نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حسني أبو المعالي

 

 

 

 

الخميس 16/3/ 2006

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 

 

"إعلان مدفوع الثمن" للإرهابيين أم للشهداء ؟

 

 حسني أبو المعالي

انسحب الوضع الطائفي والعنصري في العراق على القنوات الفضائية العراقية فلونت كل قناة سياستها بأحد ألوان الطيف الذي تنتمي إليه وختمت برامجها بطابع لون طائفتها، ربما باستثناء قناة الشرقية التي حاولت جاهدة أن تتحدث بلسان كافة العراقيين وأن تكون عراقية صافية ونقية من كل الشوائب الطائفية والعرقية، فدأبت منذ إطلالتها الأولى على الوقوف جنبا الى جنب مع الشعب العراقي في محنه وهمومه، واحتلت مكانتها المتميزة في قلوب الملايين من العراقيين عبر برامجها المتنوعة والهادفة، مثل برنامج كرسته وعمل، و البطاقة التموينية، فطوركم علينا، عيديتكم علينا، شمة هوا، البيت بيتك، شايف خير ومستاهلها، وأخيرا وليس آخرا برنامج صاية وصرماية. وليس خافيا على أحد بأن تلك البرامج قدمت دعما ماديا الى مجموعة معينة من العائلات العراقية المنكوبة، وأنقذت ما يمكن إنقاذه من أجل عودة الأمل إلى شريحة واسعة من أفرادها.
لقد عاش الشعب العراقي وما يزال ظروفا مادية واجتماعية قاسية على مدى عقود من الزمن، خاصة العقد الأخير الذي تزامن مع ليل الحصار الظالم الذي فرضته قوى الشر في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، ناهيك عن معاناته بسبب استبداد النظام الدكتاتوري المقبور والعاري من أبسط المبادئ المتمثلة في الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان، لهذا كان موقف قناة الشرقية له حمولته الإيجابية ومنطلقه الإنساني النبيل عندما بادرت وخططت ونفذت تلك البرنامج التي ساهمت بلا ريب في رسم الإبتسامة على شفاه مجموعة كبيرة من المحتاجين والمتضررين العراقيين.
لقد تابعنا جميعا تلك البرامج وشاهدنا تفاصيل عرضها وإخراجها وتعاطف معظمنا معها من حيث الفكرة والهدف الوطني الذي يخدم مجموعة كبيرة من المواطنين، إلا إنني أعتقد بأن الطريقة التي قدمت بها قناة الشرقية تلك البرامج لا ترقى إلى مستوى احترام الإنسان العراقي، فقد سيطر قاسم مشترك احتل موقعه في جميع البرامج الخيرية، وإن كانت تلك البرامج تخدم فعلا المواطن العراقي ماديا، إلا أنها كانت تسيء إليه في ذات الوقت معنويا بالرغم من توفر حسن النوايا، بيد أن المسؤولية الكبرى في هذا الإشكال تقع على عاتق المخرجين أكثر مما تقع على مقدمي البرامج أو على المشرفين على القناة نفسها . فأسلوب البرامج يقوم مبدئيا على انتزاع الشكر من قبل المحتاج والمعوز، ووجوب اعترافه بمكرمة قناة الشرقية بشكل أقرب إلى الإذلال منه إلى التكريم، فالعراقي اليوم يحتاج إلي الدعم المادي بموازاة الدعم المعنوي الذي يحفظ كرامته، وأعتقد بأن هناك تفاصيل دقيقة في تلك البرامج لا مبرر لعرضها كالذهاب إلى السوق لشراء ملابس العروسين في "شايف خير ومستاهلها" و كذلك الرحلة الطويلة للوصول إلى الفائز بالبطاقة التموينية، ومشهد إحراجه وهو يذرف الدموع أمام الملأ، ويدعو للشرقية خيرا لما قدمت له من دعم مادي متواضع قياسا إلى خيرات العراق الضائعة. إنها مشاهد أليمة حقا وتصويرها وعرضها بهذه الطريقة المشحونة بالعواطف يزيد من البؤس العراقي بؤسا أكبر، و تضع المشاهد العربي في حسرة وحيرة.
إن الكثيرين من المحسنين الذين يتبرعون بأموالهم للفقراء والمحتاجين إذ يتعففون عن المنة ويأبون إلا أن يكونوا في الظل بعيدا عن الإشهار والتشهير أو التعريف حتى بشخصياتهم، عملا بقوله تعالى "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا".
فلماذا لا تقدم قناة الشرقية برامجها الداعمة للعراقيين بصورة تليق بمقام المواطن العراقي؟ أعتقد بأن القناة تحتاج إلى أن تغير من أسلوب وطريقة برامجها الخيرية، أو أن تجد بدائل للعمل الإنساني من خلال إنشاء مصانع منتجة و مشاريع عمل توظف فيها آلاف العمال والعاطلين والموظفين وذلك باسم الشرقية.
وفي الختام أتساءل: ما الذي يدفع بعض القنوات العراقية أن تضع عبارة «إعلان مدفوع الثمن" على الإعلانات التي تدين الإرهاب ؟ في الوقت الذي لا نجد تلك العبارة على إعلاناتها التجارية، علما بأن معاناة الشعب العراقي اليوم سببها الإرهاب والإرهاب ثم الاحتلال، فهل يحتاج العمل الوطني في هذا الزمن إلى مقابل؟ وبماذا سنجازي مئات الآلاف من الشهداء، الشرفاء والمخلصين الذين قدموا أنفسهم قرابين من أجل الوطن؟