| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. هاشم نعمة

 

 

 

الجمعة1/10/ 2010



المتغيرات المناخية الأخرى
لماذا يعد الكربون الأسود والأوزون أيضاً مسألة هامة (1)

ترجمة : د. هاشم نعمة

أخيرا، أقر قادة العالم بأن التغير المناخي يشكل تهديداً. ومن أجل إبطاء هذا التغير أو عكسه هم يطلقون المبادرات من أجل خفض غازات الاحتباس الحراري خصوصاً غاز ثاني أكسيد الكربون، المسؤول عن حوالي نصف الاحترار العالمي حتى هذا التاريخ. من الضروري خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل أساسي بسبب من إنها على الأرجح ستصبح السبب الأكبر للاحترار العالمي بنهاية هذا القرن. لكن المسألة المثبطة للعزائم هي: بقاء ثاني أكسيد الكربون في الجو قروناً، ومن الصعب الحصول على حكومات تتفق على خفض الانبعاثات بسبب من أن منافع ذلك يتم الاستفادة منها عالمياً، بينما التكاليف تتحملها الدول منفردة. وبالنتيجة، لا توجد حكومات تتحرك بالسرعة الكافية لتعويض تأثير الانبعاثات الماضية والحاضرة. وحتى إذا تم خفض الانبعاثات الحالية إلى النصف في عام 2050 – أحد الأهداف التي نوقشت في مؤتمر تغير المناخ للأمم المتحدة عام 2008- وقتئذٍ ستظل المساهمة الإجمالية للبشرية في رفع مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تشكل نسبة الثلث منذ بداية هذا القرن.

في غضون ذلك، أعطي قليل من الاهتمام لخيار ذي خطر أقل وفعال من ناحية الكلفة وذي مردود عال وهو: خفض انبعاثات مواد الكربون الممتص الخفيف (يعرف الكربون الأسود) والغازات التي تكون الأوزون مجتمعة، هذه الملوثات تشكل تأثيراتها المدفئة حوالي 40-70% من تلك العائدة لثاني أكسيد الكربون. إن الحد من وجودها في الغلاف الجوي هو أسهل وأرخص، وهذا الاقتراح يمكن تحقيقه من الناحية السياسية أكثر مقارنة بالمقترحات المألوفة أكثر لإبطاء تغير المناخ- وسيكون له تأثيراً فورياً أكثر.

الوقت ينفذ. وقد تسببت البشرية برفع حرارة كوكب الأرض بأكثر من 0.5 درجة مئوية منذ القرن التاسع عشر وأنتجت غازات الاحتباس الحراري بدرجة كافية لترفع درجات الحرارة 2.4 درجة مئوية في نهاية هذا القرن. وإذا أستمر غاز ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروز في الجو بالزيادة عند المعدلات الحالية وإذا ثبت أن المناخ أكثر حساسية تجاه غازات الاحتباس الحراري مما هو متوقع، فيمكن أن ترتفع حرارة الأرض 5 درجات مئوية قبل نهاية القرن.

تغير الحرارة من درجتين إلى خمس درجات ستكون له تأثيرات بيئية وجيوبولتيكية عميقة. وبالتأكيد سيذوب تقريباً كل الجليد البحري الصيفي في القطب الشمالي. نتيجة لذلك سيمتص المحيط المتجمد الشمالي المزيد من أشعة الشمس والذي بدوره سيزيد من تضخم ظاهرة الاحتباس. مثل هذه الزيادة يمكن أن تقضي على الأنهار الجليدية في جبال هملايا والتبت والتي تغذي الأنظمة النهرية الرئيسية لبعض من أفقر المناطق في العالم. وستعمل أيضاً على تسارع ذوبان الغطاءات الجليدية في كريلاند والقطب الجنوبي رافعة مستوى مياه البحار في العالم ومتسببة بهجرة سكانية واسعة النطاق من المناطق الساحلية المنخفضة. وستسبب دورات الجفاف والفيضانات الناتجة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض كوارث للاقتصاديات المعتمدة على الزراعة.

ستكون بعض التأثيرات البيئية الناتجة من ارتفاع درجة حرارة الأرض في وضع لا يمكن إلغاءها؛ ولا يمكن السيطرة على بعض التأثيرات الاجتماعية. ونظراً لهذه النتائج، يجب على صانعي القرار السياسي في جميع أنحاء العالم الذين يسعون لإبطاء تغير المناخ أن يمعنوا النظر في خيارات أبعد من مجرد الحد من ثاني أكسيد الكربون، خصوصاً، تلك الخيارات التي ستكون لها نتائج سريعة. حيث يمثل خفض الكربون الأسود والأوزون أحدى هذه الإستراتيجيات.

الملوثات القوية
عرف الـتأثير المسخن لثاني أكسيد الكربون، على الأقل، منذ بداية القرن العشرين، وعرف تأثير الأوزون منذ سبعينات القرن الماضي، لكن اكتُشفت أهمية الكربون الأسود، أخيراً، فقط. وخلال العقد الماضي، أستخدم العلماء أدوات متقدمة في الطائرات والسفن والأقمار الصناعية لاقتفاء مواد الكربون الأسود والأوزون من مصادرها إلى أماكن تبعد آلاف الأميال وقياس ووضع نماذج حول مقدار ما تسببه هذه المواد من رفع لحرارة الغلاف الجوي.

إن الكربون الأسود، هو شكل واسع الانتشار لتلوث الهواء بالجزيئات والتي تكون الدخان المصحوب بالسخام ذا اللون الضارب إلى السواد أو أسود بعض الشيء. وهو يتشكل من الناتج الجانبي للاحتراق غير المكتمل وغير الكفء- دلالة على أن نفايات الطاقة بقدر استخدام الطاقة. حيث تطلق المركبات والسفن التي تستخدم الديزل والسيارات ذات الصيانة غير الجيدة هذه المواد. كذلك ينتج من حرائق الغابات والمنازل والمصانع التي تستخدم الخشب، الروث، مخلفات المحاصيل، أو الفحم للطبخ، أو للتدفئة أو أي احتياجات أخرى للطاقة.

يغير الكربون الأسود البيئة بطريقتين. في السماء، تمتص الجزيئات العالقة أشعة الشمس، وتسخن الغلاف الجوي وبدورها تسخن الأرض نفسها. وعلى سطح الأرض، فإن مخزونات الكربون الأسود، على الجليد والثلوج تمتص أشعة الشمس وبواسطتها تسخن الأرض وتذوب الجليديات. على سبيل المثال، جليد البحر القطبي وجليديات جبال هملايا والتبت، تذوب نتيجة الكربون الأسود وظاهرة الاحتباس الحراري الناتجة من ثاني أكسيد الكربون. ويعادل التأثير المسخن للكربون الأسود حوالي 20-50% من تأثير ثاني أكسيد الكربون وبذلك فإنه يحتل المرتبة الثانية أو الثالثة كأكبر مساهم في الاحترار العالمي. لا أحد يعرف بالضبط مقدار ما يسببه من تسخين، لكن أكثر التقديرات تحفظاً تشير إلى تأثيره غير القليل. وتمثل مساهمته الكبيرة في إذابة الجليديات والجليد البحري، أحدى أكثر الأدلة الواضحة، على المدى القريب، والمنذرة بتغير المناخ، والموثقة جيداً.

ويوجد الأوزون في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي وهو مساهم رئيسي آخر في الاحترار العالمي والذي يستحق الاهتمام. (هذا يختلف عن الأوزون في طبقات الجو العليا الذي يحمي الحياة على الأرض من الأشعة فوق البنفسجية) ويعادل تأثير هذا الغاز القوي المكون للاحتباس الحراري حوالي 20% من تأثير ثاني أكسيد الكربون. وهو لا يشبه الكربون الأسود الذي يوجد على شكل جزيئات، فالأوزون غاز. ولا ينبعث في الغلاف الجوي مباشرة لكن يتكون من غازات أخرى، "مكونات الأوزون" مثل أول أكسيد الكربون (من حرق الوقود الاحفوري أو الكتلة الحيوية)، وأكاسيد النتروجين (من الإضاءة، والتربة، وحرق الوقود الاحفوري)، والميثان (من الزراعة، والماشية، وتسرب الغاز وحرق الأخشاب)، و هيدروكاربونات أخرى (من حرق المواد العضوية والوقود الاحفوري ومن مصادر أخرى).

المسألة الأكثر أهمية، هي بقاء الكربون الأسود والأوزون في الجو لفترة أقصر بكثير مقارنة بثاني أكسيد الكربون الذي يبقى في الجو لقرون- ربما حتى آلاف السنين- قبل أن يتم امتصاصه من قبل المحيطات، والنباتات والطحالب. وحتى إذا توقفت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بمعجزة الآن، فهي سوف تأخذ عدة قرون لكي يقترب ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي من المستوى الذي كان عليه قبل العصر الصناعي. على العكس، يبقى الكربون الأسود في الغلاف الجوي فقط أيام إلى أسابيع قبل أن يُغسل من قبل الأمطار، ويبقى الأوزون (بالإضافة لمكوناته) فقط أسابيع إلى أشهر قبل أن يتحلل. رغم ذلك، بسبب انتشارهما الواسع وانبعاثهما بشكل مستمر تبقى تركزاتهم في الغلاف الجوي وتسبب أضرار جدية للبيئة.

رغم أن خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الأخرى مثل الميثان يمكن أن ينتج عنه نتائج آنية، لكن الكربون الأسود والأوزون مكونات مغيرة للمناخ تعيش فترة أقصر، وهي نسبيا تحت الإقرار أو الاعتراف في الجهود الرامية لوقف تغير المناخ. إن خفض انبعاثات هذه المكونات على الأرض سوف ينتج عنه قلة تركزاتها في الغلاف الجوي بسرعة وبدوره يؤدي إلى انخفاض تأثيرها في الاحترار العالمي.
 


الترجمة عن مجلة: Foreign Affairs, Volume. 88 No. 5, September/ October 2009

 


 

free web counter