| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسني أبو المعالي

 

 

 

 

الثلاثاء 28/3/ 2006

 

 

 

الإعلام العربي: حرية نشر الخبر أم مسؤولية نشر الخبر

 

حسني أبو المعالي

اتخذت بعض الفضائيات العربية من جسد العراق الجريح مادة دسمة لاستعمال سكاكين برامجها المسمومة ضده طعنا وتفرقة، وأعني هنا أحد المنابر الإعلامية الفاسدة والمعروفة عربيا وعالميا، والتي تدعي بأنها المنبر الإعلامي العربي الحر والمتميزالذي رفع راية الديمقراطية في الحوار، والمنبر الإعلامي الذي يحترم الرأي والرأي الآخر، إلا انها عملت و تعمل، في الحقيقة، على خلاف تلك الأهداف، ولا هم لها سوى ان تضع السم في العسل باتجاه معظم قضايا أمتنا العربية و تعمل جاهدة على صب الزيت فوق النار في أية مساحة عربية تجد فيها مجالا يسمح لها بالتخريب أو التفرقة بين أبناء الشعب الواحد. فقد تمكنت في بداية مشوارها الفضائي أن تلقي القبض على قلوب ملايين العرب وذلك بتوجيه معسول ولكنه مشبوه عبر نافذتها التلفزيونية التي تطل كل يوم على المواطن العربي في عقر داره وتدعوه للمشاركة في الحوار بحرية تامة في جميع المجالات وخاصة على صعيد القضايا التي تهم أمته العربية الحبلى بالأزمات والمحن، بعيدا عن الخوف والرقابة والقيود التي يعيشها الانسان العربي يوميا في ظل الاستبداد السياسي الذي تمارسه معظم الأنظمة العربية عليه، ومن هذا المنطلق عرفت القناة الفضائية المعنية، من أين تؤكل الكتف من خلال أسلوب صراع الديكة الذي طبع معظم برامجها بخاتم النفاق والشقاق والتصيد في الماء العكر، وهو القاسم المشترك في جميع برامجها، فالملفات العربية تنطوي على الكثير من الأزمات المختلفة والمتعددة في السياسة والدين والاقتصاد والإرهاب وغيرها، وقد وجدت في الملف العراقي أرضية خصبة لتمرير أسلوبها وكرست معظم برامجها للإيقاع بين أطياف شعبه وخصوصا السنة والشيعة عبر برامجها غير الهادفة، وكعادتها تستضيف في كل برنامج غريمين أو أكثر من المتعصبين السنة وآخرين من المتعصبين الشيعة وتدخلهم حلبة الصراع ليقوموا بلعبة حوار الأضداد " الإخوة الأعداء" أمام المشاهدين الأبرياء ويقوم معدو البرامج " بدهاء كبير" بتثوير طاولة النقاش ليضاعفوا من لهيب الحوار شراسة وفتنة لإكمال اللعبة، وأعتقد بأن مثل هذه الحوارات لايمكن أن ترقى إلى مستوى مسئولية الإعلام الشريف والمحايد، ولا تساهم في تدعيم مبدأ الحقيقة ولا في إثراء المتلقي بالفائدة، وأكثر من ذلك فانها ألغت حتى مبدأ الرسالة الإنسانية والأخلاقية الملقاة على مسؤوليتها! والتي أقسمت عليها بأن تكون قناة موضوعية لا منحازة، ولو ذهبنا بعيدا فإ ن تأثير ت لك البرامج وهي تمارس لعبة الحوار اللاديمقراطي، على الفئات العريضة من المشاهدين العراقيين لا يقف عند حدود اختلاف وجهات نظر بين أشخاص وإنما يتجاوزه إلى اختلاف المشاهدين فيما بينهم وينقسمون الى مؤيدين للشيعة في شخص هذا المحاور ومعارضين للسنة في شخص غريمه، بحيث يعيش المتلقي العراقي لحظات عصيبة وحاسمة، مشحونة بالتوتر والاستفزاز وهو يتابع أبطال حلقات البرامج وهم يتنابزون وينشرون غسيل بعضهم البعض أمام الملأ، والأدهى أن يتم اختيار ضيوف البرامج بشكل دقيق ومقصود من الذين هم أكثر جهلا وأعمق تعصبا من الطائفتين لغرض ربط المشاهدين بحبال أعصابهم لهذا البرنامج أو ذاك.
ومن أجل أن نبتعد عن التعميم ونكون منصفين فان القناة تزين صورتها أحيانا بوجوه وازنة تطعم بها برامجها من أجل ذر الرماد في العيون ولكنها لا تعطي الفرصة لمثل هؤلاء لتوضيح أفكارهم التنويرية وإنما تحاصرهم باسئلة محددة هدفها الايقاع بهم للوصول إلى غاية ما تنشدها القناة أكثر مما ينشدها الضيف وبالتالي توهم المتلقي بصحة ما تورده القناة، وينسحب هذا السيناريو على مجمل الضيوف العرب وفي معظم البرامج السياسية التي تهم قضايا الأمة وذلك للغرض نفسه وهو زرع بذور الفتنة بين الأخوة في كل مكان من الوطن العربي، من خلال محاولاتها - مثلا- الإيقاع بين حركة حماس وحركة فتح في فلسطين، ودفع عجلة الخلاف بين حزب الله والقوى الوطنية اللبنانية، وكذا تدخلهم السافر في الشأن الداخلي السوداني ومصر وسوريا وغيرها بما لاينسجم وآمال الشعب العربي حتى وصل بهم الامر إلى ان ينقلوا الصراع بين بلد عربي وآخر، وإلى فضاء الوطن العربي بأسره، فلا غرو أن تزرع مثل هذه التناقضات وطريقة تقديمها للجمهور العربي جملة من الاحقاد والضغائن بين أبناء الشعب الواحد من جهة وبين العربي وأخيه العربي من جهة أخرى، خاصة بعد أن دخل التلفزيون بفضائياته بيوت كل العرب وهو المنهل الأهم لثقافة وتربية اكثر من سبعين بالمائة من الأميين من أبناء الوطن العربي، فالتلفزيون لا يفرق بين الانسان العربي المثقف الواعي وبين الانسان الأمي، وهذه الطريقة من الحوارات في مثل تلك البرامج قد أخذت شكل المهاترات والنقاشات الحادة التي أغرت الكثير من المشاهدين البسطاء ومنحتهم فكرة خاطئة عن طرق الحوار السليم، وغسلت أدمغتهم بحيث لا يعرف المرء كيف يفرق بين الغث والسمين وبين الصحيح والخطأ. فهل ديمقراطية الحوار تعني بالضرورة استمرار الخلاف بعيدا عن التسوية والائتلاف؟ ما هو الدور الحقيقي للإعلام في ظل القنوات الفضائية؟ أليس من الحكمة أن تدعو تلك القنوات الفرق العربية المتصارعة عبر برامجها إلى التهدئة والمصالحة، باعتبارها قنوات عربية غيورة على مصالح العرب ويهمها الشأن العربي، بدل العبث بمقدرات الشعوب؟ وهل تفتقد الأمة العربية إلى مفكرين ومبدعين وسياسيين يحسنون شروط لغة الحوار حتى تختار قناتنا الموقرة كل من هب ودب ليشعلوا نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد؟ وهل النقاش يعني بالضرورة إسقاط أزماتننا الشخصية على أزماتنا المصيرية؟ أم اننا أصلا نمثل عناصر الأزمة؟