة اليوم السعودية، الثلاثاء 28/1/2014
 

* كاتب ومفكر عراقي وأستاذ القانون الدولي وفلسفة اللاعنف في جامعة أونور - بيروت

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter