| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

حكمت مهدي جبار

 

 

 

الجمعة 3/6/ 2011

 

الدلالات السايكولوجية في فن الرسم العراقي
(فترة الرواد)

حكمت مهدي جبار

كتب الكثير من النقاد والمنظرين في مجال فن الرسم والفنون التشكيلية بعامة, عن طبيعة فن الرسم في العراق ودلالاته النفسية من خلال الخصائص التي تميزت بها اللوحة التشكيلية العراقية منذ انطلاق صيتها المعاصر أيام ولادة الواقعية الأجتماعية في مطلع القرن العشرين وتواصلها مع التغيرات الأجتماعية اثر التقلبات السياسية وتعاقب الحكومات وتأثر فن الرسم بالحياة الاجتماعية العراقية . ثم التأثيرات الغربية الواضحة فيما يخص غزو الفن الحديث لبلدان العالم الثالث ومنها العراق بفعل التطورات الفكرية والثورة الثقافية التي عمت العالم .

ولا نريد هنا ان نتطرق الى تأريخية فن الرسم العراقي , انما نريد ان نؤشر بعض الملاحظات عن خلاصة التجربة الفنية التشكيلية في العراق وبالتحديد فن الرسم.

لقد تميزت مسيرة فن الرسم في العراق بخصائص ميزتها عن التجارب التشكيلية الأخرى في الوطن العربي والدول المجاورة الأخرى , وحتى بعض الدول المتطورة.

واهم تلك الخصائص هي : ما ضمنته اللوحة العراقية من معاني نفسية ودلالات أجتماعية , فرضتها الظروف التي مر بها الفنان العراقي كمواطن وكفنان. . ومن خلال ما عرفناه وقرأناه عن تأريخ فن الرسم في العراق من اساتذتنا الكبار , وأستنتاجات النقاد التشكيليين وبعض المنظرين في مجال الفن ,. فمن خلال متابعة ما كتب من دراسات وبحوث ومقالات في الصحف والمجلات المحلية والعربية وما الف من كتب , فقد اتضح ان الرسام العراقي كان شديد الحرص على معالجة مشكلات واقعه الاجتماعي المليء بالاحداث. حتى اطلق على اسلوب فن الرسم لاسيما في بداية تطوره المعاصر باسلوب الواقعية الأجتماعية والتي عمت اغلب اشكال الثقافة العراقية من شعر وقصة ورواية وغيرها ، الا ان تلك الواقعية وبعد تطور وعي الفنان العراقي كان قد طغى عليها المعنى النفسي السايكولوجي النابع من عفوية الرسام المرتبطة بالواقع وبوعيه الثقافي الذي تأثر بالتطورات الفكرية لاسيما الغربية منها وتحديدا ما جاء في مدارس التحليل النفسي على يد (سيغموند فرويد , وغوستاف يونغ , وأدلر , وغيرهم . فعرف الرسام العراقي مفاهيم جديدة في الفكر والفن , مثل اللاوعي واللاشعور وتيار الوعي والتداعي الحر , وغيرها. فأدهشته تلك المفاهيم الجديدة , فوظفها في معالجة قضاياه الأجتماعية المرتبطة بالواقع الاجتماعي .

أن موضوعة الدلالات السايكولوجية للوحة التشكيلية العراقية قديمة قدم الفن العراقي نفسه. فقد حاول الفنان العراقي القديم من تجسيد المعاناة النفسية عبر منحوتاته وجدارياته ورسوماته. وخير مثال على ذلك تلك الدلالات القاسية المؤلمة لمعاناة اللبوة الجريحة التي اصابها سهم الصياد الآشوري قبل الاف السنين . والتي عبر عنها الفنان الرائد الراحل جواد سليم عندما قال : (( كان الفنان العراقي القديم مبتغاه الدائم الحرية في التعبير , اذ حتى في فن اشور الرسمي فان الفنان الحقيقي ينطلق من خلال مأساة اللبوة الجريحة)) . اما الرسام المسلم فقد اتضحت الأبعاد النفسية عبر لوحاته من خلال الدلالات العميقة لشخصيات اللوحة. فنظرة متفحصة لرسومات الواسطي نلحظ ان هناك سعي للكشف عن الحالات النفسية لشخوص اللوحة .لقد انعكس ذلك على اغلب رسامينا , كل حسب اسلوبه وطريقته في عرض منجزه الأبداعي. فمنهم من اهتم بالأساطير الدينية ليعكس البعد النفسي العميق المتأثر بمعاني الأسطورة ومأساتها أو دلالات الطقس الديني المعين.

(انظر لوحات طارق مظلوم وحميد العطار التي عالجا فيها موضوعة الشعائر الدينية في العراق واثارها النفسية على الفرد. اما اعمال حافظ الدروبي وفائق حسن وغيرهم من عاصرهم فنجد تجسيدات للآثار النفسية على موضوعاتهم رغم اسلوبهم الواقعي الواضح. أما جواد سليم ومحمود صبري فقد ابرزا الوضع النفسي الذي يعيشه المواطن وبالتحديد السياسي وهو يتصدى للواقع المتخلف.

غير ان تلك الدلالات النفسية للرسام العراقي كانت تتعدى حدود الذات الى الجماعة ، نتيجة الآثار القوية للحالة السياسية العامة . فضلا عن وجود نزعة داخل الفرد العراقي تتمثل بشعوره بأنتمائه الى قوميته العربية والتي ترسخت منذ المقاومة العربية للأستعمارات والأحتلالات الأجنبية فضلا عن الجانب التربوي والتاريخي الذي تربى عليه عبر مراحله التعليمية. ثم جاءت الأحزاب ذات الشعارات القومية والتي نادت بالأمة العربية لفترة طويلة.وفي
ذلك يقول الفنان والناقد العراقي عادل كامل : - ان ثمة رؤية اخرى للرسام العراقي كان يمنح فيها البعد الذاتي بعدا جماعيا , او دلالة جماعية. فمن خلال الرسوم الكثيرة الت تناولت الموضوعات العامة , كقضايا الجزائر وفلسطين , ومشكلات الواقع العربي عامة . نرى المعالجات النفسية لم تكن مستقلة عن المعاني السياسية الكبرى التي ارتبطت بصميم افكار وتجربة الرسام , فمنذ رسم محمود صبري (ثورة الجزائر) حتى آخر رسوم ضياء العزاوي , عن (الثورة الفلسطينية) يكون التعبير النفسي الجمعي قد اكتسب قيمة خاصة) . فلوحة محمود الصبري التي تمثل مجموعة اشخاص يعانون ويتمردون ويرفضون قد جسدت اقوى الدلالات النفسية للأنسان وهو يتصدى لظلم الحياة.
والتي قال عنها عادل كامل بأنها (صدمة نفسية) اتضحت من خلال قوزة تعبيرية الوجوه . واذ يقدم محمود صبر ي عمله الخالد (ثورة الجزائر) فأنه قد تجاوز ذاتيته وفرديته بأتجاه الشعورالنفسي الجمعي .ليجسد تعبيرا نفسيا لا ينفصل عن التعبير الجمعي. وهكذا مع لوحة الوثبة لشاكر حسن ال سعيد التي جسد فيها بعدا نفسيا على شخصيات اللوحة بدلالات جماعية. ولوحة (الشجرة القتيلة) لجواد سليم وهو يعكس مأساة الوجوه وهي تقطع الشجرة بترميزات نفسية عميقة التأثير بالمتلقي. ثم اعمال اسماعيل فتاح الترك ومحمد مهرالدين ورافع الناصري وشوكت الربيعي وخالد الرحال وغيرهم كثير..




 

free web counter