| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

حكمت مهدي جبار

 

 

الأحد 26/12/ 2010

  
   
افكار تربوية

مشكلة درس التربية الفنية في المدارس العراقية

حكمت مهدي جبار

لازال درس التربية الفنية يشكل (مشكلة تربوية) في مدارسنا . ذك لأنه قضية
مركبة تربويا وفنيا واجتماعيا وفلسفيا.ونعتقد انه يشكل قضية بحث مستمرة مازالت عالقة في عقول وأذهان المشتغلين في المجال التربوي .. وأذا كانت (التربية) هي:- العملية التي يتم بها نقل التراث الثقافي وتحسينه على مر الاجيال وهي عملية تقديم ثقافة المجتمع لأفراده الصغار من خلال المعلم والمدرس والمنهج وتهيئهم على نحو يجعلهم قادرين على ان يكونوا حملة هذه الثقافة . فأن (الفن) من وجهة النظر التربوية او بمفهومه العام هو هوية المجتمع وصورة ثقافته المعبرة والذي يتصف بصفات المجتمع الذي ولد فيه. والتربية ايضا تتصف بصفات مجتمعها وهي انعكاس لسلوكياته واعرافه وتقاليده .

ومن هنا تنبع اهمية درس التربية الفنية انطلاقا من ان الفنون تشترك مع التربية بأعتبارهما نتاجا للمجتمع . ولكن لكل مجتمع خصائصه وسماته بقدر تعلقها بفنونها وحضارتها وثقافتها. فالمجتمع البسيط تكون فيه التربية والفن بسيطتان والمجتمع الصناعي تكون فيه التربية والفن معقدتان والمجتمع الذي يسير نحو الديمقراطية حيث تتأثر تربيته الفنية بالاتجاه الديمقراطي والمجتمع الذي تنزع التربية الفنية فيه نزعة دينية يتأثر بالوازع الديني فيما يخص التحريم. وهكذا مع طبيعة كل مجتمع. وكون التربية تتصف بصفات المجتمع ومثلها الفن باعتبارهما عنصري ثقافة المجتمع وهويته الثقافية الحضارية فيجعلها في مجتمع مختلفة عنها في مجتمع آخر. فالتربية الفنية في المجتمع الروسي لا تصلح للتربية الفنية في مصر والتربية الفنية في المجتمع الامريكي مثلا غير التربية الفنية في الهند و التربية في الصين تختلف عن التربية في العراق الخ... ومن هنا تنبع اهمية تدريس التربية الفنية والتي هي تدريس لثقافة المجتمع وتقاليده واعرافه وميوله واتجاهاته. ان مشكلة التربية الفنية او بمعنى آخر تدريب الفنون في مجتمعاتنا العربية ومنها المجتمع العراقي تتوقف على كيفية اعداد منهج علمي معرفي متكامل لتدريب الفنون بمختلف اشكالها ، مع الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة المجتمع ونمط حياته سيما وأن مجتمعاتنا العربية الاسلامية تتحفظ من موضوعة الفنون فيما يتعلق بالموقف الفقهي والشريعة.

ان التلميذ في المدرسة شخص يعبر عن شخصيته واحاسيسه الى جانب واجباته المدرسية . وأن حالة التعبير هي حالة يمارسها التلميذ والمعلم معا . وأن كل عمليات التقدير والحساب والتصور والتفكير في مختلف الدروس العلمية والانسانية انما هي عمليات حدسية تعبيرية فنية مشتركة مع جميع النشاطات الفكرية .
وأذا كانت كلمة فن تشمل الشعر والموسيقى والرسم والنحت والعمارة فماذا يبقى من فكر الانسان؟ فالشعر اساس اللغة والموسيقى ذلك العلم الواسع القائم على الابقاء والتناغم والموازنة في الطبيعة والرسم قائم على التصور والعلاقة ما بين الاشياء وتلك كلها تحتاج الى وسائل تعبير ووسائل التعبير تحتاج الى تدريب وتربية وتعليم.. رب سائل يسأل ويقول ما علاقة التربية بالفن ؟ وما اكثر ما يسأل الناس عن علاقة النشاط الفني بغيره من انواع الدروس الاخرى وعن قيمة الانتاج الفني لطلبة المدارس؟ هذه الاسئلة وغيرها دعت رجال التربية وفلاسفتها الى تقديم الدراسات والنظريات التي حاولوا فيها ربط الفن بالتربية من خلال تفسيرهما وعلاقتهما العضوية .ومن هنا يستطيع المشتغلون في المجال التربوي ان يقفوا على اهمية تدريس الفنون للطلبة ثم تحديد من هم الذين يقومون بهذه المهمة . اننا كتربيون فأننا نتعامل مع طلبة هم خليط من المواهب والابداعات والذكاء والغباء والضعف والحالات الخاصة الاخرى في مجتمع صغير يسمى (المدرسة بأعتبارها مجتمع مصغر للمجتمع الخارجي فالحياة داخل المدرسة يجب ان تكون متشابهة للحياة خارجها ) يقول الفيلسوف الامريكي جون ديوي : ان التربية الفنية هي درس شامل يجمع كل الدروس لأنه درس منفتح لم يتحدد بمنهاج مقرر ولا كتاب انما درس ينفذ على طريقة (التعلم بالعمل) .ونحن هنا لا نريد ان نكون بمستوى الدول المتقدمة , انما نريد ان يتوفر الحد الادنى من المستلزمات المادية الاساسية والدعم المعنوي والجهد في اعداد الكوادر المتخصصة وهو الجانب المهم جدا فيهذه القضية التربوية .

ان مدرس التربية الفنية انما هو بمثابة مدرس لجميع الدروس . ذلك لأن كل مدرس ايا كان اختصاصه هو يمارس التربية الفنية من حيث كان يعلم او لايعلم . فأغلب المدرسين يطلبون من الطالب التأمل في كتابة قصيدة او حل اعراب جملة باللغة. والتصور في الآحداث التأريخية والمواقع الجغرافية والخيال في التمارين الفيزيائية والرياضيات و التعبير والتفكير والحساب الذهني في دروس الكيمياء والاحياء والربط بين الاشياء واستخراج النتائج والمعطيات في الدروس.وتلك كلها عناصر الادراك القائمة على اسس عقلية وذهنية وحدسية يمارسها الطالب وهو يرسم وينحت ويعزف ويصمم ويخط ويلون ويمثل ويقدر المسافات بين الاشكال والصور.ان ما نريد قوله هو ليس ان تنهض مدارسنا بالنشاط بالتربية الفنية او لا تنهض , أو ان تكثر من النشاط او تحد منه , وأنما في ان تحرص المدرسة بالتعاون ما بين الادارة والمدرس المختص على جعل كل نشاط (مربيا) بافعل وذلك بتحديد الاهداف والتخطيط لذلك النشاط على اسس صحيحة وتنفيذها الذي يؤدي الى اكساب اطلبة القائمين به بصرا وفكرا ومهارة, ثم تقويمه بما يضمن زيادة توجيهه وتحسينه . وليعلم مدرس التربية الفنية بأنه شخص تربوي قبل ان يكون معلما للرسم وليعلم ان دوره ليس فقط صنع فنان بل صناعة انسان من خلال الفن .
 


 

free web counter