موقع الناس     http://al-nnas.com/

العراق تحت رحمة الحرية والحوار والديمقراطية

 

حسني أبو المعالي

الأحد 2 /4/ 2006

إن البحث عن حلول مؤقتة للأزمة العراقية بين الأطراف المتنازعة علي السلطة عقب الانتخابات الأخيرة في محاولة لإيجاد صيغة توافقية تنبثق منها حكومة محاصصة لدليل فاضح علي فشل الديمقراطية في العراق، بعد أن اشترك أكثر من أحد عشر مليون ناخب عراقي أدلوا باصواتهم متحدين بذلك الظروف الأمنية الصعبة ومواجهين احتمالات الموت، أملا بالوصول الي مستقبل أفضل للعراق وإنقاذ الوطن الذي قدم خيرة الأبناء شهداء وقرابين من أجل الحرية والديمقراطية، ومن خلال المعادلة الغريبة التي شهدها الوطن والتي تجمع بين رغبة الشعب العراقي في الالتحاق بركب الحضارة المعاصرة وصولا إلي شاطئ الأمان والسلام أسوة بالنظم الديمقراطية في العالم المتقدم عبر الانتخابات الحرة والنزيهه واختيار الأنسب والأجدر لتمثيلهم بهدف الدفاع عن حقوقهم وتوفير سبل العيش الرغيد لهم، وبين طمع الساسة ورؤساء القوائم المتناحرة والمتنافسة علي أسس غير شريفة للوصول إلي الحكم، يبدو بأن قياداتنا السياسية غير جديرة بهذه الأمة وليست في مستوي طموحات شعبنا العظيم الضحية الاولي لكل ما جري ويجري في الوطن الجريح، وإذا! كان هناك من يحتاج الي تربية ديمقراطية ووعي سياسي من أجل احترام الرأي والرأي الآخر فهم ممثلو القوائم الانتخابية الذين نصبوا انفسهم قادة ورؤساء وليس الشعب. فما زال ضمير الحجاج بن يوسف الثقفي وضمير صدام حسين يعيشان في نفوس وأجساد القادة الجدد في حبهم للسيطرة والبطش بالأبرياء والاستئثار بالكراسي والاستحواذ علي مراكز القرار، ومازالت الأنانية هي القاسم المشترك لدي جميع المرشحين رؤساء القوائم بدون استثناء تعشش تحت العمائم البيض والسود بعيدا عن فلسفة الايثار والتضحية من أجل الشعب مع غياب التفكير الجاد من منطلق جماعي تضامني وتكافلي ووحدوي وصولا إلي مخرج ناجع من النفق المظلم الذي يرزح الوطن تحت عتمته.
لاشك بأن الانتخابات قد طالتها أياد آثمة زورت وحرفت من نزاهتها وهو أمر متوقع لأن التجربة الديمقراطية في العراق ولدت من رحم تراث ديكتاتوري فاشي ورضعت من ثدي الإحتلال الأمريكي الغاشم، وبال مقابل فإن ردود الأفعال العراقية علي هذا التزوير لم تكن هي الاخري نزيهه وعادلة طالما تضمنت تهديدا ووعيدا وبذلك فقدت ديمقراطيتنا أهم أركان عناصرها ألا وهي النزاهة والحوار السلمي، وفي كلا الحالتين فان ا! لخاسر الوحيد من تلك الديمقراطية الشوهاء هو الشعب العراقي.
أستحضر هن ا مثالا لنموذج من الديمقراطية عبر تصريح آل غور بعد هزيمته أمام جورج بوش الابن في الانتخابات الأمريكية، والمثال لا يعكس بالضرورة النموذج الأفضل للديمقراطية ولكنه مثال سليم للأخلاق الديمقراطية التي تعتمدها معظم الدول المتحضرة، حين قال: أنا أعترض علي النتيجة ولكنني أقبل بها من أجل بلدي.
