| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

حكمت مهدي جبار

 

 

                                                                                     الخميس 5/5/ 2011

  

العشيرة أم العشائرية

حكمت مهدي جبار *

يتميز المجتمع العراقي بخصائص فريدة من نوعها نتجت عما حبلت به حضارته وتأريخه الحي عبر ازمنته وعصوره .وبسبب قوة فعالية وحيوية تلك الخصائص فقد وصلت بعض احواله الى ان تصبح ظاهرة يشار لها بالبنان . ومن تلك الظواهر البارزة جدا ـ العشائرية ـ ذلك المفهوم الأجتماعي المتجذر في الحياة العراقية بنسبة عالية ان لم يكن 100% , والذي يعتبر واحد من أهم (الأنساق في بنية المجتمع العراقي) كما عبر عنها الأستاذ سيار الجميل في احدى مقالاته في احد الصحف العراقية.

وقبل أن نبدأ بوضع عنوان المقال كنا نخشى اتهامات البعض من اننا نبغي نسف هذا المفهوم والغائه من بنية مجتمعنا العراقي , أو قد يعتبرنا البعض الآخر بأننا نتمرد على اصولنا وجذورنا الأجتماعية ! الا ان كل مجالات الفكر التنظيرية والعملية وكل المفاهيم والظواهر لابد وأن تتعرض للنقد والتحليل والتمحيص لا من أجل النيل منها انما فهمها وأدراكها خدمة للمجتمع والأنسانية .

أن اغلب المفاهيم والعناوين في مختلف صور الحياة وظواهرها جاءتنا من الغرب بطريقة سيقت اما من خلال الأحتلالات أو عبر الآلة الأعلامية المذهلة في تطورها وتقنيها الحديثة جدا والتي غيرت وجه الدنيا كالأشتراكية والديمقراطية والليبرالية والعلمانية ومنظمات المجتمع المدني ومفاهيم المواطنة والأرهاب وغيرها. اما مفهوم (العشائرية) فهو من صلب الواقع العراقي نابع من اصالته .

وقد استغلت الدول الطامعة في العراق بمكرها وخداعها السياسي هذا المكون الثقافي الأجتماعي وحولته من مفهوم بريء صادق الى سياسي سيء لتجعل منه اداة لتصادم ابناء الشعب الواحد بما يخدم مصالحها الأستعمارية من خلال الغزوات أو من خلال الآلة الأعلامية الجبارة التي حولت العالم الى قرية صغيرة..

ان (العشائرية ) كمفهوم اجتماعي في العراق انما هي نزعة داخل نفسية الفرد العراقي متجذرة منذ القدم . وهي سمة تولد مع الفرد العراقي من النطفة ومن ظهر ابيه . فهي متوارثة ابا عن جد في قرانا ومدننا . وهي ليست حديثة كما يدعي البعض من انها نشأت وترعرعت زمن العثمانيين نتيجة ظروف التخلف المظلم .انما هي نتيجة لأفرازات تأريخنا الأجتماعي القديم. .

ان العراقي يشعر بالأنتشاء والانطلاق والزهو عندما يخبرك انه من العشيرة الفلانية أو هو فلان بن فلان الفلاني فتراه ينتفخ ويشمخ وأن لم ترده بجواب يرضيه بحيث تحيي وتمجد اباه وعشيرته فأنه قد (يزعل) وقد يوقعك في مأزق . أو احيانا تجد آخر يتفاخر بعشيرته حتى لو انها كانت قد قتلت رجالا او روعت عوائل من عشيرة اخرى.

وبرغم الأنتقالات التطورية للمجتمع العراقي فأن تلك النوازع لازالت باقية وبعضها صار أكثر فعالية وقوة .فقد تسللت الى الجامعات والمعاهد الدراسية والمؤسسات التعليمية بل وحتى الى مراكز القوى السياسية بما فيها القريبة من مصدر القرار الذي يمس مصائر الناس وحياتهم. أننا لا ننكر انتمائنا (للعشيرة) , ذلك لأن العشيرة خصيصة عراقية بأمتياز وهي قوية التأثير فينا , وتكاد تكون لدى الغالب الأعم من العراقيين قريبة من الأنتماء الروحي الديني ! يكذب على نفسه كل من ادعى انه لايؤمن بالأنتماء لها بدأ من الحاكم السياسي وأنتهاء بأبسط عراقي , ويكاد ينفرد مجتمعنا بمثل هذه الظاهرة بين مجتمعات المنطقة بالرغم من وجودها في الأردن وسوريا وفلسطين وليبيا .. ولكن ... هل أن انتمائنا للعشيرة نجعله سببا في التصادم مع قيم الحياة الجديدة , والتطور المذهل السريع في مختلف اوجه الحياة ؟ وهل أن وجود هذا الأنتماء لا يتناسب مع النظم السياسية وبالتالي يشكل سببا في ايقاعنا في مأزق فوضى القيم وبعثرة الحياة الجديدة في العراق؟

والحقيقة أن بعض العراقيين سياسيون كانوا ام مثقفون وغيرهم اتخذوا موقفا من هذا الموضوع وأعتبروا بعض تقاليد العشيرة واعرافها وقيمها باتت لا تتناسب مع عصر الحداثة والتقدم والعولمة . انما هي ظاهرة صارت قديمة تمثل البدائية والتخلف على المستويات الثقافية الأجتماعية والسياسية.بينما أبقى البعض الآخر على أن القيم العشائرية واحدة من أهم دعائم المجتمع وأن العراق لا يمكن ان يعيش وتستمر حتى منظومته السياسية من دون وجود العشائرية والمشايخ ورؤساء الأفخاذ وهم يشكلون القطب الأخطر والأهم في العملية السياسية اسوة بالحضور الكبير والبائن جدا لرجل الدين . ليستمر الموضوع محط حوارات وآراء ووجهات نظر متابينة قريبة وبعيدة لدى السياسيين والمثقفين العراقيين ليضاف الموضوع الى بقية التناقضات الأجتماعية التي يزدحم بها العراق منذ زمن ليس بالقصير.

ان القيم العشائرية في العراق تشكل وجودها كل حسب من منطقتها ومكانها , وهي تحتل جزءا كبيرا من تأريخنا الحيوي والكبير , والعشيرة لدينا جميعا نحن العراقيين مصدر اعتزاز بالأنتماء كأثبات لوجودنا . بل هي مرجع اجتماعي لا يمكن نكرانه. فالغالب الأعم من مثقفينا وعلماؤنا وسياسيونا وأساتذتنا ما أن يقع له أمر ما أو مشكلة تستعصي عليه تراه يلجأ الى شيخ عشيرته مخولا له أمره في حل قضيته .ولكننا هنا نسأل .هل ان كل السلوكيات والأعراف والتقاليد العشائرية صحيحة؟ وان ما يمارسه بعض ابناء عشائرنا بما يصطدم مع النزعة الوطنية ونظام الدولة وضوابط القانون صحيح؟

اننا مع اعتزازنا الكبير بعشائرنا وبأنتمائنا لها فأننا ندعو الى قراءة متمعنة جديدة للظاهرة العشائرية والتي باتت تنتشر في جسد الدولة العراقية بطريقة خاطئة. وأن يتعامل السياسيون معها بتجرد وبروح علمية وبمعزل عن أية عاطفة وأية انحيازات وأن يعاد النظر في قراءتها ضمن أطر علمية تتوافق مع حداثة المجتمعات ونهوضها الجديد. وأن يكون شيخ العشيرة مصدر قوة في الأخذ بعضد الدولة لا يتفاخر بوجوده كشيخ دون انتماءه لوطنه .

فلا نريد عصرا جاهليا متخلفا يحمل فيه السيف . انما نريد عصرا متفتحا جديدا أسوة بشعوب العالم المتطورة يقوده المثقفون والمتنورون والسياسيون وهم يعتزون بولاءهم للوطن مثلما يعتزون بأنتماؤهم لعشائرهم
 

* تربوي

 

 

free web counter