إن العملية السياسية التي دشنها العراق لأول مرة بعد عقود طويلة من الحرمان، كانت في رأيي بمثابة سباق نحو السيطرة، ومباراة من اجل الفوز فقط، وتجارة بهدف الربح بعيدا عن محن الوطن وهموم المواطن، وإذا كان الحجاج وصدام ينطلقان في سياستهما القمعية من مبدأ الفردية والذاتية فإن قادتنا اليوم ينطلقون من منطلق طائفي، وهنا تكمن خطورة الموقف
عند مواجهة طائفة ضد طائفة أخري مما سيوصلنا لا محالة الي حرب أهلية نحن في غني عنها.
لقد أصبح جليا لكافة أبناء الشعب بأن القوائم الانتخابية في العراق شكلت بناء علي توجه طائفي وعرقي، سني وشيعي وكردي، وليس علي أساس توجه وطني حيادي يعتمد علي حب الانتماء للعراق وطنا وشعبا. ومن خلال تصريحات كافة ممثلي الطوائف نجد أن النفس الطائفي والعرقي كانا يسيطران بشدة علي لسان المت! حدثين وتوجهاتهم، وبهذا المنطق اللاوطني نري بأن قادتنا من كل الأطراف إنما يخدمون بذلك توجه المحتلين الذين يجتهدون في السر و في العلن علي زرع شوكة الطائفية والقومية وشق الصف الوطني العراقي.
إن مسحا عاما لمعظم الوجوه السياسية العراقية التي تطل علينا كل يوم من القنوات التلفزيونية يوضح لنا بأن تلك الوجوه لم تكن مقبولة إلا من قبل بعض دعاتها، وهذا ما ينطبق علي معظم القوائم الكبيرة، وفي ظل هذه الظروف الحرجة التي يمر بها مجتمعنا العراقي فإننا بحاجة إلي وجوه مقبولة لدي جميع الأطراف والأطياف وإن اختلفت معها في الرأي، وجوه تؤكد عراقيتها من خلال انتمائها الأول للوطن ويكون العراق لديها هو كل الأطياف والقوميات والأحزاب، وجوه تكون بمثابة شموس تشرق بدفء علي نهاراتنا الباردة، وأقمار تبزغ في ليل عراقنا الذي طالت عتمته أكثر مما ينبغي، وجوه يكون حديثها المختصر بلسما لجراح العراقيين وعملها الوافر يبرهن علي صدق نواياها وهي تعالج مشاكلنا المستعصية كالأمن والطاقة والغذاء والبطالة، وجوه تسمو علي كل الصغائر وتتمسك بالمبادئ والقيم الانسانية خدمة لمصلحة الجماهير، وجوه يكون الاختلاف بينها وبين خصومها! في السياسة قائما علي أساس المحبة والوئام، ومهما اختلفت حول قضايا الوط ن سارعت لتأتلف واجتهدت لتتحد علي تجاوز الأزمات عملا بما جاء في المثل العربي " واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية" وليس الاختلاف الذي يفضي إلي خلاف وينتهي حد المواجهة بالسلاح بين الفرق المختلفة وهو ما يؤدي - كما هو حالنا اليوم - إلي الانتقام والقتل الجماعي وإلغاء الآخر.
وفي النهاية فإن دعوتي المخلصة إليكم جميعا أن ارحموا عزيز قوم ذل علي يد أبنائه قبل أعدائه، ذلك هو العراق الذي تنتمون إليه، وقد سئم شعاراتكم الفارغة، وتعب من وعودكم الزائفة وأنتم تدعون زورا بأنكم تدافعون عنه وتناضلون من أجله وهو ضحية الثالوث الجميل: الحرية والحوار والديمقراطية، تلك الحرية التي جاء بها المحتل وأية حرية ! ثم حوار السلاح بين أبناء الوطن الواحد، وأخيرا ديمقراطية التزوير.